ذكر تقرير صحفي لجريدة الاخبار اللبنانية للكاتب غسان سعود أن تنظيم داعش قام برفع معنويات قوى 14 آذار وآمالها بتعديل موازين القوى السعودية الإيرانية قليلاً، بما يضمن قبول الإيرانيين بجلوس السعوديين إلى الطاولة الإقليمية لتقاسم النفوذ مجدداً. ولا يهمهم خلفية داعش الفكرية أو طموحاتها المستقبلية؛ المهم أن إسهام عرابهم في تصفيتها يمكن أن يعيدهم إلى السلطة. وذلك يوافق توماس فريدمان القول (في نيويورك تايمز) إن «تفكك العراقوسوريا يغير المعادلة التي حكمت الشرق الأوسط قرناً كاملاً». لا يحصل ذلك لمصلحة إسرائيل بالضرورة، فها هو وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر يتوقع قبل مدة أن لا تكون إسرائيل موجودة إذا استمر نمو المجموعات الراديكالية على ما هو عليه منذ عامين. ولا أحد يملك، تصوراً لما ستكون عليه الأوضاع الإقليمية قبل بضعة أيام فقط. حتى موعد قريب، كان داعش في الصحافة السعودية قناعاً تنكرياً "للاستخبارات الإيرانية "لشق الصف الإسلاميّ في الشام وتشويه صورة الثورة السورية. وكانت الصحافة الغربية «تقمع رغبتها المهنية في الكتابة عن مآثر هذا التنظيم وفنونه. فجأة انتقلت «المصادر» نفسها، السعودية خصوصاً، إلى تبرير الثورة الداعشية، مكررة الرواية المضحكة نفسها عن كون داعش مجرد فصيل صغير يتقدم الصفوف الأمامية لجيش الثائرين على الظلم في بلاد الشام، تحاول إيران والنظام السوري تضخيم نفوذه وتأثيره. وها هو دايفد إيغناتيوس يكتب في واشنطن بوست عن وجوب جمع اللاعبين الأساسيين حول طاولة واحدة لبناء هيكل أمني جديد من أجل ضمان استقرار المنطقة، مشيراً إلى أن أبرز لاعبين هما السعودية وإيران. يدعم إيغناتيوس فكرته بقول وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أن على العالم التصالح مع "الثورة الإيرانية"، كما تصالحت أوروبا والعالم بعد طول عناد مع الثورة الفرنسية. لكنها ليست وجهة النظر الأميركية الوحيدة. فسفير الولاياتالمتحدة السابق في الأممالمتحدة جون بولتون قال قبل أيام لفوكس نيوز إن على الولاياتالمتحدة الاكتفاء بالتفرج من بعيد على القتال الحالي، آملة إلحاقَه أكبر ضرر ممكن بالمتنازعين، كما حصل سابقاً في الحرب العراقيةالإيرانية. وفي السياق يذكر فريدمان أن إيران حالت دون توقيع المالكي اتفاقية جديدة تمدد للوجود الأميركي العسكري في العراق لضمان الاستقرار، شامتاً بإخراج الإيرانيين الأميركيين من مستنقع الشام ليرموا أنفسهم به. فعلت داعش ما لم يفعله أي تنظيم قاعديّ من قبل بسيطرتها على الموصل ومحوها بعض الحدود بين سورياوالعراق ونجاحها بجذب مئات الأوروبيين والأميركيين إلى الجهاد. انتقل النظام السوري من مرحلة عدو عدوي صديقي، إلى مرحلة التصدي لهذا التنظيم. الاستنفار الإيرانيّ غير مسبوق. لم يسبق أن أعلنت المرجعيات الشيعية الجهاد بهذه السرعة، وما يرد من أرقام عن أعداد المتطوعين يوحي برعب حقيقيّ. واضح أن الفريق الحاكم في السعودية مستعد لفعل المستحيل – سراً وعلانية – من أجل تحسين أوراقه التفاوضية وسحب الإيراني إلى طاولة التفاوض الإقليمي قبل تحرير إيران إقتصادياً وسياسياً بالكامل. وواضح أيضاً أن الإيراني يفضل المواجهة على الاستسلام للفخ السعوديّ. أما أميركياً، فلا قرار حاسم بشأن داعش. كانت الإدارة الأميركية أقرب إلى وجهة نظر بولتون السابق ذكرها في تصرفها مع «داعش» منذ عامين، منها إلى المنظرين المتحمسين لضرب التكفيريين. إقليمياً هناك من يعول كثيراً على داعش، لا بل يعلق على داعش كل آماله بتحسين شروطه التفاوضية واستعادة نفوذه الغابر. ومحلياً، ما كادت داعش تتقدم، حتى استعاد الفريق السعوديّ آماله بتحسين أوضاعه. مع العلم أن الخشية المستقبلية من داعش تقتصر على قلة قليلة تحترم بينها وبين نفسها التعددية اللبنانية وتحرص عليها، أما الأكثرية المستقبلية فتعيش اليوم نشوة تسمح لنائب مثل خالد ضاهر بأن يجري أكثر من ثلاث مقابلات في اليوم الواحد بعدما كان يختبئ طوال الشهرين الماضيين. تقف المنطقة على مشارف تحول سياسي كبير، سواء كرست السعودية عبر الولاياتالمتحدة وطاولة المفاوضات الواقع التقسيمي التهجيري الذي تفرضه داعش أو إذا كسرت إيران الدينامو السعودي وأعادت الأوضاع في العراقوسوريا إلى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات مع تحجيم استثنائي للنفوذ السعودي. يرى كرم أننا في بداية معركة طويلة، فيما يقول افرام إن المواقف الدولية توحي بأن تفاهماً إيرانياً – غربياً سيسمح لطهران بالانتهاء سريعاً من هذه الفزاعة. في الحالتين، ستتأثر الساحة اللبنانية وسيكون لمستقبل داعش تداعياته المباشرة محلياً.