"أقم العدل أنت يا من مُدحت.. وارفع عنى الظلم.. انظر إليّ فإنني أحمل أثقالا فوق أثقال .. أجب إلى الصيحة التي ينطق بها فمى، وحطم الظلم ورسخ الحق، فإنه إرادة الإله، أما الظلم فهو منفى من الأرض".. بهذه الكلمات نطق الفلاح الفصيح بشكواه أمام قاضى القضاة فى واحدة من أشهر القصص فى الأدب الفرعونى. وجرت أحداث هذه القصة إبان حكم الأسرة الحادية عشر 2200 ق.م تقريبا والتى أعقبها بتسع برديات من الشكاوى وصلت إلى الفرعون الذى أعجب بفصاحة الفلاح وأعفى عنه فى النهاية، وفى الغالب كانت هذه القصة وهذه البرديات مصدر الإلهام الذى بنى عليه الدكتور هانى مطاوع، مؤلفا ومخرجا، مسرحيته "مرافعات الفرفور الفصيح" التى يقدمها على خشبة المسرح العائم الكبير بالمنيل من إنتاج فرقة مسرح الساحة، والعرض من بطولة مجدى فكرى، هانى النابلسى، مجدى رشوان، حمدى حفنى، محمد الأباصيرى، ديكور محمد فؤاد، ملابس د. ريم هيبة، إضاءة أحمد رجب، أشعار بهاء جاهين، ألحان محمد عزت، تصميم رقصات سالى عباس. وبدلا من الفلاح الفصيح فى القصة الفرعونية استعان المؤلف بفرفور صاحب سيرك أو تياترو فرفوريا، وجعله هو من يستخدم فصاحته أمام السلطان وهو يترافع عن الفلاح الذى بدا فصيحا هو الآخر فى كثير من الأوقات وهو يشرح قضيته. وقد حاول المؤلف المخرج أن يقدم لنا عرضا مسرحيا يعتمد على فكرة التياترو وعروض الساحة التى تشبه إلى حد كبير حفلات فرق المحبظاتية فترة المماليك والفرنساوية، وقد اعتمد فى الشكل أيضا على الرقص والغناء والموسيقى الحية من خلال استخدامه لفرقة حسب الله بشكلها التقليدى والطبلة والترومبيت والآلات القديمة، وفرقة أخرى معاصرة بآلاتها الحديثة من أورج وغيرها من الآلات وكذا الأصوات الغنائية المميزة، وكلا الفرقتين متواجدتين طوال العرض المسرحى على الخشبة يمينا ويسارا إلى جانب أخوات فرفور الراقصات الستة اللاتي يشاركنه الغناء والرقص طوال فترات المسرحية من خلال أغانى تمزج بين القديم والحديث، وإن كان اعتماده الأكبر كان على الأغانى التراثية ولا سيما الشعبى منها، وكل هذه الفنون من رقص وغناء وفرق وتمثيل وتشخيص ونكات حاول المخرج أن يصبها جميعا فى قالب المسرحية التى يقدمها، وفى الوقت ذاته كان يحاول أن يجعل العرض كوميديا سياسية تناقش التطورات الاجتماعية والسياسية التى مرت بمصر فى الفترة الأخيرة من خلال تناول المسرحية لسلطانين يحكمان البلاد ويعنى بهما المؤلف نظامى المعزول والمخلوع من قبله، وجعل الفرفور الفصيح شاهدا على ذلك كله من خلال تواجده كمصدر ثقة لدى النظام الأول وحجر عثرة فى الثانى ولكنه على أية حال موجود فى النظامين شاهد عليهما ومناوئ للسلطة والظلم فيهما. وإن كانت تلك أمانى المؤلف المخرج ورغبته فى أن يقدم عرضا مسرحيا يجمع فيه كل ما سبق، ولكنه للأسف قد أتخم نفسه والعرض بالكثير من التفاصيل والأحداث التى أراد أن يتضمنها طرحه المسرحى، والكثير كذلك من الكلمات التى أفرد لها الوقت سواء من خلال مرافعات الفرفور الفصيح التى كانت مباشرة وصريحة وليس هذا عيبا فى ذاته، فالفرفور هنا ظهر فى ملابس القراقوز، وهو معروف بلسانه الحاد السليط، ولكنها مرافعات طويلة متعددة ومكررة، وفى الوقت ذاته ابتعدت عن الفصاحة فى لحظات البحث عن الكوميديا الفجة واستخدام الألفاظ التى تخدش الحياء فى بعض اللحظات، والتى أكثر بعض الممثلون منها بغية البحث عن كوميديا لم تتحقق. فالمؤلف المخرج هنا كان من الممكن أن يتعامل مع النص كمسرحية لمؤلف آخر، وهذا سيمنحه بالطبع حرية حذف ما لا يلزم، وكذا حذف ما قد يتعارض مع الخط الرئيسى لرؤيته التى يرغب فى طرحها بدلا من تقديم مسرحية تزيد عن الثلاث ساعات، وكان من الممكن تقديم ما بها فى أقل من الساعة لو أراد، وخاصة أن معه الوسائل المعاونة فى ذلك، وخصوصا عنصر التمثيل القادر على تقديم مثل هذه النوعية من العروض، وإن كانت هذه العناصر التى نعرف جيدا أنها تمتلك موهبة وطاقات تمثيلية غير عادية قد أضاعت جزءا كبيرا من مجهودها فى الجرى وراء الأفيهات اللفظية، والكوميديا السوقية التى لا تترك أثرا، "مرافعات الفرفور الفصيح" مرافعات حاول صانعوها أن يترافعوا فيها عنا فسقطوا فى هوة الإطالة والمبالغة والتكرار فخسروا قضيتهم وتاهت ملامح قضيتنا.