تتوافر لدى إمكانية القول بأن أية قرارات لا تتوافر لها الدراسة الكافية والمتأنية حتماً سيكون لها العديد من الأثار السلبية فى التطبيق والممارسة. واخص هنا، على سبيل المثال، لا الحصر، رفع أسعار الوقود. ومن المضحك المبكى، فى آن واحد، أن الكثير من التبريرات الرسمية لا تعبر عن الحقيقة. فإن كانت الغالبية العظمى من الشعب لا تملك سيارة خاصة، فإنها تستخدم وسيلة مواصلات، سواء التاكسى الأبيض او ميكروباص، أصابهما الزيادة فى أسعار الوقود. وبالتبعية، سيتحمل المواطن العادى تبعات زيادة أسعار الوقود. فالنظرة العامة لنسب زيادة أسعار الوقود، تبرز أن الزيادة كانت بارزة وواضحة فى السيارات التى تستخدم بنزين 80، والتى زادت بنسبة 78 % والغاز الطبيعى بنسبة 175% ثم السولار ينسبة 64 %، فى حين غابت العدالة الاجتماعية فى السيارات الفارهة ولذوى الدخل المرتفع والتى تستخدم بنزين 95 ، حيث لم تتجاوز نسبة الزيادة 7% فقط!! وكان من الطبيعى أن يشهد اليوم الأول للزيادة الكثير من المشاجرات بين السائقين والركاب، بل وفى بعض المحافظات إضراب عام للسائقين إعتراضاً على رفع أسعار الوقود. فقد رفض أصحاب "التاكسى الأبيض" تشغيل العداد، ليدخل الركاب فى مشاجرات حول تحديد "الأجرة" التى يتحكم فيها السائق وحده، دون أدنى رقابة. وبصفة عامة، وفى حالة غياب الرقابة والبدائل المتاحة فى وسائل النقل العام، يمكن اعتبار مثل هذا القرار بمثابة القرارات التى تأتى فى الوقت غير المناسب. ونحن فى انتظار المزيد من التداعيات السلبية التى ستظهر تباعاً. من ناحية أخرى، تمت ملاحظة أن أسعار السفر بين المحافظات بواسطة وسيلة النقل "السوبر جيت" قد تزايدت بصورة ملحوظة منذ فترة، مع ملاحظة أن ما يسمى السيارة المكيفة والتى بها فيديو للترفية عن الركاب قد نالها النصيب الأكبر من الزيادة، غير أن واقع الممارسة فى كثير من الأوقات أنها تكون سيارة قديمة، ليس بها مكيف ولا فيديو، وبنفس السعر للسيارة التى بها تلك المميزات، ويدور شجار بين الركاب وسائق السيارة بعد إنطلاق السيارة، ويضطر الركاب، على مضض، للرضوخ بالأمر الواقع، رغبة فى الوصول فى مواعيد مناسبة، خاصة فى شهر رمضان، وهذا يعد من قبيل الخداع، إن لم يكن على سبيل الاستهبال على الراكب. وفى كل الحالات، تحميل المواطن العادى، ومن أبناء الطبقة المتوسطة، المزيد من الأعباء، وتصعيب ظروف حياته. وقد سبق لى فى مقالة سابقة التطرق إلى ما يتوجب عمله لزيادة موارد الدولة بصورة ملحوظة لمواجهة عجز الموازنة العامة، دون تحميل المواطنين مثل هذه الأعباء الجديدة، لكنها كانت صرخة فى وادى، لأن أصحاب القرار لا يملكون مجرد الاحساس بمعاناة الشعب، وتظهر انحيازاتهم لغير الغالبية من الشعب، وبعدهم عن المسار الواجب والحقيقى للعدالة الاجتماعية. والتساؤل الذى يطرح نفسه: ما القيمة الاجمالية لما يمكن أن توفره هذه القرارات الصعبة والصادمة فى تخفيض عجز الموازنة؟ ويبدو أن رفع الدعم، ماض فى سبيله، بصورة تدريجية، بيد أنه فى غياب حزمة من الإجراءات والسياسات المتكاملة، سيكون له عواقب وخيمة وقاسية على غالبية الشعب. وكان من السهل ، على سبيل المثال، لا الحصر، أن تستعيد البلاد ما تم نهبه من أموال خلال العقود الماضية، خاصة ما تم نهبه من أراضى بأسعار بخسة لا تعادل قيمتها الحقيقية. ومما له صلة، حتى عندما بدأ التفكير فى وضع حد أقصى للمرتبات، لم يتضمن البدلات والحوافز وغيرها، فما معنى أن يحصل موظف عام على أكثر من مليون جنية راتب شهرى، فى حين يمكن رصد تصريحات رسمية بأن من لا يريد أن يعمل براتب شهرى مائة جنية عليه أن يترك عمله؟!!. وكان من الطبيعى، أن تظهر مؤشرات واضحة لمدى تآكل شعبية التأييد للمشير السيسى، الذى تم تسويقه "على أنه نصير الفقراء" فجاءت كثير من القرارات مخيبة للتوقعات والأمال، وهى فى تزايد مستمر، مما يشكل مشكلة حقيقية بحاجة لحلول عاجلة وتصويب فورى للمسار. والمخاوف الكبرى أننا حاولنا، مراراً وتكراراً، التحذير من الوقوع فيه، وهو سيناريو "ثورة الجياع " بكل ما تحمله من عواقب وخيمة على الكافة، وبدون إستثناء. ومحصلة القول، إن ما يصدر من قرارات وسياسات، تفتقد الرؤية الاستراتيجية، والدراسة الكافية والمتعمقة، والإنحياز الحقيقى ، فعلا ً وقولاً ، لمفهوم العدالة الاجتماعية، سيعمق من إنحدار البلاد فى مستنقع خطير وصعب سيحتاج المزيد من الجهد والوقت للخروج منه. فهل يدرك الجميع، من هم فى موقع السلطة، كذلك النخبة، والقوى الحية فى المجتمع خطورة الوضع؟ والعمل، حتى فى أصعب الظروف، وبخاصة فى الشارع لتشكيل قوة ضغط حقيقية وفاعلة لتجنيب البلاد تداعيات أكثر مآساوية عما نحن فيه، وقبل فوات الآوان . لعل وعسى!!!.