كان على الزوج الفلسطيني أن يختار بين هذين الخيارين أثناء ما يعرف بموسم النبي روبين في يافا قبل النكبة .. موسم النبي روبين كان يشبه إلى حد كبير الموالد المصرية حيث كان يخرج الفلسطينييون في يافا إلى البحر ويتنزهون ودرج على لسان الزوجات إما ان تروبني "اي تجعلني أذهب إلى الإحتفال " أو تطلقني .. مازال الفلسطينيون يتذكرون ويروون لبناتهم قصص يافا ومزارع البرتقال والبيارات وقصة الرحيل والوعد بالعودة .. رغم كل ما يدعو للتشاؤم حولهم .. في ذكرى النكبة تخيلت لسان حال أهل فلسطين للعرب الآن هو "ياتروبني يا تطلئني" فبعد عقود طويلة من النكبة أصبح العرب هم العبء على القضية الفلسطينية لا العكس كما يدعي أصحاب الطبول والزمامير .. وأصبح ما تشكله الدول العربية من ضغط على مسيرة المقاومة الفلسطينية هو العائق دون تقدمها كي تصل لشاطئ البحر وتشم الهواء العليل النقي .. فالدول العربية تكاتفت بشكل عجيب ضد النظام العربي الوحيد الذي وقف بصمود لجانب القضية الفلسطينية ولم يدخر وسعا في دعم المقاومة وكان هو من أسباب كل انتصارات المقاومة في السنوات الأخيرة .. الدول العربية ساهمت في ادخال سوريا المقاومة إلى دوامة الفوضى وأعادتها سنوات للخلف وكأن المقصود فعلا هو كسر ظهر المقاومة ضد العدو الصهيوني .. والدول العربية هي التي تحترم وتقدر العهود والمواثيق مع العدو وتضغط من اجل ادخال الفلسطينيين في دوامة "الأرض مقابل السلام" لم تعد القضية الفلسطينية سوى قميصا يكسب الأنظمة العربية شرعية أمام شعوبها لا أكثر .. بل بات موقف أي نظام عربي منها هو مفتاح قبوله في المجتمع الدولي واعتراف البيت الأبيض به .. أما في مصر ومنذ زمن ليس بالقصير أمسى التصريح بالموقف المبدأي غير المتهاون من قضية فلسطين "غباء سياسي" وأصبح التهاون في الموقف أو ميوعة التصريح به "دهاء سياسي وحنكة مطلوبة" ! وهو ما ليس بالجديد علينا فنحن نتغنى منذ زمن بالهوان بوصفه حنكة والشجاعة نصفها بالغباء .. وانما الجديد كان ما عبر عنه المرشح لرئاسة مصر عبد الفتاح السيسي أثناء حواره المصور حين سئل عن كل من حماس واسرائيل .. لم يبد المرشح ميلا نحو حماس بأي شكل من الأشكال بل انتابه صمت محمل بالغضب مؤكدا أننا لن ننسى من وقف معنا ومن وقف ضدنا وحين سأل عن اسرائيل كنت كل ما أتمناه أن يرد بنفس الإجابة على الاقل أننا لا ننسى ! لأننا فعلا لن ننسى .. لكن كانت الإجابة صريحة ومباشرة نحن نحترم العهود والمواثيق وهذا من عظمة مصر .. وفي الرد على امكانية مقابلة رئيس وزراء اسرائيل كانت الإجابة "الساداتية" بامتياز "هما بس يعملوا حاجة للفلسطينيين .. عاوزين نشوف دولة فلسطينية عاصمتها القدس" مع ابتسامة جميلة .. وبعدها في اطار آخر تم التأكيد على أن جيش مصر مش جيش بتاع مشاكل وما بيهددش حد .. وهذا تطور جديد مختلف عن العقود السابقة حيث بلغ ببلادنا الحال أن تعتبر حماس "رغم كل ما فعلته من اساءات لا أنكرها " أخطر على مصر وأنها أكثر اثارة للضيق والغضب من العدو الأكبر والأخطر على بلادنا والذي صدعنا الإعلام ليلا ونهارا أنه وراء ما يحدث في مصر .. بل إن جل نظرية المؤامرة التي نروج لها في إعلامنا منبعها هذا الكيان الذي نعلن الآن في تناقض عجيب اننا نحترم عهودنا معه ولكننا لن ننسى ما فعلته حماس ! كان المتوقع وبعد عزل مرسي الذي كان يقود "مؤامرة امريكية صهيونية" لتخريب مصر كادت تودي ببلادنا وتودينا في داهية كما سمعنا ونسمع منذ 30 يونيو ان يكون هناك تغييرا جذريا على الاقل في لغة الحوار مع هذين الطرفين ولكن ما يحدث هو اننا نغير في الوعي المصري بشكل غير مباشر فكرة العدو الصهيوني الإستراتيجي ليصبح حماس أو غيرها .. أما العدو فمطلوب منه "يعمل أي حاجة عشان نقابله ونتعامل معاه" ، من منطلق سياسي بحت اذا كان وجود اسرائيل واقع يلزمنا التعامل معه بدهاء وحكمة رغم ما يشكله من خطورة على الأمن المصري فكنت أتمنى في الحد الأدنى أن يلقى قطاع غزة نفس المصير من قبول الواقع والتعامل معه بحنكة سياسية .. واذا كانت حماس متورطة في التدخل في شئون مصر فاسرائيل هي من قتل خيرة جنودنا وظباطنا وجيشنا وأسرانا أيضا الذين لم نفتح ملفهم حتى اليوم .. وهي من يتدخل كل يوم في مؤامرات ضد بلادنا والثأر بيننا وبينهم أشد وأنكى .. ووصل بنا الحال أن المرشح الرئاسي الذي ينتظره المصريين كناصر جديد لم يتحدث عن سوريا الظهير الأمني والقومي لمصر إلا باقتضاب شديد في كلمات معدودة على أصابع اليد الواحدة وأنا من كنت أنتظر أن تكون سوريا أول محطات سفره خارج البلاد في حلم رومانسي بعيد المنال .. ولكن المرشح اعلن أنه ذاهب إلى عدو سوريا وأنه يحمل الود والإحترام والتقدير للمساهم الأول في تدمير سوريا وادخال الإرهاب إليها !! حكيم العرب وزعيمهم .. لو كنت فلسطيني سأقول للعرب الآن يا تروبني يا تطلئني .. إما أن تساعدني في الوصول للبحر أو طلئني وسيبني في حالي ودعني أمضي دون اعاقتي .. حضرني بعد الحوار مشهد تاريخي لفرناندو دي باليروا صاحب آخر ثورة في الأندلس حين قال وسط جنوده "نحن وحدنا في المعركة فلا المسلمين يعتبروننا مسلمين ولا الأسبان يعتبروننا اسبان" وخاض اخر معارك التحرير وحيدا .. وأثناء مقتله وانهيار ثورته كانت الجيوش العثمانية "العظيمة" تدخل بقوتها القاهرة للقضاء على خطر المماليك في مصر ! .. وتهادن مع الاسبان وتحاورهم بالحكمة السياسية والموعظة الحسنة ..