هى نور ، وطاقة أمل ، وقدرة على التمسك بالحلم والسعى للمستقبل ، لذا كان طبيعيا فى ظل ميلاد سلطة استبداد جديدة ، تسعى للعودة للوراء ومصادرة المستقبل ، واجهاض الأحلام ووأد الطموحات ، أن تضعها وزميلاتها وزملائها فى السجون .. فهى سلطة لا تقوى على الديمقراطية ولا تقبل الرأى الآخر وتستسهل التخوين مثلما كانت سابقتها تفضل التكفير ، أحدهما تمسح باسم الدين والآخر يتمسح باسم الوطن ، وضد كلاهما وقفت ماهينور المصرى وجيلها .. هى فكرة ، ومشروع ، للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، هى هتاف تجلى فى المظاهرات منذ عهد مبارك ، وثورة بدأت فى الميادين فى 25 يناير ، وحلم جميل بوطن كريم حر مستقل عادل ، واجه اتهامات عديدة على مدار الثلاث سنوات ، أخطأ وأصاب ، أخفق وأجاد ، لكنه لا يزال مبعدا عن الوطن الذى يحلم به ، وعن القصاص لشهداء ومصابين كانوا جنبا الى جنب فى المعارك ضد سلطة قاومت ولا تزال هدم أعمدة فسادها واستبدادها .. هى التى هتفت بالقصاص لخالد سعيد ، ولمن لحقوا به منذ 25 يناير ، هتفت ضد مبارك والمجلس العسكرى والاخوان ، وفى كل مرة وبعد حين كان أهلنا يكتشفون صحة هتافها وهتافنا ، وموقفها وموقفنا ، حتى وان عبرنا عنه بفجاجة أحيانا ، وان رددناه بطريقة غاضبة ومستفزة أحيانا ، لكنه غضب الحق الغائب واستفزاز الظلم والتشويه المستمر .. وعندما عادت مجددا لتهتف بالقصاص لخالد سعيد ، فى أحد جلسات محاكمته ، جاء دورها ليلقى القبض عليها بتهمة (التظاهر) ويا للعجب !! التظاهر الذى لولاه لما كان هؤلاء فى السلطة ، والتظاهر الذى طالب به هؤلاء فى مرات متعددة ليثبتوا تأييد الشعب للثورة وموجاتها ، والتظاهر الذى كان أداة تأكيد للعالم كله أن الشعب المصرى صفا واحدا ويدا واحدة ضد الارهاب ، صار الآن جريمة يحبس بمقتضاها عشرات وآلاف ، من بينهم من بادروا فى كل مرة لمواجهة السلطة والنظام ، من بينهم ماهينور المصرى ، ليست وحدها ، معها شباب وفتيات يخضعوهم للسجن اما بأحكام أو بقرارات حبس احتياطى ، وكأن الرسالة لهم أن الرئيس يتبرع بنصف راتبه وثروته لدعم الوطن ، وأنتم مطلوب دعمكم للوطن واستقراره الزائف بأن تتبرعوا بنصف أعماركم فى السجون ، وأن تتبرعوا باهدار نصف أحلامكم ان لم تكن كلها . ماهينور المصرى ، التى تضامنت مع المعتقلين والمقبوض عليهم مرارا ، أحيانا بالوقفات والهتافات ، وأحيانا بأداء دورها كمحامية والذى حصلت مؤخرا عنه على جائزة دولية وهى قابعة فى سجنها ، اليوم عندما وجدت البعض يتضامن معها فى حبسها ، كانت رسالتها الأولى من سجن دمنهور تطلب بالحرية لسيدة وهبة وفاطمة وأم أحمد وأم دينا ونعمة وفرحة ووفاء وكوثر وسناء ودولت وسامية وايمان وامل وميرفت ، وغيرهن من السجينات معها فى الزنزانة بسبب مظالم اجتماعية فادحة تؤكد غياب العدالة عن هذا المجتمع وأن القانون لا يزال يطبق على الأكثر فقرا وبؤسا لا على الأكثر نهبا واجراما وافسادا .. هذه ماهينور التى عرفناها ونعرفها ، بعضنا عن قرب ، وبعضنا عن بعد ، لكنها كانت ولا تزال وستبقى واحدة من أيقونات هذا الجيل ، بفعلها ومواقفها وانحيازاتها ، لذا لم يكن غريبا أبدا أن تكون طلتها الأخيرة من داخل سجنها تصدح بالهتاف مجددا (عمر السجن ما غير فكرة عمر القهر ما أخر بكرة .. ثورة ثورة حتى النصر ثورة فى كل شوارع مصر .. التظاهر لنا حق القانون بتاعكم لا) .. كان هذا طبيعيا ومتوقعا تماما منها وممن مثلها .. ما .. هى .. نور .. وستبقى هى وكل جيلها ، القابعين خلف أسوار سجون الظلم والاستبداد ، سناء ويارا وغيرهن ، وشباب مصر الحر الوطنى الذى لم يكن يوما مجرما ولا مستبدا ولا فاسدا ، شعاع أمل يمنحوننا بصمودهم وصلابتهم أن النصر قريب وأن الحرية آتية لا ريب .