محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    قوات الاحتلال تشن حملة اقتحامات واسعة لعدد من مدن وبلدات فلسطينية    حدث ليلا.. مظاهرات تجتاح أوروبا دعما لغزة ومحاكمة دولية تنتظر إسرائيل    الجيش الأمريكي: جماعة الحوثي أطلقت صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر    الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما داعما لفلسطين في برلين    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    عاد لينتقم، خالد بيبو: أنا جامد يا كابتن سيد واحنا بنكسب في الملعب مش بنخبي كور    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    حدث بالفن|شريهان تعتذر لبدرية طلبة وفنان يتخلى عن تشجيع النادي الأهلي لهذا السبب    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    وسام أبو علي يدخل تاريخ الأهلي الأفريقي في ليلة التأهل للنهائي    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسماء إبراهيم تكتب عن «مثلث العشق»: البحث عن الضلع الثالث!
نشر في البديل يوم 13 - 10 - 2014

إذن هو "مثلث العشق" عنوانًا يختاره الكاتب «شريف صالح» لمجموعته القصصية الفائزة بجائزة ساويرس والصادرة عن دار العين، بإطلاعك على الفهرس وعناوين قصص المجموعة لن تجد قصة بهذا العنوان ما يفتح الطريق أمام فضاءات الأسئلة عما يرمي إليه الكاتب، وما تشير إليه أضلاع هذا المثلث. ولنعتبرهم رجل وامرأة وثالثهما شريك يتشكَّل ويتغير مع كل قصة جديدة من قصص المجموعة الإحدى عشرة فيظل هاجس البحث عن الضلع الثالث يراودك بقراءة كل قصة.
يشير ««صالح»» لزمان ومكان كتابة المجموعة بين العامين 2007 وحتى 2009 في الكويت .. علَّك تستحضر أجواء الكويت العاصمة ببرجها الشاهق واجتياح عراقي لم تزل ذكراه حية حتى بمرور ربع قرن. شهر الاجتياح وفصله تتردد أصدائه في المجموعة هو وفصل الخريف. يتشاطران خلفية القصص ويشحنان أجواء المجموعة بتغيرات مناخية يعافها الوجدان ولا تستسيغها النفس. وكأن تلك المدن وقاطنيها جديرة بمثل هذا المناخ الترابي المُضبَّب ذو التغيرات المفاجئة، حيث القيظ يتحول إلى مطر غزير وربما يفضي إلى عاصفة كما في (شعرها الغجري تتطاير منه الحجارة) أو قد يتحول إلى بَرد متساقط كما في (شاب هندي وفتاة صينية) في طفرة مناخية مستبعد حدوثها ولكنها – رغم ذلك – تظل محتملة الحدوث.
ما زال البحث جاريًا عن الضلع الثالث من "مثلث العشق" .. على شواطئ الخليج العربي تتهادى الموجات .. موجة تلو الأخرى .. لا ينقطع مد وجزر مياه البحر .. غشى الشاطئ موجات عدة ليس آخرها موجة هجرة قام بها المصريون إلى البلدان العربية في العقود الأخيرة ، فأضحت مدنًا كالرياض وجدة والكويت ملجأً وملاذًا لساكنيها الأجانب من المصريين ممن تأثروا بثقافات تلك الدول (وهامشها) الحضاري .. بل ونقله البعض للقاهرة "القاهرة" التي تباهي بعمقها الحضاري في المقابل ومتن ثقافي وتاريخي يخاتل الهوامش.. المد الصحراوي يغشى الامتداد الحضري الذي تتمترس خلفه ثقافة الوادي والذي جدب بفعل التقادم وتحت ضغط البترودولار.
الظن الأكبر أن ««صالح»» استثمر حنينه الشديد لبلده فكتب مرثية الغربة تلك كاشفًا عن روح تحمل حنينًا شديدًا للوطن، ويعوضه ليس بالتباكي على أيامه في الوطن الأم بل بسب وقذف الغربة (دون صراخ) فقط يعرض زيف العلاقات المراوغة والمخادعة تماما كمراوغة سرده المشحون باحتمال حدوث الأشياء لا قطعية حدوثها.
