منذ بدء الحرب على سورية سعت الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية ودول المنطقة لعزل الدولة في سورية في محاولة لنزع الشرعية عن النظام القائم فيها. وبذلت الولاياتالمتحدة وشركاؤها كلّ جهد مستطاع لتحقيق هذه الغاية، واستخدمت كعادتها سلاح الترغيب والترهيب للتأثير على قرارات الكثير من الدول في مجلس الأمن، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مجلس حقوق الإنسان. نجحت حيث كانت الكلمة الأولى للولايات المتحدة، وأخفقت حيث كانت التوازنات في مصلحة الدول التي تدعو إلى عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية واحترام ميثاق الأممالمتحدة. تشكل الاجتماعات الدورية السنوية للجمعية العامة للأمم لمتحدة مناسبة لتقييم مستوى النجاح أو الفشل لسياسة عزل سورية دولياً. طبيعة اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوري الأستاذ وليد المعلم على هامش اجتماعات الدورة الحالية للجمعية العامة توضح حدود النجاح وحدود الفشل، فالوزير المعلم التقى وزراء خارجية دول عربية عديدة وعلى رأسها العراق والجزائر والسودان ولبنان، كما التقى بوزراء خارجية عدد من دول أميركا اللاتينية إضافةً إلى وزراء خارجية انغولا وكوريا الشمالية، والأمين العام للأمم المتحدة، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار أنّ دول «البريكس» التي تضمّ كلاً من روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل تقيم علاقات طبيعة مع الحكومة السورية ولم ترضخ لضغوط الولاياتالمتحدة وشركائها، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار أيضاً أنّ هذه المجموعة تمثل أهم محور دولي لجهة عدد السكان والقدرات الاقتصادية والقوة العسكرية، معطوفة على الدول الأخرى التي التقى المعلم وزراء خارجيتها، يمكن الاستنتاج أنّ سياسة عزل سورية دولياً لم تحقق أيّ نجاح جدي، ولم تصل إلى مستوى الطموح الذي كانت تتطلع إليه الولاياتالمتحدة، وهو جعْل سورية دولة منبوذة ومعزولة ومحاصرة ومطعون بشرعية حكومتها. تشي هذه النتيجة بخلاصتين أساسيتين: الخلاصة الأولى، ولادة جماعة دولية جديدة رافضة لسياسة الهيمنة والإملاءات المعتمدة من قبل الغرب، ولا سيما من قبل الولاياتالمتحدة، وبالتالي تؤكد أنّ الحقيقة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث تمّ التسليم عالمياً بأحادية قيادتها للعالم والإذعان لكلّ طلباتها قد انتهت وبدأ عصر دولي جديد لم يصل بعد إلى مرحلة النظام الدولي متعدّد الأقطاب، ولكنه في الوقت ذاته لم يعد يسمح بتمرير كلّ ما تتطلع إليه الولاياتالمتحدة. الخلاصة الثانية، حدود القوة الأميركية، صحيح أنّ الولاياتالمتحدة وحلفاءها ما زالوا يمثلون القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر على المستوى العالمي، ولكن هذه القوة لم تعد تؤهّلها لأن تتصرّف على هواها في الساحة الدولية، في ظلّ مصالح قوى دولية وإقليمية أخرى، وتعارض مصالح هذه القوى الصاعدة مع سياسة الهيمنة والإملاءات التي تعتمدها الولاياتالمتحدة. بديهي أنّ هذا الواقع سيكون له تأثير عميق على العلاقات الدولية، وعلى مستقبل النظام الدولي الجديد الآخذ بالتشكل مرة أخرى في ضوء نهوض مجموعة البريكس وقدرتها على جذب دول في جميع القارات باستثناء القارة الأوروبية حتى الآن.