سجل نضال الشعب ضد الاستبداد والاستعمار.. وجسد التاريخ الوطني سينمائيا ومسرحيا "وداعا بونابرت" صور أشكال مواجهة المحتل.. و"الأرض" قدم نضال الفلاحين كان الفن ولا يزال، من أهم أدوات تحريك الشعوب، والتعبير عنها، وتسجيل تاريخها.. لاسيما القضايا الوطنية الجامعة، كالمقاومة، والنضال الشعبي، في أوقات الحروب أو في مواجهة عدوان أو محتل. وذاكرة الإبداع المصري مليئة بأنواع الفنون التي سجلت تاريخ الأمة ومقاومة الشعب في كافة المراحل بل وشاركت وأسهمت في نضاله. فإن رجعنا عقودا إلى الوراء، سنجد أفلاما على -سبيل المثال- رصدت مقاومة المصريين للحملة الفرنسية على مصر مثل فيلم "وداعا بونابرت" عام 1985 للكاتب يسري نصر الله والمخرج يوسف شاهين، وهو فيلم مصري فرنسي مشترك، بطولة صلاح ذو الفقار ومحسن محي الدين ومحسنة توفيق وهدى سلطان، يدور أثناء الحملة الفرنسية على مصر، حول ثلاثة أبناء لأسرة مصرية تتباين مواقفهم تجاه الحملة، فأكبرهم يناضل ضدها بالسلاح، وثانيهم يتعلم لغتهم ليحاورهم، وثالثهم يحاول الاستفادة من علمه لنقله إلى حركة المقاومة، فكل ناضل بطريقته، كما يصور دور علماء الدين في قيادة المقاومة والثورة، وجاء فيلم "شياطين الليل" 1966 إخراج نيازي مصطفى، وشاركه في وضع السيناريو والحوار كمال إسماعيل، وبطولة فريد شوقي وأمينة رزق، ليصور مقاومة الاحتلال الإنجليزي، فتبدأ أحداثه بعام 1921 حيث كان يسيطر الإنجليز على مصر، وأظهر مقاومة العمال الذين يقومون بقتل الإنجليز، كما أظهر المقاومة المسلحة، وينضم لهم بطل الفيلم بعد عدة أحداث. وهناك فيلم "بين القصرين" 1962 لحسن الإمام، وأحد أجزاء ثلاثية نجيب محفوظ، والذي قام ببطولته يحي شاهين وآمال زايد وصلاح قابيل، وتبدأ أحداثه من قبل ثورة 1919، فيصور الرفض الشعبي للاحتلال الإنجليزي والدعم النفسي للمقاومة أو المادي والفعلي خاصة من خلال شخصية "فهمي" الذي يستشهد في إحدى المظاهرات. كما سجل فيلم "الأرض" 1970 الذي يعد من روائع السينما مقاومة الفلاح المصري دفاعا عن أرضه، وهو للمخرج يوسف شاهين، وقصة عبد الرحمن الشرقاوي، وبطولة محمود المليجي وعزت العلايلي ويحي شاهين ونجوى إبراهيم، وآخرين، وهو يدور عام 1933 حيث يثور الفلاحون بزعامة "محمد أبو سويلم" على النظام الإقطاعي في ظل الاحتلال الإنجليزي، فتنتزع أراضيهم بالقوة فيسحل "سويلم" في أهم مشاهد الفيلم ويداه متشبثتان بجذور أرضه حتى تسيل دماؤه. وكانت فترة ما بعد ثورة يوليو 1952 من أهم المحطات التي ازدهرت فيها السينما وارتبطت بالأحداث التاريخية والوطنية، حيث تم تأميم شركات الإنتاج ولم يعد مبدأ الربحية مسيطرا، فظهرت عدة أفلام تؤرخ لإرهاصات الثورة والنضال الثوري وفكر الثورة فجاء فيلم "الله معانا" بعد الثورة بثلاثة أعوام وهو من إخراج أحمد بدرخان، وقصة إحسان عبد القدوس، وبطولة عماد حمدي وفاتن حمامة ومحمود المليجي، ويعرض إرهاصات الثورة من حرب فلسطين والأسلحة الفاسدة وتكون حركة الضباط الأحرار حتى الإطاحة بالملك وقيام الثورة. ويجيء فيلم "رد قلبي" 1957 الذي صار كالوثيقة للثورة