كان الكشف عن الحقيقة وفضح إعتداءات الكيان الصهيوني، هو مبتغاه الوحيد في الحياة، فقد آمن أنأي إنسان ثوري لا يمكن إلا أن يؤمن بالعقل التوليدي القادر على تجاوز الواقع المادي القائم، ومن هنا بدأت رحلته الفكرية التي انتهت إلى أن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل، تعني أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية. فقد استطاع الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب أضخم موسوعة فكرية كشفت حقيقة الكيان الصهيوني المزعوم، أن يثير القلق داخل نفوس هؤلاء المعتصبون الذين قاموا بتهديدوه هو وفريق العمل القائم معه على موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية»، كي يتوقفوا عن البحث وراء حقيقتهم ومنع نشرها حتى تتسنى لهم الفرصة كاملة لمواصلة انتهاكاتهم في فلسطين والإستيلاء على ما تبقى منها في ظل خرس عربي. وفي ذكرى رحيله السادسة، يمكننا التعرف أكثر على فكر «المسيري» ومنهجه العلمي في كشف حقيقة الصهيونية في موسوعته الشهيرة من خلال شهادات بعض تلاميذه الذين عاصروا وشاركوا الجهد والبحث في الموسوعة، فقال الباحث المصري الدكتور محمد هشام، منسق أعمال «المسيري» وأحد تلاميذه الذي جمعتهما صداقة لأكثر من ربع قرن: نجح «المسيري» في فضح إعتداءات الكيان الصهيوني، إذ قدم دراسة موضوعية شاملة في سياق تاريخي واجتماعي واقتصادي بإستخدام منهج علمي، وليس كما يدعي البعض أن «المسيري» كان عنصري في نظرته للصهيونية، فقد استطاع أن يجذب انتباه العالم العربي والغربي بموسوعتة «اليهود واليهودية والصهيونية»، التي إعادت تصحيح النظر تجاه الكيان الإسرائيلي المحتل في فلسطين. أضاف «هشام»: بدأ اهتمام «المسيري» بفضح جرائم الكيان الصهيوني منذ حرب 1948 وتطور الصراع العربي الإسرائيلي، وبناء عليه قدم مفكرنا موسوعه صغيرة بعنوان «المفاهيم والمصطلحات الصهيونية.. رؤية نقدية»، عن مؤسسة الأهرام، ولكن بعدما توغلت إسرائيل وكُثرت انتهاكتها وقامت بالحرب على لبنان ومحاصرة بيروت عام 1982، هنا قرر «المسيري» فضح هذا العدو الغاشم من خلال عمل بحثي كبير يتتبع أصل هذا المحتل، وبالفعل نجح في ذلك وقدم موسوعته الأشهر «اليهود واليهودية في مصر». تابع هشام: استطاعت هذه الموسوعة تصحيح النظرة تجاه الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وكشف مزاعهم سواء على المستوى العربي أو الغربي، وقد دشن ذلك في كتابه «الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى»، والذي نجخ بشده في لفت انتباه الغرب الذي كانت الأضطراب يسوده تجاة القضية الفلسطينية وعلاقتها بإسرائيل ومن منهم الأحق بالأرض، كذلك أيضًا كان العرب ولا يزالوا بحاجة إلى وضوح الصورة بشكل سليم. هذا وقد أكد «هشام» أنه فريق عمل الموسوعة قد تعرضوا لتهديدات من جانب بعض الجماعات الصهيونية المتطرفة والتي عرفت باسم «كاخ» عام 1984، أي قبل صدور الموسوعة بكثير، فقط لمجرد علمهم أن هناك فريق عمل مصري سيقوم بفضح حقيقتهم المزعومة، لكن قوات الأمن المصرية تدخلت واستطاعنا إتمام الموسوعة عام 1999. أيضًا قال «هشام»: أن أكثر ما كان يحُزن الدكتور عبد الوهاب المسيري، هو تخاذل العرب تجاه القضية الفلسطينية، لكنه أيضًا كان يراهن على الشعوب وليس القادة والحكومات، إذ كان يستنكر بشده ملايين الجنيهات التي تنفق على أنشطة استهلاكيه توفق أضعاف ما ينفق على دعم القضية الفلسطينية واللاجئين العرب. اتفق الباحث كارم يحي، أحد تلامذه «المسيري» أيضًا مع الدكتور محمد هشام، إذ أكد أن كلًا من الدكتور عبد الوهاب المسيري، والدكتور جمال حمدان، من أهم المفكرين العرب الذين استطاعوا أن يفندوا أساطير المؤسسة الصهيونية بشكل علمي وموضوعي، ولذا فقد اندهشت كثير عندما كتب الدكتور يوسف زيدان في جريدة الأهرام ان «المسيري وحمدان» كانوا ذو نظرة عنصرية في كتابتهم عن الصهيونية، وهذا بالطبع غير صحيح إذ كان لكل منها نظرة إنسانية لليهودية. أضاف «يحيى»: كان لصدور الموسوعة أثر دوي في أرجاء الوطن العربي، خاصة انها صدرت عام 1999 أي كنا على أعتاب انتفاضة فلسطين الثانية عام 2000، كذلك أيضًا ألألسلي أيضًا كان يعقد في مدريد مؤتمر «جنوب أفريقيا لمكافحة التميز العنصري»، لذا نرى أن هذه الموسوعة قدمت سلاح قوي جدًا وهو المادة المعرفية حول حقيقة الكيان الإسرائيلي المزعوم المستوطن حاليًا في فلسطين، فدائمًا ما كان يقول «المسيري»، أكتب للعرب كي يستسقظوا من غفلتهم ويعلمون حقيقة هذا الكيان المغتصب.