د. إياد حرفوش : داعش في الموصل .. وآفة عروبتنا النسيان!

مشهد (۱): الجيش العراقي يشارك في الضربة الجوية الأولى في 6 أكتوبر بسربين من طائرات الهوك هانتر على الجبهةالمصرية، وبوحدات مشاه ميكانيكية وأسراب مقاتلة على الجبهة السورية … مشهد لا ينسى لولا أن آفة عروبتنا النسيان!
مشهد (۲): يعرض التليفزيون مشاهد انسحاب الجيش العراقي (ما بقي منه) من الموصل وتكريت أمام ميليشيا دولة الإرهاب في العراق والشام "داعش"، وشذاذ الآفاق يتداعون للزحف نحو بغداد!! أُسكِت صوت التليفزيون، وأُشغِّل تسجيلات قديمة! فأستمع لكوكب الشرق وهي تشدو "بغداد ياقلعة الأسود .. يا كعبة المجد والخلود .. يا قبلة الشمس للوجود"، والمجموعة وهي تنشد "سلام الله يا بغداد .. على أبنائك الأمجاد" .. ميول مازوشية لتعذيب الذات! أحيانا تكون آفة النسيان مخدرا جيدا، وتكون الذكرى ألما قاتلا .. لكننا بالألم نحيا وبالخدر نموت.
مشهد (۳): عبد الكريم قاسم يتلقى في يونيو ۱۹6۲م برقيات التهنئة من وزرائه على قراره بضم الكويت، والقوات العراقية تطلق النار على سفن كويتية في الخليج وتستولي على عشر ناقلات نفط كويتية .. عبد الناصر يرسل فرقة مظليين للكويت ويعلن أن العدوان على الكويت عدوان على القاهرة، فيتراجع "قاسم" عن غزو الكويت .. كان للعالم العربي كبير يصفي خلافاته داخليا .. لكن آفة عروبتنا النسيان .. وآفة الكبير عندما ينسى أنه الكبير.
مشهد (4): الحاكم المدني الأمريكي للعراق "بول برايمر" يعلن حل الجيش العراقي في إبريل ۲۰۰۳م! لتطوى صفحة واحد من أكبر ثلاثة جيوش عربية كان قوامه 4۰۰ ألف جندي كاملي العدة والعتاد! … في هذه المنطقة من العالم يجب تعديل بيت الشعر ليصبح: إنما الأمم الجيوش ما بقيت .. فإن هم ذهبت جيوشهم ذهبوا! لكن .. آفة عروبتنا النسيان.
مشهد (5): نصف مليون لاجيء عراقي يحملون ما خف من متاعهم ويسيرون من الموصل باتجاه إقليم كردستان، حيث استعد جيش البيشمركة الكردي لمواجهة "داعش" على حدود الإقليم. في الأسبوع الماضي رأيت بعيني معسكرا للاجئين السوريين في كردستان العراق، هل سيكون لأهل الموصل معسكر مشابه؟ هل يصبح العراقيين لاجئين في أرض العراق؟؟ لاجيء فلسطيني .. لاجيءسوري .. لاجيء عراقي!! أحقا لا ترون ما يحاك لكم أيها العميان بالقلب؟ ليست آفةعروبتنا النسيان وحسب!!
مشهد (6): صحيفة "الديلي ميل" تنشر نقلا عن الخارجية الأمريكية "الولايات المتحدة لا نية لديها للتدخل العسكري ضد قوات داعش التي استولت على الموصل وتكريت"!! طبيعي ومتوقع جدا!! الأمريكي يفتح جبهة جديدة موازية لجبهة سوريا، فكيف يغلق ما فتحه بنفسه؟ .. تتصاعد نغمة عجيبة في الأقطار العربية تدعي أن "ما يحدث ثورة ضد نظام نوري المالكي الطائفي، وداعش كذبة إعلامية"! .. يا راجل؟! الكذبة الكبرى هي "الثورات المسلحة" التي تتمدد من سوريا إلى العراق، وبعضنا عنها غافلون.
مشهد (7): آلاف محركات البحث تعمل، الكل يكتب على جوجل اسم "داعش" وأمير مؤمنيهم "أبو بكر البغدادي"، ليفهم ما يجري في العراق! وهذا جيد، ولكن لا تغرقوا في التفاصيل وتنسوا المشهد الكامل! هل داعش جزء من القاعدة أم منشقة عليها؟ لا فرق بينهم، فكلهم "أبومأجور الدولاري"! وكلهم يستدعي لنا من الكتب الصفراء صراعات تلهينا عن صراع الواقع الذي يعيشه عالمنا، هل نقضوا بيعتهم لأيمن الظواهري؟ لا يهم، فبيعتهم للدولار أبدية! هل انسحبوا من سوريا أم فتحوا عمقا جديدا بأرض العراق لزوم الكر والفر؟ هذاهو المهم حقا وصدقا .. لا تغرقوا في التفاصيل، فأحيانا تكون آفة عروبتنا التفاصيل.
المؤامرة ليست نظرية بل واقع يتحرك على الأرض، يطلق نارا، ويلحق بالغافلين عارا. كل التناقضات الثانوية والضغائن السياسية، كل الصراعات الطائفية والثارات التاريخية، كل الحسابات القديمة ينبغي أن تغلق اليوم بين الشعوب العربية لمواجهة الخطر الوجودي الجديد. وهذا الخطر ليس داعش ولا الإخوان ولا النصرة، وإنما من غرسها ورواها جميعا ومازال! أفيقوا يرحمكم الله، قبل أن يأتي يوم يلعنكم فيه أولادكم المرتهنين بمعسكرات اللاجئين، يوم تبكون فيه كالعيال أوطانا لم تصونوها كالرجال.