وهكذا، تمّ في جدّة تأسيس حلف جديد للحرب على الإرهاب، وهو إرهاب متنقل بين العراقوسوريا ولبنان، كان قد استخدم الساحة العراقية في وقت سابق، وأدّى الى ما أدى إليه من سقوط الآلاف من الأبرياء والمدنيين، ثم انتقل الى سوريا بعد اهتزاز الأمن والاستقرار فيها، إلى أن أزال الحدود بين الدولتين، في هجوم مباغت ما زالت الأسئلة والشكوك تحوم حوله كيفية حصوله لغاية الآن. وتعليقًا على تأسيس هذا التحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي أعاد بالذاكرة مؤتمرات "أصدقاء سوريا"، يمكن إدراج الملاحظات التالية: أولاً: في إشكالية ضم الدولة السورية الى الحلف: من الطبيعي أن تحالفًا حقيقيًا وجديًا لمحاربة الإرهاب، لا يجب أن يقصي أيًا من الدول الفاعلة والمعنية مباشرة بهذا الخطر الإرهابي، وأهمها ايرانوسوريا، علمًا أن هذا الإقصاء طرح نوعًا من الشكوك على أهداف هذا الحلف الدولي، خاصة بعدما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما نيّة بلاده ضرب أهداف إرهابية داخل سوريا، وذلك بدون التنسيق مع الدولة السورية، وهذا قد يكون مقدمة لضرب مواقع للجيش السوري، وهذا خطر مضاعف قد يؤدي الى توسّع إطار الحرب السورية ودخولها منعطفًا خطيرًا للغاية. واقعيًا، دون إنضمام سوريا الى الحلف عقبات عديدة، حتى لو صدقت نوايا الأميركيين في قتال الارهاب وتخليص المنطقة منه، فالسعودية وتركيا وقطر، لم تتخلَ عن مشاريعها القتالية في الداخل السوري، وبالرغم من كل الخسائر التي تكبدها مقاتلوها في الداخل، إلا أن الدول الثلاث ما زالت مستعدة للقتال حتى آخر سوري لإسقاط الرئيس بشار الأسد، وهذا يعني أن الدخول السوري في المعركة ضد الإرهاب قد يؤدي الى تراجع الدول الثلاث، عن الدخول في الحلف، وهو تراجع مرغوب ومطلوب من قبلهم، وقد تأتيهم ذريعة "مساهمة النظام السوري" للتملص من ذلك بسهولة وبدون أن حرج. ثانيًا: في موضوع ضم إيران الى الحلف: يطرح الدخول الإيراني في الحلف، إشكاليات متعددة: فمن ناحية أولى يعلم الجميع أن أي تحالف حقيقي في المنطقة ضد الإرهاب، يعمل على اجتثاثه من الأراضي العراقية والسورية لا يمكن أن يحقق أي نجاح بدون المباركة الإيرانية له، خاصة لما لإيران من نفوذ هائل في كلا البلدين، كما لقدرتها على اقناع الفرقاء الداخليين في كلا البلدين من المساهمة الفعّالة في هذه الحرب. لكن، من ناحية أخرى، قد تتنازع الدخول الايراني العلني على خط هذا التحالف، مسألتان: - الأولى أن يقوم الإرهابيون بشدّ العصب المذهبي وكسب التأييد والتعاطف الشعبي معهم بحجة أنهم يقاتلون عن "السنّة" تجاه الهجمة "الشيعية، الصفوية، الفارسية" والى ما هنالك من مفردات، وهذا سيؤمن لهم بلا شك، القدرة التعبوية واللوجستية والمالية، بالاضافة الى البيئة الشعبية الحاضنة. ولطالما استخدم هؤلاء الصراع المذهبي المتجذر في المنطقة للاستفادة منه والتغلغل داخل بعض البيئات التي تعاني التهميش، ويمكن تحريكها مذهبيًا، لإنشاء بيئات حاضنة للارهابيين، وإلا لما استطاعت أن تسيطر بسهولة على مساحات شاسعة من العراقوسوريا، ولما استطاعت تأمين مئات الآلاف من المقاتلين، المحليين والآتين من جميع أصقاع العالم للقتال باسم الدين، ولما استطاعت تأمين التمويل الهائل الذي ضخّ لها الأموال من الخليج بالدرجة الأولى، ومن منظمات "اسلامية خيرية" تعمل في الغرب. - الثانية، أن تتراجع السعودية عن قيادة هذا الحلف بحجة خوفها من أن تستفيد إيران وحلفائها في المنطقة من إضعاف "داعش" والمجموعات الارهابية الأخرى. وقد تثير السعودية مسأله استفادة إيران اقليميًا بعدما قام الأميركيون بإسقاط نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق. وهكذا، يمكن القول أن إعلان هذه الحرب على داعش، يبدو جيدًا، وقد تكون الخطة ذكية، ولكن ستبقى مجالات الشكّ قائمة طالما لم تستكمل الولاياتالمتحدة الإجراءات العسكرية بالضغط على حلفائها الإقليميين، بوقف التمويل والتحشيد والسماح للمقاتلين بعبور الحدود التركية للمساهمة في القتال الى جانب "الدولة الإسلامية – داعش" في كل من العراقوسوريا، فكل الاجراءات القتالية المقررة، تبقى بلا فائدة إن لم تستتبع بإجراءات عقابية لكل من يموّل ويحرّض ويسهّل للإرهابيين دخولهم، أو حصولهم على السلاح والعتاد، سواء أكانت دول أو أفراد أو مؤسسات.