أتابع بقلق شديد وحزن عميق تطورات الوعكة الصحية التى حلت بالصديق الغالى، والمناضل الحقوقى: أحمد سيف الإسلام حمد، والصديق المناضل اليسارى الفذ: أبو العز الحريري، اللذان يرقدان على فراش المرض وفى غيبوبة تامة، وأسأل الله أن يمن عليهما بالشفاء العاجل ليعودا يكملان مسيرتهما النضالية الممتدة. تزاملت مع أحمد سيف، الذى يكبرنى ربما بسنة أو سنتين، فى سنوات الدراسة الجامعية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وتشاركنا فى فعاليات الحركة الوطنية الطلابية المصرية فى مطلع السبعينات. وعندما تخرجت عام 1974، قررت تكملة دراساتى العليا حتى الدكتوراة فى قسم العلوم السياسية، بينما قرر هو فى مرحلة لاحقة دراسة الحقوق وحصل على الليسانس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة. وشارك فى تأسيس مركز "هشام مبارك" لحقوق الإنسان، وجمع بين كونه ناشطاً سياسياً، وناشطاً حقوقياً، وله فيهما باع طويل وتاريخ مشرف. وأحمد سيف بجسده النحيل، وحركته الدؤوب، رزق بثلاثة أبناء من زوجته عبقرية الرياضيات: ليلى سويف، كلهم توارثوا جينات الثورية: علاء ومنى وسناء، وشاركوا فى ثورة 25 يناير المجيدة. منى وسناء فى مجال الدفاع عن المعتقلين وحقوق الانسان. علاء: قد تتفق أو تختلف مع بعض مواقفه، لكنه ناشط سياسى بارز. وفى المحصلة، توجع قلب سيف بعد سجن ابنه وابنته، ولم يتحمل قلبه هذا الوجع، فدخل فى غيبوبة عميقة. وعندما تكللت وساطة البعض لدى السلطات المعنية لكى تسمح لابنه وبنته بزيارة خاصة له وسط حراسة مشددة، كان سيف فى الغيبوبة. ولست اعرف بدقة ما دار فى الزيارة الخاطفة، بيد أنى أدرك أن قلب سيف فرح بهما، حتى وإن لم يدرك تواجدهما. ومن المبكيات، أن يحكم على علاء ب15 سنة وغرامة مالية كبيرة، فى حين أن المتهم الأردنى بالتجسس على مصر نال عقوبة أقل!! وفى نفس السياق، توجع قلب المناضل اليسارى البارز: أبو العز الحريرى، ويرقد حالياً على فراش المرض فى حالة صعبة، وسط أنباء متضاربة بخصوصه، حتى تاريخ كتابة المقالة مساء السبت 23 أغسطس. أتابع نشاط الحريرى منذ فترة طويلة، ودفاعه المستميت عن حقوق الطبقة العاملة، التى خرج من بين صفوفها ولم يتنكر لها فى اى لحظة من حياته، وفى سبيل مواقفه الوطنية تعرض للسجن والاعتقال خاصة فى عهد السادات ومبارك. ولقد تشرفت بمزاملته السجن أبان حكم السادات فى المرات التى تم فيها سجنى .وأشهد أننى كنت أمام نموذج فريد فى الوطنية، والتواضع فى آن واحد. وعندما حاز ثقة أبناء دائرته، ليدخل عضوية مجلس الشعب آيام السادات، كانت له الكثير من المواقف الوطنية ومحاربة سيطرة رأس المال المجحف بحقوق الطبقة العاملة، خاصة فى زمن انفتاح "سداح مداح ". ومن جراء تصاعد هذا الدور، اضطر السادات لحل مجلس الشعب رغبة فى التخلص من ابو العز الحريرى وأمثاله، ليعود الحريرى مجدداً إلى صفوف الجماهير: مناضلاً صلباً، يقاوم معها كل أشكال الإستبداد واحتكار السلطة لصالح فئة معينة. وكانت فرحته بثورة 25 يناير ودوره الوطنى فيها، فرحة غامرة. غير أن ما آلت له مصير هذه الثورة الشعبية غير المسبوقة فى تاريخ الثورات، أرهق قلب الحريرى، ومع ذلك، لم يتخلف يوماً فى الدفاع عن أهداف هذه الثورة وموجتها الثانية، فى 30 يونيه، عبر كافة المنابر الاعلامية التى استضافته ليعرض رؤيته لصالح الشعب، وليس متقرباً لمن بيده السلطة والحكم. وعلى المستوى الشخصى، أعرف كم حجم معاناة مناضل وطنى شريف، بعدما تعرضت لجلطة دماغية ابأن التعديلات الدستورية التى طرحها الرئيس المخلوع مبارك، فى عام 2005. وما أزال أعانى منها حتى الأن، وزادت بعد وفاة أخى وأختى فى عضون أقل من 15 يوماً. وبطبيعة الحال لم يتحمل جسد الحريرى كل هذه الضربات، رغم المقاومة الشرسة التى هى من سمات هذا الشخص، غير أن المرض تمكن منه، ليدخل فى ازمة صعبة وقاسية، وغيبوبة عميقة. وهكذا حال الكثيرين من المهمومين بقضايا الوطن، خاصة فى الفترات الحاسمة والصعبة من تاريخ هذا البلد، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا. وفى خاتمة القول، أشفق على قلب الرفاق، ومعاناتهم، وأتمنى من أعماق قلبى لآحمد سيف وأبو العز الحريرى أن يفرج الله كربتهما، ويمن عليهما بالشفاء العاجل، ليعودا أقوى مما كان كل منهما، ويستمرا فى نضالهما الصعب والشرس، لان الوطن فى حاجة لهما وغيرهم من الرفاق المخلصين.