مثقفون: المشروع ضحية صراع الوزراء للحفاظ على السلطة سعيد توفيق: المجلس الأعلى للثقافة أصبح لا ينفذ إلا سياسات الوزير عز الدين نجيب: «صابر عرب» لم يكن متحمسًا للمشروع قوانين كثيرة من شأنها أن تساهم في إحياء العمل الثقافي في المؤسسات الحكومية من جديد، إلا أن مصيرها دائما مايكون إلى أدراج المسؤولين، فعلى الرغم من موافقة «الأعلى للثقافة» بأكمله، على مشروع تعديل قانون إنشاء المجلس، وانتهاء اللجنة من صياغته، إلا أن غياب الإرادة الثقافية وتجاهل الوزير السابق لأهمية الأمر، وانشغال الوزير الحالي بقرارات يرى أنها أهم، كتوقيع بروتوكول تعاون لنشر التوعية المائية، أدى إلى توقف المشروع وبقاء الحال على ما هو عليه. الدكتور سعيد توفيق، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس لجنة تعديل مشروع قانون تحويل المجلس لبرلمان للمثقفين قال ل«البديل» إنالفترة الزمنية الهائلة التي مرت على المجلس منذ إنشاءه تتطلب إجراء تعديلات كبيرة، كي يفعل الغرض الأساسي من إنشاءه، وهو أن يرسم السياسات الثقافية للبلاد، بمعنى أن يقوم بدورة الذي أصبح لا يقوم به، أن يتحول إلى عقل وزارة الثقافة، لذا يعتبر أهم ما طرأ على المشروع في هذا التعديل اعتبار تلك السياسات "ملزمة" فالقانون لابد أن ينطوي على إلزام، بدونه تصبح القوانين عبارات إنشائية، الإلزام هنا للقطاعات حتى لا تعمل بشكل منفصل عن غيرها، أو وفقًا لما يراه كل وزير، فالسياسات الثقافية لا يرسمها فرد حتى لو كان الوزير، ويجب أن يرسمها عقل يمثل رموز من المثقفين سواء داخل المجلس أو خارجه. المشروع كان مصيره التوقف، هو الآن في الأدراج، ويؤكد «توفيق» أنه سيظل متوقفًا؛ لأن الوزراء الذين يتوالون على وزارة الثقافة لا أحد منهم يقبل أن يكون دوره مجرد تنفيذي، وأن يرسم سياسات المؤسسة جماعة المثقفين وليس فرد الوزير، كأنه لا يريد من أحد أن يسلبه سلطته في إدارة كل قطاع، ففي حالة إقرار القانون، سيحدد المجلس وحده دور الوزير ليكون دورًا تنفيذيا فقط، وهي سلطته الحقيقية في أي حكومة في العالم. يتابع: هذا القانون تشكلت له لجنة بقرار وزاري كنت رئيسها، وتم اعتماد القانون من المجلس بعد انتهاء اللجنة من صياغته خلال 3 جلسات، طالما أن المجلس بأكمله وافق بحضور الوزير الذي كان يرأس تلك الجلسة كان ينبغي أن يتم تصعيد هذا القانون لرئيس الدولة، لكن لم يتم تصعيده، ولا أظن أنه سيصعد إلا إذا انتبهت الحكومة ورئيسها إلى تلك الأشياء الهامة التي يتم إغفالها عن تعمد. يستطرد "توفيق": قلت قديما أن وزارة الثقافة جزر منعزلة وأن هذا القانون يسعى إلى رسم سياسات تجعل هذه القطاعات تعمل منسجمة، وليست بمعزل عن بعضها البعض، وتفاجئ بعد ذلك أن نفس الكلام يردد دون تفعيل، وإن كنت تريد تفعيله فعليك بالقانون، وإلا سيأتي كل وزير ليقول نفس الكلام ويردده دون أن ينفذه على أرض الواقع. "المجلس الأعلى للثقافة واضح أنه منذ عقود طويلة ينفذ سياسات الوزير، لكنه معذور لعدم وجود قانون يحكم العلاقة بين المجلس والوزير، أما القانون المقترح يجعل من الوزير سلطة تنفيذية تقوم على متابعة وتنفيذ قرارات المجلس، وهذا لا يضير أي وزير في شيء، وفي القانون الجديد المجلس يضع حسبان للمثقفين، ويتجدد دماءه باستمرار، ويحدد أسس تشكيله واختيار أعضاءه، وكيفية دعم الجماعات الثقافية الشبابية".. بهذه الكلمات اختتم حديثه دون أمل في فتح الملف رسميًا مرة أخرى، بعد أن بات من مصلحة كل وزير أن يكفى على القانون "ماجور". الدكتور محمد نور فرحات والدكتور حسام عيسى كانا ضمن أعضاء اللجنة، بالإضافة إلى الفنان التشكيلي عز الدين نجيب، الذي قال