كتب: عبد الوهاب حسن بعد عام الجماعة، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، قام قيس قائد مقدمة جيش الحسن في الناس فقال كما يروي ابن الأثير: أيها الناس اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أوالقتال من غير إمام. فقال بعضهم: ندخل في طاعة إمام الضلال، وبايعوا معاوية. تلخص الرواية تصور العراقيين لحكم معاوية، وكان معاوية على علم تام بهذه الحالة من عدم الرضا، لذا اشتد قلقه من أهل العراق، فكان يرميهم بأدهى ولاته وأعنفهم، حتى تستقيم الأمور له، فهم جيش ألقى سلاحه، لكنه لم يستسلم أو يعترف بهزيمة. حاول ولاة معاوية قهر أهل الكوفة فأخذوا يسبون علي بن أبي طالب من على منابرهم، يقول ابن الأثير "أقام المغيرة عاملاً على الكوفة وهو أحسن شيء سيرة، غير أنه لا يدع شتم علي، والوقوع فيه، والدعاء لعثمان والاستغفار له"، فأوقد هذا السب جذوة الغضب في نفوس الناس، لكن أحدا لم يستطع الرد؛ نظرا لقوة وسطوة ولاة معاوية، لقد ألجم الخوف الجميع، إلا رجلا واحدا دفعه الغضب فقام رادا على المغيرة بن شعبة، والي معاوية، يقول ابن الأثير "كان حجر بن عدي إذا سمع هذا السب لعلي قال: بل إيّاكم فذمّم الله ولعن، ثم قام، وقال: أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل، ومن تزكون أولى بالذم". لقد كان حجر بن عدي – بضم الحاء – صحابيا كريما من فضلاء الصحابة، كما قال ابن عبد البر، وفد على النبي (ص) هو وأخوه، وقال عنه ابن عساكر كان مع الجيش الذي فتح الشام، وشارك في معركة القادسية، وهو الذي فتح مرج عذراء في بلاد الشام، وقال عنه الحاكم في المستدرك:" حجر بن عدي هو راهب اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم". هدد المغيرة حجر قائلا: "يا حجر اتق هذا السلطان وغضبه وسطوته، فإن غضب السلطان يهلك أمثالك"، لكنه لم يتوقف فشجع موقف حجر عددا من الناس على الاعتراض على سب أمير المؤمنين علي، يروي الطبري أنه انضم إليه ثلث المسجد. لقد شكل حجر بن عدي حالة من المعارضة السلمية، تجاه الاعتداءات المتكررة على شخص أميره الروحي، إلى أن توفي المغيرة في عام 50 ه فضم معاوية الكوفة إلى والي البصرة زياد بن أبيه، وكان أول من حكم البلدين معا، وكان زياد رجلا فظا غليظ القلب، يسبق سيفه لسانه، والعجيب أنه كان من شيعة علي، لكنه تحول بعد الصلح إلى سفاح لبني أمية، لذا كان عالما بشيعة علي، وهذا ما دعاه إلى استدعاء حجر بن عدي مع أولى لحظاته بالكوفة، وقال له، كما يروي ابن سعد "تعلم أني أعرفك وقد كنت أنا وإياك على ما قدعلمت يعني من حب علي بن أبي طالب ومولاته وإنه قد كان مني غير ذلك – أي تحول الولاء لمعاوية – فاملك عليك لسانك وليسعك منزلك، فاكفني نفسك، وإياك وهؤلاء السفلة الذين يستزلوك عن رأيك" لقد كان تهديدا عنيفا وواضحا من سفاح عتيد. لكن حجر بن عدي لم يهتز لتهديد زياد ووعيده، يروي ابن كثير في البداية والنهاية "وجعل زياد يقول في خطبته: إن من حق أميرالمؤمنين كذا وكذا (أخذ يعدد حقوق معاوية عليهم) فأخذ حجر كفا حصباء فحصبه وقال: كذبت! عليك لعنة الله". ثم تكررت جرأة حجر، وأضيف إليها جرأة أصحابه على خليفة زياد في الكوفة، عمرو بن حريث حين لعن علي بن أبي طالب، فأرسل لزياد، فأمر شرطته بالقبض عليه. علم زياد أن حجر بن عدي ليس ممن يشكك في دينه أحد فيتهمه بكفر أو زندقة أو فسق، ولا مدخل لاستحلال دمه إلا التشكيك في عهد الطاعة، الذي قطعه على نفسه "البيعة" لمعاوية، يروي الطبري "أن حجرا لما قفي به من عند زياد، نادى بأعلى صوته اللهم إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماعا للغو الناس"، لقد أكد ثبات بيعته لمعاوية بصوت عال فخلافه مع وقحات ولاته ضد علي، وليس مع ولايته. فتح زياد المحضر، وبلا أي سؤال للمتهم أو دفاع عن نفسه، أحضر زياد سبعين رجلا من وجهاء الكوفة، ودعاهم للتوقيع على شهادة مكتوبة، ينقل الطبري نصها :" أشهدأن حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة ولعن الخليفة، ودعا اإلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع، يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أميرالمؤمنين، معاوية، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء"، وقال زياد"على مثل هذه الشهادة فاشهدوا أما والله لأجهدن على قطع عنق هذا الخائن الأحمق"، لقد عزم زياد على قتل حجر، ولم يكلف نفسه مؤونة التحقيق، يكمل الطبري" فشهدعليه سبعون رجلا، وكتبت الشهادة في صحيفة وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي فأما شريح فقال سألني زياد عنه فأخبرته أنه كان صواما قواما" بينما وضع زياد اسمه على نص الشهادة السابق زورا، يضيف الطبري "وأما شريح بن هانئ الحارثي فكان يقول ماشهدت ولقد بلغني أنه قدكتب شهادتي فأكذبته ولمته"، هكذا عقد هذا الطاغية لصاحب رسول الله محاكمة صورية جمع لها شهادات مزورة، وهكذا هي عدالة الطاغية وسلوك شرطته في كل زمان. وصل حجر بن عدي إلى معاوية والمحضر المزور بين يديه فأصدر حكمه، خذوه وأضربوا عنقه، يروي ابن الأثير اللحظات الأخيرة في حياة ضحية وفاءه، حجر بن عدي، أنهم طالبوه بالبراءة علنا من علي بن أبي طالب، ليعفوا عنه فرفض فقتلوه. لقد مثل مقتل صحابي صدمة كبيرة للمجتمع الاسلامي، فلم يعد في المجتمع ذا هيبة بعد مقتل صحابي، وتزلزل البنيان المجتمعي واستنكر الصحابة ذلك وسألت عائشة معاوية، كما نقل ابن كثير، قالت:" أقتلت حجرا؟ فقال: يا أم المؤمنين إني وجدت في قتل الرجل صلاح الناس وفي حياته فسادهم" لقد قتل معاوية الشهيد حجر لوجه الله، وحماية للمجتمع والوطن.