فيوضح فساد الإقطاع والأسر المالكة والظلم الذي عانى منه الفلاحون وعامة الشعب من خلال قصة حب بين ابنة باشا وابن الجنايني الذي يرفض والدها زواجه منها، ليصبح ضابطا في الجيش وتقوم الثورة وتنقلب الأوضاع ووتساوى الأقدار، والفيلم قصة يوسف السباعي، وإخراج عز الدين ذو الفقار، وبطولة شكري سرحان ومريم فخر الدين. وأيضا فيلم "في بيتنا رجل" 1961 لإحسان عبد القدوس والمخرج هنري بركات، وبطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت وحسين رياض، فهو يدور في فترة ما قبل ثورة يوليو حول "ابراهيم" الذي يقتل رئيس الوزراء الموالي للإنجليز ويقبض عليه، فيهرب لاجئا إلى بيت أسرة مصرية تؤويه في شهر رمضان، ثم يستكمل بتدمير معسكر الإنجليز فيستشهد ويكمل أقرانه الطريق. وعرض فيلم "القاهرة 30″ الجو الفاسد قبل الثورة، وصور النضال الثوري من خلال شخصية "علي طه"، ونقيضه النموذج المتكيف المتلون "محجوب عبد الدايم"، والفيلم من إخراج صلاح أبو سيف، وقصة نجيب محفوظ، وبطولة سعاد حسني وحمدي أحمد وأحمد مظهر. وجاءت مجموعة من الأفلام تجسد ملحمة العدوان الثلاثي على مصر، ومن أهمها فيلم "بورسعيد – المدينة الباسلة" 1957 إخراج عز الدين ذو الفقار، وشارك فيه عدد كبير من النجوم منهم فريد شوقي وهدى سلطان وشكري سرحان وأمينة رزق، وقد تم بتكليف مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر، وهو فيلم يرصد الكفاح العظيم لشعب بورسعيد ضد العدوان. ومنها أيضا فيلم "لا وقت للحب" الذي رصد نضال المقاومة النسائية من خلال شخصية "فوزية"، التي تقود خلية لضرب الإنجليز في القنال، وتنقل المتفجرات من خلال نعوش الموتى، والفيلم للكاتب يوسف إدريس، وإخراج صلاح أبو سيف، وبطولة رشدي أباظة وفاتن حمامة. كذلك كان فيلم "الباب المفتوح" 1963، عن نضال المرأة المصرية وانضمامها للمقاومة المسلحة في العدوان الثلاثي، وهو عن قصة لطيفة الزيات، وإخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة وصالح سليم ومحمود مرسي، وفيلم "ليلة القبض على فاطمة" 1984 من إخراج هنري بركات، وبطولة فاتن حمامة وصلاح قابيل وشكري سرحان، ويدور حول "فاطمة" من مدينة بورسعيد، التي تساعد الفدائيين ببطولة لكنها تنسب البطولة لأخيها الذي تكتشف أنه كان يتعاون مع الإنجليز. وتمتد قائمة الأفلام، فهناك فيلم "القبطان" 1997، قصة وسيناريو وحوار وإخراج سيد سعيد، وبطولة محمود عبد العزيز ومصطفى شعبان ووفاء صادق، وتدور أحداثه عام 1948 ببورسعيد بعد الهزيمة، حيث التهب وقتها الصراع بين الاستعمار والمقاومة. وجاء فيلم "أغنية الممر" 1972 للمخرج علي عبد الخالق، وسيناريو وحوار مصطفى محرم، بطولة محمود ياسين وصلاح قابيل ومحمود مرسي، ليتناول قصة فصيلة مشاة مصرية في حرب 1967 ترفض التسليم بعد حصارها، ويحكي كل منهم حكايته ويستشهد بعضهم. كما يأتي فيلم "حكايات الغريب" 1992، ليحكي ملحمة تتضمن أحداث نكسة 67 وعبور 1973، من خلال نموذج تضحية للمواطن المصري هو "عبد الرحمن" الذي تصيبه النكسة بالانهزامية واللامبالاة حتى يهب في 1973 مدافعا عن كرامة