أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً مطولاً قبيل الذكرى السنوية الأولى لفض اعتصام ميدان رابعة العدوية، جاء في ملخصه أن المنظمة تخلص "إلى أن عمليات القتل لم تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق اإلنسان فحسب، بل إنها ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد اإلنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة، وكذلك إلى الأدلة التي توحي بأن عمليات القتل كانت جزءًا من سياسة تقضي بالاعتداء على الأشخاص العزل على أسس سياسية". بحسب التقرير، فإن الاستخدام المتعمد عديم التمييز للقوة المميتة قد أدى إلى واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد، في التاريخ الحديث. قارن التقرير انتهاكات فض رابعة، التي وصفها بالمذبحة، بقيام القوات الحكومية الصينية بقتل عدد من المتظاهرين يتراوح بين 400 – 800 على مدار 24 ساعة في مذبحة ميدان "تيانانمين" يومي 3 و4 يونيو/حزيران عام 2005. وقد استند التقرير إلى بحث استقصائي ميداني تم إجراء معظمه في القاهرة، من يوليو/تموز 2013 إلى يوليو/تموز 2014، أي منذ وقائع القتل الجماعي في صفوف المعتصمين والمتظاهرين من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي. تضمن البحث مقابلات مع أكثر من 200 من الضحايا وأقاربهم، والشهود، والأطباء، والصحفيين، والمحامين، كما استعان التقرير بالتصريحات الرسمية لمسؤولي الحكومة. وثّقت المنظمة بنفسها مقتل 817 متظاهر، الغالبية الساحقة منهم كانوا عزلاً وسلميين، كما أكد التقرير إن إجمالي القتلى لا يقل عن 1000 ضحية. حددت هيومن رايتس ووتش المسؤولين عن "المذبحة"، الذين تطالب بمحاسبتهم ومساءلتهم، وعلى رأسهم وزير الداخلية محمد إبراهيم، الذي صاغ خطة الفض وأشرف على تنفيذها وأقر بأنه "أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير مبان محورية في قلب منطقة رابعة"، بحسب تعبيره. وكذلك عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، الذي اضطلع بدور قائد القوات المسلحة، التي فتحت النار على متظاهرين في 5 و8 يوليو/تموز 2013، وأشرف على الأمن في البلاد بصفته نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، وأقر بقضاء "أيام طويلة للتناقش في كافة تفاصيل فض رابعة". بالإضافة إلى رئيس وقائد القوات الخاصة في عملية رابعة مدحت المنشاوي، ورئيس جهاز المخابرات العامة، محمد فريد التهامي، وثمانية من كبار مساعدي وزير الداخلية، وثلاثة من كبار قادة الجيش، والعديد من القادة المدنيين رفيعي المستوى، الذين "تستحق أدوارهم في القتل الجماعي للمتظاهرين في يوليو/تموز- أغسطس/آب المزيد من التحقيق"، بحسب التقرير. وجّه التقرير عدة توصيات للحكومة المصرية والنائب العام في مصر، وكذلك الدول الأعضاء بالأممالمتحدة. وعلى الرغم من عدم مطالبة المنظمة بملاحقة المتهمين في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه أشار أن الجرائم ضد الإنسانية يمكن التقاضي بشأنها في أي مكان في العالم. اقتصرت توصيات التقرير للدول الأعضاء في الأممالمتحدة على تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق ذات صلاحيات للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن أعمال القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. كما اختتم بتوصية بتعليق كافة مبيعات وتوريدات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن لمصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فضلاً عن عدة توصيات هامشية لجامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الأفريقي. رفع التقرير توصية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإقرار بأن الانتهاكات الممنهجة وواسعة النطاق لالتزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ترقي إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وأن يطالب بالتحقيق فيها وبمحاسبة المسؤولين عنها. ومن الملاحظ في التقرير أنه تجنب التوصية بالملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولة، ولعل السبب في ذلك مزيج من العوائق الفنية والعوائق السياسية. فالتقاضي في الجنائية الدولية يجب أن يشمل الدول التي صادقت على نظام العمل بالمحكمة، وليس فقط توقيع اتفاقية إنشائها، أو يجب أن يكون بدعوى مرفوعة من مجلس الأمن. أشار التقرير إلى تواطؤ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية مع النظام القائم في مصر، بما يقوض احتمال اتخاذ موقف ضده في مجلس الأمن. وبذلك لا يبقى سوى طريق تقاضي المتضررين ممن وقع عليهم الانتهاك. ومن المفارقات أن يكون السبب الرئيس في إغلاق هذا الطريق هم الإخوان المسلمون أنفسهم. ففي جلسة السبت 23 شباط / فبراير 2013 رفض النائب الإخوان بمجلس الشورى، عز الدين الكومي، والذي كان يشغل منصب وكيل لجنة حقوق الإنسان بالمجلس، رفض المصادقة على اتفاقية روما المتعلقة بنظام العمل بالمحكمة الجنائية الدولية. اعتبر الكومي أن التقاضي الدولي "إهانة للقضاء المصري"، وأرجع محللون وقتها أن الإخوان رفضوا الانضمام لنظام العمل بالجنائية الدولية رغبة منهم في تحصين قيادات المجلس العسكري من الملاحقة الدولية على الجرائم التي ارتكبت في المرحلة الانتقالية الأولى بين إسقاط مبارك وانتخاب محمد مرسي.