تراجعت مساحة البرامج الثقافية في التليفزيون، وتراجع دورها ومحتواها، في ظل ثورة اتصالات تعم العالم، وتعطي الباحثين عن ثقافة حقيقية ما يريدون، وقد تسبب هذا التراجع في حالة من الهجر لبرامج التليفزيون، بعدما افتقد فيه المشاهد جرعة تثقيفية مثلت عبر سنوات زادا لفئات واسعة. يقول صالح علي، مهندس معماري: أقارن بين تليفزيون الأمس الذي كان يقدم برامج هادفة مع تليفزيون اليوم، حيث برامج الرقص والغناء، أما المعلومة إن أردتها فليس أمامك سوى الكتب والإنترنت. أما ميرفت عبد الحي، موظفة بمجلس مدينة المحلة، فتذكر برنامج سر الأرض الذي يقدم توعية للفلاح البسيط، وتتذكر أيضا برنامج نافذة على العالم الذي يعرفنا بالدول والشعوب في أنحاء الدنيا، وبرنامج الجائزة الكبرى الذي يقدم تثقيفا عن قصص الأنبياء والأحاديث في شكل أسئلة وإجابات. ولا يتذكر محمود عجيبة، صاحب ورشة أنه شاهد برنامجا ثقافيا منذ أكثر من 10 أو 15 عاما، فالبرنامج الوحيد الذى كان يشاهده هو "عالم الحيوان" الذي كان يعشقه ويعتقد أن السبب فى ذلك هو الرائع مقدم البرنامج "محمود سلطان " الذي كان يجبرك أسلوبه على إكمال البرنامج " ، ويتساءل " هل يوجد الآن من يحترم عقليتنا ويتحدث مع البسطاء أمثالنا"؟ ويقول علي الخواجة، عامل نظافة، إنه شخص غير متعلم لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، فعندما يجلس أمام التليفزيون من المؤكد سيشاهد فيلم أو مسرحية ترفيهية، وليس برنامجا ثقافيا حيث يرى هذه البرامج تتحدث بلغة لا يفهمها وكأنها تتحدث لطبقة معينة من المؤكد أنها ليست طبقة البسطاء أمثاله، التي بالفعل أكثر احتياجا للتثقيف. من جانبها ترى الإعلامية هالة فهمي أن هناك تعمدا من قبل الدولة أن يكون الشعب المصري جاهلا، فلا يتابع سوى برامج الرقص وما شابهها مما امتلأت به قنواتنا، وبالرغم من أن وجود بعض البرامج الثقافية التي تحترم المشاهد كبرامج القناة الثقافية إلا أن إمكانياتها ضعيفة جدا فتجبر المشاهد على النفور منها، وتضيف: "وإذا تحدثنا عن الثقافة.. فلابد أولا أن نتحدث عن الأطفال فهم الأساس فهل يوجد الآن برامج أطفال؟ أين الاهتمام بالطفل المصري؟. أما الإعلامي أحمد مختار فيرى أن الدولة نفسها قد تخلت عن دورها الثقافي وأصبح المسؤولون ضعيفي العلاقة بالثقافة، بل تكاد تكون ثقافتهم منعدمة فلم يفهموا أهمية هذه البرامج لذلك بدأوا في وضعها في أوقات غريبة ظنا منهم أن الثقافة كئيبة لا يتابعها أحد، كما أضاف أن هناك أيضا مشكلة مع مقدمي هذه البرامج مما يجعل المشاهد ينفر من برامجهم، ويرى مختار أنه كان من المأمول بعد إقامة ثورتين مثل ثورة يناير وثورة يونيو أن يكون هناك اهتمام أكبر بالثقافة في الإعلام، لأن من أنقذ مصر من الفوضى والفاشية هم المثقفون، فلولا الثقافة لانهارت مصر . ويرى المخرج التلفزيوني محمد خفاجى أن المشكلة الحقيقة تكمن في عدم التنويه الجيد لهذه البرامج، بالإضافة إلى أن الكثير من الناس لم يعد لديهم صبر للجلوس أمام التليفزيون لأخذ معلومة بل يبحث عن أسهل الطرق لها كمثل إيقاع الحياة السريع، واقترح خفاجى أن تصبح البرامج التثقيفية عبارة عن أفلام تسجيلية تتضمن معلومات . وأخيرا تقول الإعلامية شيرين الطحان، إنه يجب تغيير وجهة نظر الدولة وذهن المسؤولين بأن الثقافة ليست عبئا على الدولة، ولابد من إعادة العلاقة بين مؤسسات الدولة والشعب في نشر الثقافة وتغير منظومة التعليم الذي يعد أحد مفردات الثقافة.