المدينة المتجهمة التي يحاول بطلنا اكتشافها ويبحث فيها عن آليات التوافق .. هي ومثيلاتها في المجموعة مدنًا صحراوية يتنفس أهلوها الرمال والوحدة ، ورغم أنها مدنًا كوزموبوليتانية شديدة التناوع إلا أن بشرها (أو أجزاء فسيفسائها) يتحولون إلى جزر منعزلة .. لن يدهشك تخمة المجموعة بخدم آسيويين ومدلكين هنود وموظفين مصريين وفنانين سوريين وأكاديمين توانسة.
وحده الاغتراب الوجودي هو القاسم المشترك بين قصص المجموعة.. (لك أن تعتبره ثالث أضلاع مثلث العشق) وحتى في نصف قصص المجموعة الآخر والتي دارت في مدن مصرية؛ كان بأبطالها مسّ من ذلك الاغتراب.. لذا لجأ «صالح» للتغريب في أكثر من قصة مستخدمًا عدة تقنيات لكسر الإيهام ونكز إدراك القارئ، وتذكيره من آن لآخر أنه بصدد قراءة قصة قصيرة بين دفتي كتاب حتى لا يتماهى مع شخوصها.. "قصة عن الريح" هكذا يذكِّرنا الكاتب من حين لآخر في قصته "شعرها الغجري تتطاير منه الحجارة" حيث العبث هو الحقيقة الوحيدة حين يصبح الاحتمال يقينًا ويضحى المستحيل واقعًا، فالطبيعة في نوبة من ثوراتها تقذف بسكان تلك المدينة الصحراوية نحو هلاكهم في عاصفة عارمة فينتهي العالم وتذبل القداسة وينتهي الانسان الذي يسخر الكاتب من غروره فيحيله في نهاية قصته وبحس كافكاوي إلى دمية صغيرة تبتلعها الأمواج.
في قصة "جر الخيط" ينسج «صالح» علاقة هامشية في قصته بفيلم "الخيط الرفيع" والذي لم يكمل بطل القصة مشاهدته للنهاية وهو المتمرِّس في جر خيوط كل مفارش زوجته المحببة إليها (إرهاصا بجر شَكَل محتمل بينهما) .. علاقتهما التي ينمو توترها تنتهي بمزاوجة بين الحلم والواقع.. الزوج غير الواثق من نفسه يوثق زوجته بخيوطه حتى تتحول لتمثال من حرير وحين يرى عينيها يقرر أنه سيخيطهما حتى لا تغمز لرجل غيره .
الحلم والواقع
النهاية الحلم / الكابوس التي تنتهي بها جُلَّ القصص .. فضلاً عن الخيال المُركَّب هما سمتان أساسيتان في مجموعة شريف «صالح» ناهيك عن عناية شديدة يوليها «صالح» للتشكيل البصري .. إضافة إلى المراوغة بين الحلم والحقيقة بطول المجموعة والانزلاق السلس بينهما ليتاخم كل منهما الآخر ويتماس معه تماسًا شفيفًا حيث الاحتمالية روح أصيلة في المجموعة وكأن «صالح» يلعب باليقين ويعمد إلى تفتيته والسخرية منه عبر زعزعته .
في قصة "متاهة الثيران" نجد الصديقين مينا ودبش ومونتاجا متوازيا لصورة زوجة الأول المستحضَرة من ذاكرته والمتخيلة في ذهن صديقه، مستعرضًا هذيان زوج يشك بخيانة زوجته والتي يستشف القارئ من القصة أنها لا تخونه، فالعشيق الخائن غير واقعي بل من صنع خيال الزوج .. إذن هو اللعب على اليقين وتفتيته والسخرية منه والعبث مرة أخرى وهي نفس الخدعة التي لجأ إليها في قصته "سيدة الدانوب الأزرق" حيث تشير أصابع الاتهام إلى الزوجة في حادثة القتل لكن لا دليل يدينها فقط دوافع محتملة ويقين مزعزع .. لكن «صالح» يعمد إلى غرس بذور الخيال في جسد الواقع حتى يصير الخيال واقعا محتملا حدوثه .. به نسبة من المصداقية لن تنكرها .
