شاءت مواعيد النشر أن تتزامن هذه المقالة مع بدء انتخابات الرئاسة لعام 2014 ، والتى تنحصر المنافسة فيها بين عبد الفتاح السيسى، وحمدين صباحى . وبات من الأهمية بمكان أن تكون المشاركة الجماهيرية بالملايين ممن لهم حق الاقتراع، بصرف النظر عن تفضيلاتهم لهذا المرشح أو ذاك، لكونه سيكون تصويتاً للمستقبل الذى ينشده كل مصرى . وكثافة هذه المشاركة هامة ومصيرية على أكثر من صعيد، لذا يتوجب التروى وإعمال العقل فى الاختيار، بعيداً عن العاطفة وحملات الدعاية التى رافقت عملية الترشيح، وحتى فترة الصمت الانتخابى . وليس من المقبول التسليم مسبقاً بأن النتيجة محسومة، فما جدوى المشاركة والذهاب إلى صناديق الأقتراع ؟ على النقيض من ذلك، تبدو أهمية المشاركة بكثافة غير مسبوقة، وعبر صناديق الأقتراع ستجسد حقيقة كلمة الارادة الشعبية ، والحضور الشعبى فيما سوف تسفر عنه نتيجة التصويت لهذا المرشح أو ذاك، وتحديات المرحلة المقبلة . ومما له صلة، ورغم أن المنافسة لم تكن متكافئة، حيث الانحياز كان واضحاً من كافة وسائل الدعاية لمرشح بعينه، وغياب برنامجه الانتخابى الذى يمكن محاسبته عليه بعد فوزه، إلى حد تطوع البعض إلى تصوير الأمر بأنه هو فى حد ذاته بمثابة برنامج انتخابى !! بكل ما يحمله ذلك من تساؤلات وعلامات استفهام، وغياب الحضور مع التجمعات الشعيبة والاستعاضة عنها بلقاءات مختارة مع بعض ممثلى هذه التجمعات، وإذاعتها تليفزيونياً، بينما اجتهد المرشح الأخر فى التواصل المباشر مع جماهيره فى العديد من المحافظات، وبحضور جماهيرى لا يمكن للعين انكاره، مما يفند، ولو جزئياً، مقولة أن نتيجة الانتخابات محسومة مسبقاً !! . كما تجلى بوضوح الفوارق الكبيرة والشاسعة فى القدرات المالية فى هذه الحملات ، كما لمسها القاصى والدانى . بيد أنه من بين أخطر ما حاولت الحملة المناصرة للمرشح السيسى، والآلة الاعلامية الجهنمية، تكريسه وترسيخة لدى العامة، وحتى قطاع ليس بالقليل مما يسمى بالمثقفين، هو أن تحقيق الأمن والاستقرار، فقط، مرتهن بنجاح السيسى فى المنافسة الانتخابية ّّ!! بدعوى أنه سيكون مدعوماً من مؤسستى الجيش والشرطة، وسيقدمان له كل العون والمساعدة المطلوبين، أى أن هذا الأمر لن يكون متاحاً فى حالة فوز خصمه!! وهنا تتبدى غرابة وعدم منطقية هذا القول، وتنسف بالأساس ما نحاول جاهدين فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، خاصة بناء دولة مؤسسات تكون فى خدمة الشعب، صاحب السلطة والسيادة الأوحد، وحتمية احترام اختياره . ومن الناحية النظرية، هل لو فاز حمدين صباحى، لن تتعاون معه مؤسستى الجيش والشرطة وعدم قيامهما بوظيفتهما فى خدمة الشعب وصون أمنه واستقراره !!رغم ان الشعب وحده هو الذى يدفع لهما المرتبات وتمويل ما يحتاج من معدات وآلالات . مثل هذه المقولات على درجة كبيرة من الخطورة، فأى مرشح يكن لهما التقدير والعرفان بدورهما فى كفالة الأمن ، سواء الداخلى أو الخارجى، لان ذلك يتعلق بمصير الوطن وليس بشخص الحاكم . والتخاذل فى أداء ذلك يعرضهما للمحاسبة والجزاء، وهى من الأمور التى لا يجوز لأى حاكم التهاون فيها، أو السكوت عليها . ومن وجهة نظرى الشخصية، لا انظر إلى ما سوف تسفر عنه نتيجة الانتخابات، من معيار المكسب والخسارة!! فسواء فاز حمدين، أو لم يحالفه التوفيق، فقد أدى ما عليه من واجب وطنى، وليس كما يحاول خصومه تصويره، فى إثراء العملية الديمقراطية، وفى المضى بخريطة الطريق وفق ما هو مرسوم لها، وتحمل فى سبيل ذلك الكثير من السخافات والاتهامات، التى تمس شخصه وأسرته، لكنه على الجانب المقابل، وعبر لقاءاته الشعبية والجماهيرية، والتى عبرت عن مدى شعبيته وتعبيره عن برنامج الثورة وحلم الجماهير فى العدالة الاجتماعية والتغيير والكرامة الانسانية واستقلالية القرار الوطنى، وتلك مسآلة هامة تساهم بشكل ايجابى فى بناء كتلة شعبية قوية ومؤثرة، تنعكس ايجاباً فى الاستحقاقات المقبلة، سواء البرلمانية، أو المحليات، سواء لجهة الظهير الشعبى المساند، أو لجهة تشكيل معارضة قوية تحد من تغول السلطة التنفيذية، وللحد من تبلور بيئة مواتية لاعادة خلق " فرعون " جديد . وفى السياق ذاته، ثمة تحية واجبة لكل من التف حول حمدين، خاصة الشباب فى حملته ، الذين قدموا ما استطاعوا، من وقت وجهد ومال، رغم امكانياتهم المحدودة، وظهروا بصورة مشرفة ، ليؤكدوا حقيقة أنهم الأمل والحلم فى غد مشرق باذن الله، وانهم ، مع غيرهم من شرفاء الوطن ، هم الضمانة الرئيسية فى أن الثورة مستمرة، رغم كافة محاولات قوى الثورة المضادة فى إجهاض الثورة، وسرقتها لتحقيق غير ما قامت من أجله . وفى التحليل الأخير، فان كل جماهير الشعب التى لها حق الاقتراع، مدعوة للنزول بكثافة، والتروى والتدبر فى اختيار من تراه معبراً عنها وعن طموحاتها، لان تصويتها سيكون دون ريب، تصويتا لمستقبل الذى نحلم به ونستحقه . ً