لنا: تم صياغة القانون نهائيًا، لم يتبق إلا عرضه على المجلس العسكري وقتها، لكن وزير الثقافة اعتذر للوقت غير الملائم أمنيًا وظروف البلاد حينئذ، ثم طلب انتظار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتهى الموضوع على لا شيء. كانت الحجة إذن الظروف الأمنية للبلاد، بالرغم من تأكيد أعضاء اللجنة أن المشروع "لا يناقش كوتات دينية أو عسكرية"، فالمشروع –بحسب ما يشرح لنا "نجيب"- تعديل للقانون رقم 150 لسنة 1980 الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للثقافة، صحيح أن الهدف لم يتغير بين القانون وتعديله، لكن أصبح من خلال التعديل هناك آلية لتنفيذه بفعالية، من خلال تحديد ولاية المجلس على قطاعات وزارة الثقافة، وكيفية تحقيق المعادلة ما بين الاستقلالية والتبعية لاستراتيجية المجلس، أي أن "الأعلى للثقافة" لا يحكم ولا يدير بنفسه، إنما يدير بالمؤسسات المتوزعة في وزارة الثقافة، تلك نسميها العلاقة الدقيقة بين استقلال كل مؤسسة في خططها وأسلوب عملها والقائمين عليها، وبين التزامها بالقواعد والأسس والمبادئ الاستراتيجية، ذلك ما ركز عليه المشروع. الجزء الآخر الذي ناقشه القانون الجديد كان مسألة الميزانيات، هل ميزانيات القطاع "س" يتم توزيعها من خلال المجلس؟ أم لها سياسات مستقلة في الميزانيات بمعنى أن تتعامل مباشرة من وزارة المالية؟ تم القيام بمحاولة للتوفيق بين الجانبين كي يتقدم كل قطاع من قطاعات الوزارة للمجلس بخططه السنوية وما يتطلبه من ميزانية، وتصب جميعها في صندوق واحد، ليحصل كل قطاع على مخصصاته. يضيف «نجيب»: القانون كان يجب أن يصدق عليه أولًا رئيس الجمهورية، ثم يعرض على مجلس الشعب لإقراره وهذا لم يتم، لذلك ظل القانون القديم معمولًا به؛ لعدم وجود الإرادة السياسية لدى وزراء الثقافة والحكومة، والمشروع ما زال في الأدراج، ولم تظهر أي بوادر حتى الآن لإخراجه، فمازلنا نتكلم وكأننا نبدأ من نقطة الصفر، حتى أننا لا نمتلك نسخ مطبوعة من الصيغة النهائية لتعديل القانون. كما أكد أن الدكتور صابر عرب لم يكن متحمسًا للمشروع، وفي لقاءات متتالية معه كان يحاول التأكيد أن المجلس مهمته استشارية، وعلى الأجهزة التنفيذية أن تأخذ أولًا برأيه، وأن مهمة لجان المجلس تقديم آراء ومقترحات في الموضوعات التخصصية لها، دون إلزام لأي جهة، ما يعني صنع إطار شكلي أجوف لا جدوى منه، حدثت مناقشات عديدة في هذا الشأن ولم تسفر عن شيء حتى خروجه من الوزارة. "بحكم أن الدكتور جابر عصفور ابن الحركة الثقافية، كما أنه ترأس المجلس، نتوقع أن يكون مع ديمقراطية العمل الثقافي، وأن يكون للمجلس التعبير عن الإرادة الثقافية العامة للمثقفين، لكن حتى الآن لم نرى منه ما يبشر بذلك، بدلًا من ذلك وجدناه يدخل 4 أسماء جديدة لعضوية المجلس، وصرح وقتها أن الأعضاء سوف يكونوا موجودين مدى الحياة، ما اعتبره إهمال للأصول وإمساك بالفروع، فتلك ليست القضية المعطلة للمجلس! الأمر يتطلب فتح ملف المجلس لنرى ما هي جدواه، وإلى أي طريق يمضي بالحياة الثقافية، الرؤية الثقافية ما زالت غائمة، ولا يوجد ما يؤشر على تغيير حقيقي في هذا الاتجاه".. بهذه الكلمات اختتم حديثه، ليس مقتنعًا أن يفتح الدكتور جابر عصفور بابًا لإقرار القانون. كان لابد من سؤال الوزير السابق عن أسباب وقفه للمشروع بحجة الظروف الأمنية، إلا أنه اعتذر عن الحديث في أي شأن يخص العمل ثقافي، كما أننا تواصلنا –بلا نتيجة- مع الوزير الحالي لمعرفة موقفه من القانون، الذي وافق هو عليه وقتما كان عضوًا بالمجلس، ولم يصرح بإقراره بعدما أصبح وزيرًا، وكأنه يخشى من تقليل سلطاته لحساب «برلمان المثقفين».