سخرية هادئة
السخرية الهادئة والمفاجئة أيضًا من سمات المجموعة.. في قصة "سنونوة" نصادف مقولة: "في صحة الوحدة العربية" ص87 وهي صيحة يطلقها روائي مصري ردًا على أكاديمي تونسي يرى أن "كأس شيفاز تساوي كتيبة من الجيش العربي الموحد" ص 86 النخب المقترح كان بغرفة بأحد الفنادق اجتمع فيه زمرة من فنانين ومثقفين عرب .. هنا يرسم «صالح» اسكتشات شخصية لنماذج التقاها بطل القصة في المؤتمر، التجهيل المتعمد لأشخاص لا يحملون إلا حروفا للاشارة إليهم بعد وظائفهم يجعلك تتساءل هل كان النخب المقترح في صحة الوحدة العربية أم الغُربة العربية؟ وهل تعني الوحدة هنا التجمع؟ أم الشعور بالتوحد والفردانية رغم صخب التجمع .. ليطل الضلع الثالث برأسه مجددًا.
هذا الضلع الذي ألقاه «صالح» في بحيرته يُحدث دوائر تتسع أكثر فأكثر من المستوى الإقليمي والعروبي في قصة "سنونوة" إلى الدائرة العالمية في قصة "شاب هندي وفتاة صينية" القصة الحادثة في الكويت تظهرها في البداية كمدينة متخيلة بفضل تجريد السرد والأجواء الحُلمية حيث خُدام الحب هم محبون قدماء .. الاغتراب وتجلياته يجسده «صالح» في اعترافات البطل: "ظللت واقفا مسمَّرا على عتبة الباب المفتوح، وكأني انتظر شخصًا يلتقط صورة للذكرى، أو مثل جندي يرفض الاعتراف بالهزيمة." ص 95
القصة التي كُتبت في مديح الفقد تدور حول عاشق حالم يبحث عن حبيبته التي ترواغه وتهرب منه من ميدان الحب إلى شاطئ المحبة في مدينة يطلق فيها الدوار حين يقصد الميدان .. (أهل الكويت يقولون "دوار" مستحيل أن يكون هناك عنوان اسمه "ميدان الحب") ص 100 .. في اشارة لاغتراب اللغة هي الأخرى بخلاف اغتراب بطلنا الصارخ : "افردوا شراع الشوق سأهرب معكم أنا الغريب هنا .. خذوني معكم يا من تفردون للشوق شراعا حتى لو كنتم قراصنة الكاريبي" ص 104 .
يبقى أن نذكٍّر القارئ بأن يونيو الصيفي كان شهر أحداث القصة التي انهمر بَرَدها على المحبين في أولها مثلما قي نهايتها.
سعاد حسني
من تابع مقال شريف «صالح» الأشهر "جسد صافيناز.. المثقل بالفوضى" حول جسد الراقصة صافينار ومقارنته بجمال الجسد المصري الذي أرجعه شريف «صالح» إلى حضوره الروحي "فهو جسد شهوي لا شهواني، بمعنى أنه لا يعرض ذاته عرضا صريحا وخاما، بل مواربا ولماحا" سيدرك حتما ما الذائقة التي تقف ورائه .. القصة المعنونة باسم السندريلا تحية للجمال المصري الراق والمتسلح بضعفه أمام فراعة طول الجمال الأرميني وصخبه، لا ينس الكاتب أن يلق التحية على أجساد سهير زكي ونجوى فؤاد وبرلنتي عبد الحميد وهند رستم وناهد شريف محتفيًا بدقة التكوين الآسرة لجسد زوزو النوزو كونوزو التي شكلت خيال فتى مراهق تمناها دوما، في ممازجة بين قصيدة كعب بن زهير "بانت سعاد" وبهاء سينما الأبيض والأسود التي حفظت جسدها البهي في أعماق كادراتها وذلك في مقابل اصطخاب ألوان الشاشات الديجيتال .. بطلنا الذي يعاني تلفازه الأبيض والأسود من هزيمة السنين حيث خطوط عرضية تجترح شاشته يوازي بينه وبين تحولات السندريلا التي تحول جسدها البهي والمشتهى إلى جسد امرأة تعاني السمنة والكهولة ولكنه مسجى على أرضية أحد شوارع لندن .. ومع ذلك يصر فتانا المراهق على البحث عن فردة حذاء السندريلا! في نهاية حلمية يصر «صالح» على الالتزام بها في مجموعته ..
