بين انتخاب الرئيس وانتخاب نواب الشعب شهور قليلة وأحداث جسيمة، وتغيرات محلية وإقليمية ودولية متلاحقة، كلها تتفاعل في طور التأثير علي المستقبل، القريب منه والبعيد، بل وتوجيهه إلي مسار ما أحيانا، بفعل التغيرات الجذرية في خريطة القوي السياسية. الآن تبدلت معطيات، واتضحت رؤي، وتغيرت مواقف قوي دولية من تيارات سياسية ودينية منتشرة في الوطن والمنطقة العربية كلها، فانكمشت بعض أحزاب التيار الديني وبعضها تراجعت، بينما اختفت أخري، ناهيك عن الموقف الشعبي من فكرة الإسلام السياسي ذاتها بعد تجربة حكم الإخوان المسلمين. وعلي جانب آخر فإن ما يلوح في الأفق أن الدولة صدت الأبوب في وجه أحزاب الفلول -أو التيار الأمني- التي تعلقت بذيول السلطة ودفعت عربون محبتها بتأييد المشير في انتخابات الرئاسة، كطوق نجاة أخير للعودة إلي القرب منها، و شراء (نسب الحكومة) علي طريقة ريا وسكينه، لإخفاء جرائم (مدفونه) أو لحماية مصالح قائمة، أو كلاهما معا. وبرغم ولادة أحزاب فلول (التيار الأمني) في عمر الشيخوخة، والأمراض التي أصابت أحزاب فلول (التيار الديني)، وبرغم ثورتين في أقل من ثلاثة أعوام أسقطتا النظامين، إلا أن التيار المدني الثوري لم يقوي بما يلزم لتصدر المشهد، والمقصود بالأخير القوي المنتمية ليناير ويونيه معا. التيار المدني الثوري مشتت شيعا بين أحزاب قومية ويسارية قصيرة اليد، تعرضت لتضييق وتفريق من حكومات متتالية لأكثر من أربعة عقود، وأخري ليبرالية لا هي من طبقة غالبية الناس، ولا قادرة علي التعبير عن مصالحهم. حتي إن استطاعت قوي هذا التيار (الثوري) أن تتخلص من اتهامات الكفر لأفكارها الليبرالية والاشتراكية والعلمانية جميعها علي حد سواء، والذي كان نتيجة حتمية لنوعين من الحرب الإعلامية، أولاهما فتح المنابر الإعلامية علي مصراعيها لشيوخ الجهل (من التيار الديني) طيلة ثلاثة أعوام، والثانية أن شنت منابر الإعلام (الأمني) الممول من فلول الحزب الوطني المنحل حملة تشوية نالت حتي من القيادات والرموز، والبرادعي خير مثال، وعلي هذا فإن التيار الثوري خرج لتوه -بعد تضييق المساحة الممنوحة لكل من فلول التيارين الأمني والديني في الإعلام مؤخرا- من بين فكي التمساح، مصابا -صحيح- بإصابات بالغة، لكنه -علي أي حال، وحتي الآن علي الأقل- لا يزال علي قيد الحياة. سيعاني -بالقطع- أيما معاناة في انتخابات البرلمان القادمة في مواجهة القوتين المنظمتين المنتشرتين (الشائختين المريضتين) الآملتين في العودة إلي السلطة، من فلول كل من التيارين الأمني والديني، ليس في منابر الإعلام (علي ما أظن) ولكن علي الأرض، وفي جني ما زرع اعلامهما معا (الأمن والجهل)، وهما (أي فلول التيارين) يتمتعان بخبرة طويلة في الانتخابات، وخاصة في مجالات انتهاك القانون، وتجاوز قواعد الأخلاق، بل والتزوير العلني -كلما كان النظام يسمح، وبأفظع مما يريد- فهم ملكيون أكثر من الملك فعلا، وقد يصل بهم التهور -بحسب السخرية الشعبية- إلي قتل (نزيهة) بمنتهي البلطجة وفي "عز الضهر". فأما لو استمرت الحرب الإعلامية -علي خلاف ما نظن ونتمني- جنبا إلي جنب مع الحرب علي الأرض؛ فإن تياري الأمن والجهل (المريضين الشائخين) هما إذن مدعومان بنسبة ما، تسمح فقط ببقائهما في الوجود (لحاجة ما في نفس السلطة)، والمؤكد إذن أن التيار الثوري في هذه الحالة يتعرض لحرب إبادة. فما الذي ينبغي علي التيار الثوري الآن؟ ربما كانت الإجابة الصحيحة من شقين: الأول: وحدة الصف، والثاني: تعديل الخطاب.. وللحديث بقية