ثلاث سنوات مرت على الثورة الليبية التي انطلقت في 15 فبراير 2011 على إثر اعتقال محامي ضحايا سجن بو سليم (فتحي تربل) في مدينة بنغازي حيث خرج أهالي الضحايا لمناصرته في تظاهرات استمرت حتي اليوم التالي ثم انتفضت بعض المدن بغرب البلاد حتي سقط أول الشهداء في 16 فبراير ومن ثم تعالت أصوات المتظاهرين وهتافاتهم ضد نظام القذافي مما أدي لاطلاق الرصاص الحي لإسكات الأصوات التي تعالت صرخاتها كالموج الهادر ,وبمجئ يوم الخميس 17 فبراير كانت كل المدن الليبية بالمنطقة الشرقية تتلاحم مع الجماهير في مواجهة الطغيان ليسقط 400 ثائر ما بين قتيل وجريح برصاص المرتزقة الذين استأجرهم النظام في مواجهة الثوار في حين تعلو الحناجر مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ,ومع تطور الأحداث تحولت الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بالقذافي الذي أصر على المواجهة مع الشعب دون استشعار المخاطر التي تحيق بالدولة الليبية . لم تفلح جهود القذافي في قمع الجماهير المحتشدة بالقتل والتنكيل ,لكنه واجه انتفاضة هزت جميع أرجاء الوطن استمرت حوالي تسعة أشهر ,صمد خلالها الشعب الليبي لتحقيق مطالبه لا يرهبه سلاح المرتزقة ولا يثني عزيمته دوي القنابل حتي سقط القذافي صريعاً بمدينة سرت في 20 اكتوبر 2011 ,وبرحيل القذافي اتخذت الثورة شكلاً يبتعد عن المنحى الذي قامت من أجله ,حيث تصارعت الجموع التي توحدت من أجل إحداث تغيير شامل خرجوا من أجله لتطغى المصالح الشخصية والقبلية على حساب مصلحة الوطن وتتحول الخلافات بين الفصائل المختلفة إلى صراعات مسلحة تشيع الفوضى والاضطرابات في البلاد ,ومن ثم انتهزت جماعة الإخوان الفرصة للتسلل والوصول إلى الحكم في غياب تام للدولة بعد أن تنحى مصطفى عبد الجليل من منصبه في 18 أغسطس 2012 كرئيس للدولة وسلم المنصب إلى المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي تم انتخابه في 7 يوليو 2012 على أن تنتهي مهامه في 7 فبراير 2014 وفي ظل المؤتمر الوطني الليبي الذي تمثله جماعة الإخوان والمنوط بتعيين رئيس الوزراء المسئول بدوره عن تشكيل حكومة ينبغي أن تحظى بقبوله ورضاه كما يختص المؤتمر بتعيين رؤساء الوظائف السيادية واختيار هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دستورللبلاد…الخ ,لم يقدم البرلمان طوال فترة توليه شئون البلاد في المرحلة الإنتقالية مشروعاً وطنياً لدعم استقرار الأحوال في ليبيا والعبور بها لبر الأمان, بل كان وجوده عاملاً جوهرياً في نشر الفوضى لتستمر الانفجارات والخطف والقتل لشخصيات دبلوماسية وسياسية وأمنية مما عزز تزايد الميليشيات المسلحة بتوجهاتها المتباينة في ظل إخفاق البرلمان وفشل سياساته في اختيار رئيس وزراء يستطيع القيام بمهامه في هذه المرحلة الحرجة ومن ثم تصاعدت حدة الانقسامات على مدى العام الأخير لعدم الاتفاق بين القوى السياسية المختلفة بشأن حكومة علي زيدان ووضع خارطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية .وفي تحد سافر لمشاعر الجماهير الغاضبة أعلن المؤتمر الوطني عن تمديد ولايته حتى ديسمبر 2014 مما أدى لتعميق الخلافات والانقسامات الحادة على المستويين الشعبي والسياسي فضلاًعن تصاعد التوترات بين الميليشيات المسلحة ومن ثم أتت مبادرة اللواء حفتر فيما يعرف بعملية (كرامة ليبيا ) بمثابة المنقذ للبدء في مرحلة جديدة تم التخطيط لها منذ شهر فبراير2014 اتساقاً مع إنهاء حكم الإخوان الذي مازال ممسكاً بتلابيب الحكم رغم انتهاء شرعيته. لقد دعا حفتر للوقوف في وجه برلمان الإخوان والتخلص من حكمهم نهائياً باستخدام القوة حتى ولو كانت مفرطة ,وبدأت حملته تحظى بتأييد الجماعات المسلحة المتنوعة وشرعت في تطهير بنغازي من خلال طائرات حربية وقوات برية لتنفيذ هجوماً ضد قواعد ميليشيا تتبع الإخوان فضلاًعن جماعات إسلامية أخرى ,ثم شنت قوات من مدينة الزنتان المتحالفة مع اللواء حفتر هجوماً عنيفاً على المؤتمر الوطني مؤخراً في رسالة واضحة لرفض الحكومة التي يسيطر عليها الإخوان كما دعا لتشكيل مجلس رئاسي يشرف على المرحلة الإنتقالية الجديدة على أن يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية الأمن ,لاشك أن المعركة التي يخوضها حفتر مع الجماعة الإرهابية ليست سهلة لكن الجماهير المتعطشة للحرية ودفعت أرواح الشهداء ثمناً لها والتي بدأت حراكها الشعبي للإلتفاف والاصطفاف وراءه خير شاهد على أننا في انتظار حدث جلل .إن ما يحدث في ليبيا يبعث على الأمل والطمأنينة ,فكما استلهمت مصر من ثورة الياسمين التونسية تستلهم ليبيا من مصر ما حدث بثورة 30 يونيو,ولعل في اقتلاع جذور الإخوان من مصر وإنهاء تجربتهم السياسية بكل مرها ومرها مايجدد الأمل في وأد الفكرة نهائياً. نحن في انتظار ليبيا الجديدة وندعوا لسوريا والعراق والسودان ,نحن في انتظار وطن عربي جديد يعود لأحضان مصر الأم.