بطلات شريف «صالح» مكتملات الأنوثة يافعات أو ثلاثينيات ناضجات .. تجاورهن شخصيات شهيرة ثانوية في مخيلة أبطاله أمثال السمراوتان الفاتنتان بيونسيه وتايرا بانكس .. وحتى بطلة قصته "عفريت الليل .. عفريت النهار" قاطنة كفر الجبل الموظفة "الأقرب إلى نسخة باهتة من نادية لطفي ببحة صوتها وبياضها وشعرها الملون" يصفها بأن جمالها كامن "لم تجد من يستثمره حسب الشرع والأصول" ص 67 .. يختتم «صالح» قصته تلك بلمسة واقعية سحرية حيث يحمل البطلة عفريت أبيض متجاوزا كفر الجبل ومكان عملها في جامعة القاهرة ومكان عملها الليلي في بارات شارع الهرم ومواقف سيارات فيصل الهرم .
بطلات
عودة للبطلات في المجموعة.. فحتى كُبراهن الأربعينية متماسكة الأنوثة يُستلب حبيبها نحوها بفعل كعبها! .. في قصة "خطيئة الكعب" بطلنا المهاجر نحو ذاته "شخص مسجون بين رفوف الكتب يسمع عن الحياة من ثرثرة الآخرين .. لكنه لا يراها." ص 114 يصرخ: "أنا عطشااااااان" بعد استهلال رائع للقصة ومن قبله توطئة بمقولة للسيد المسيح "جئت ألقي نارًا وماذا أريد إلا اضطرامها".
الصوت والرائحة عتبات الروح .. لا يمكن التواصل بدونهما .. والمجموعة متخمة بالأغاني والروائح بدءًا برائحة الياسمين والتوابل الحارة ورائحة جسد الزوجة وحتى رائحة زجاجة الفودكا ماركة "مينادا" .. في قصة "مينادا" تستشعر روح أدجار آلن بو في خلفية مشهد النهاية حيث الجثة الطافية التي تقرر تغيير مكانها في النهر والذهاب لمكان أعمق، المينادات وفق تعريف القصة هن رفيقات شابات لديونيسوس يرقصن ويغنين حتى يبلغن حد الجنون من فرط النشوة.. القصة تكشف "النظرة الدونية للمرأة ووضعها في اطار التنفيس عن رغبات الرجل فقط دون احترام لآدميتها أو مشاعرها" ص 78 .. حيث تواطأ الجميع لاغتصاب المنتحرة .. الأصدقاء الثلاثة: الشاعر والناقد الأدبي ثم موصِّل طلبات البيتزا وأخيرًا موظف العلاقات العامة بأحد الفنادق .. ثم كان حرص الكاتب على توريط السلطة عبر مضاجعة الشرطي وزملائه لمينادا مستخدمًا سخريته "أرسل ثانيا وثالثا ورابعا لاقناعها" ص 80 .
هنا تتجلى سمة من سمات كتابة «صالح» في هذه المجموعة وهي الميتاقص حيث كاتب القصة المشغول بها والذي يكتبها ويحكي مع القارئ حول تقنيات الكتابة، ويشركه معه في كتابتها عبر جمله الاعتراضية على شاكلة: "لو حذفنا القصيدة لن تتأثر القصة" "نأتي إلى أسماء البطلين الأساسيين نلاحظ أن كل الشخصيات بلا أسماء" ص 78 "كان من الأفضل لو ظل معنى الاسم غامضا ليثير فضول القارئ" ص 79 "تنتهي القصة بهذه الفقرة الغامضة كأنها نهاية سوريالية" ص 81.