بلده ويستشهد، لكن يظل اختفاؤه لغزا يسعى وراءه الجميع. وتتسع قائمة السينما للعديد من الأفلام عن المقاومة، التي تناولتها فنون أخرى أيضا كالمسلسلات الدرامية ومنها مسلسل "ليلة القبض على فاطمة" 1982 عن نفس قصة الفيلم بطولة فردوس عبد الحميد وفاروق الفيشاوي وإخراج محمد فاضل وسيناريو وحوار محسن زايد، كذلك مسلسل "السائرون نياما" 2010 وهو مصري عربي مشترك، تأليف سعد مكاوي وإخراج محمد فاضل، وبطولة فردوس عبد الحميد وعلي الحجار وانتصار وسلوم حداد، ويدور في عصر المماليك، ويعرض الظلم الذي تعرض له المصريون، وكيف كانوا يقاومونه مع مؤامرات أخرى من الخارج للاستيلاء على مصر، فيعرض المسلسل لبطولات وتضحيات المصريين. وكذلك مسلسل "الشوارع الخلفية" 2011، قصة عبد الرحمن الشرقاوي، وإخراج جمال عبد الحميد، وبطولة جمال سليمان وليلى علوي، ويصور نضال الطلبة والثورة في وجه المحتل الإنجليزي، وحادثة فتح كوبري عباس. وجاء مسلسل "نابليون والمحروسة" 2013، وهو يتناول الحياة السياسية والاجتماعية لمصر في أواخر القرن 18، وقت الحملة الفرنسية على مصر في زمن المماليك، ويبرز مقاومة المصريين لهم ولأي ظلم. الفنون الأخرى قدمت أيضا أعمالا تصور المقاومة الشعبية، في المسرح توجد مسرحية "عرابي زعيم الفلاحين"، قصة عبد الرحمن الشرقاوي، وقد قدمت عدة مرات إحداها أخرجها عادل عواجة، وكذلك مسرحية "سليمان الحلبي" لألفريد فرج، عن مقاومة الحملة الفرنسية من خلال شخصية "سليمان الحلبي" الأزهري قاتل القائد "كليبر" والتي عرضت على المسرح القومي، بطولة محمود ياسين. وفي 2012 عرضت المسرحية الاستعراضية " كوكتيل" للمخرج سمير العصفوري، وهي خليط من أوبريتتات قديمة حول تاريخ الاستعمار في مصر والثورات المتعددة والمقاومة الشعبية، وهناك حديثا في 2014 مسرحية "ابن عروس" التي تتناول سيرة البطل والمناضل الشعبي "أحمد بن عروس " في إحدى قرى الصعيد، حيث يلتف حوله أهل قريته لمقاومة الاستعمار الإنجليزي، والعرض تأليف وأشعار ياسين الضوي، وإخراج مصطفى إبراهيم. ولم يخل فن الأوبريت من تناول نفس الموضوع بأعمال غنائية خفيفة مثل أوبريت "شهرزاد" لسيد درويش الذي تنتصر فيه الجيوش بقيادة "زعبلة المصري" معززا بذلك روح المقاومة والانتماء، وهناك أيضا أوبريت "العشرة الطيبة" الذي لحنه سيد درويش وكتبه كل من محمد تيمور وبديع خيري، وقدمه الفنان عزيز عيد عام 1920 لفرقة مسرح نجيب الريحاني، تمجيدا للفلاح المصري وسخرية من الظلم والتجبر التركي مما أغضب عليهم الأرستقراطيين ذوي الأصول التركية. ولم تغادر الفنون الأخرى هذه الذاكرة والمعترك كفن الباليه الذي قدم عروضا تمجد النضال المصري منها باليه "كفاح طيبة" الذي يمتد في عمق تاريخ الكفاح المصري إلى طيبة في عام 1580 ق. م وكفاحها ضد الهكسوس، مجسدا كم الدماء المسالة دفاعا عن أرض مصر وكرامة شعبها وحريته، والعرض من إخراج كل من أحمد عمر ومحمد أحمد وفاروق الشريف. ومازال أرشيف الفن يمتلئ بأعمال تستعصي على الحصر، تسجل النضال الوطني والشعبي وأعمال ستأتي .. يظل يرصدها الفن .. ذاكرة الشعوب.