ربما كان الضلع الثالث في مثلث العشق هو الغربة بمعناها المباشر عبر الهجرة من الوطن كما في قصص: (شعر غجري / سيدة الدانوب / سنونوة / شاب هندي وفتاة صينية) ثم الاغتراب بمعناه الوجودي والأشد قسوة في الوطن ذاته (جر الخيط / متاهة الثيران / مينادا / سعاد حسني / خطيئة الكعب) .. وأخيرًا يختتم «صالح» مثلثه باغتراب المجتمع ذاته عن ذاته .. في "المغني العاطفي" قصته الأخيرة بالمجموعة .. ورغم ما قد يثيره العنوان من وجدانية مفرطة؛ إلا أن الذهنية بحضورها الطاغ هي البطل، في هذه القصة والتي يبدأها «صالح» بكسر التماهي معها من أول جملة فيها "هبط المغني العاطفي (هذا مجرد لقب مبدئي إلى أن نعرف اسمه الرباعي كاملا) درجتين رخاميتين".. ص 129.. يستمر «صالح» في نكز وعي قارئه ومحذرا إياه من الانخراط معه حيث الإشارة لما وراء الكتابة والاحالة لهوامش الأغاني التي يرقص على ألحانها مغنينا العاطفي، وكذلك الأفلام التي يقارن بينها الكاتب وبين حال بطلنا مستحضرًا أجواء التمثيل والعروض الأدائية .. المدينة الجهمة والتي يجرى فيها "جلد الشباب الذين صدرت بحقهم أحكامًا شرعية تتعلق بشرب الخمر أو الخلوة غير الشرعية " ص 125 مثلما لا تستوعب نزق المغني العاطفي أو أناقته المتمثلة في جاكت وطربوش وصديري أنيق في مقابل مسرور السياف الذي يرتدي سروالا فضفاضًا، فأنها لا تحتمل عنوان محل بيافطة "الورد جميل" وما به من دلالات غاية في اللطف والتمدن فتتغير لتحمل لافتة بعنوان "موزع معتمد لأفخر أنواع السيراميك" والبائع هو نفسه لم يتغير لكنه ينظر إلى البطل باحتقار .. يراوغ «صالح» حين يشير في سرده إلى عملات عثمانلية كان يستخدمها البطل، أو حين يشير إلى تاريخ المدينة "(لسنا متأكدين من الأسماء والألقاب التي توزع هنا خصوصًا أن الحي يقع في بلد كان آنذاك جمهورية وليست امارة أو ملكية)" ص 129 في اشارة لتغير وجه المدينة وتحولاتها لنجد أنفسنا أمام الغربة في الوطن بعد أن تزيَّى بلباس غريب وبعد أن هاجر الوطن نفسه مفسحًا الطريق أمام ثقافة رعوية في مقابل ثقافة مدينية وحضارية.. محل الورد يستحيل إلى منفذ لبيع السيراميك وحديقة العشاق تستحيل إلى مقابر الصدقة .. وعشرات الصور الفوتوغرافية في جيب مغنينا العاطفي تعود لأجواء الثلاثينيات لا تشفع له باستعادة مدينته .
فقد متجدد .. يصوغه شريف في نهاية قصته كرواية غير رسمية تنسف ما حدث خلال القصة وتلعب في الزمن وتشكك أساسًا في وجود مغني عاطفي في "حي مليئ برجال ملتحين ونساء منتقبات يسيرون في شوارع تحت ظل صور الأمير)" ص 134.
وفق احتمالات شريف «صالح» المراوغة ويقينه المتأرجح في هذه المجموعة.. لا تستطيع الجزم يقينا بأن الاغتراب بمستوياته المتعددة (اغتراب الانسان وغربته في وطنه وفي مهجره وغربة الوطن ذاته) كانت الضلع الثالث الذي نبحث عنه منذ البداية لكنه على أية حال يظل حاضراً بقوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.