الجامعات العربية حرصت على الاحتفاء بي وجامعتي رفضت حضوري ندوة بها تعلمت من سميرة موسى الوطنية والإصرار على خدمة البلاد بالبحث العلمى «المرأة القوية هي التي تمتلك حلما لوطنها ولأسرتها، تعي أن كونها أنثى يعد شرفا لها لا عيبا أو نقصا فيها، هي قائدة الأسرة وإن بدت في غالب الأحيان خلف الزوج، حتى ربة المنزل التي لا تعمل، قائدة تتمتع بقوة كبيرة، فهي قوية حين تنظم شئون أسرتها، وحين تشارك في المناسبات لجيرانها، وحين تدبر احتياجاتها واحتياجات أسرتها وفق ميزانية الزوج». كلمات تستحق القراءة مرات ومرات، شهادة امرأة تضرب مزاعم بنات نوعها بأن «نقصان» المرأة إنما يكمل بعملها، وبأن قوتها تأتي من قدرتها على الإنفاق، وبأن اكتفاء الكثيرات منهن بشئون الأسرة تقليل من شأنها. كلمات تحمل الكثير من السباحة ضد التيار، تأملها من شأنه أن يعيد صياغة عقول كثير من فتيات ونساء هذا الوطن، علهن يدركن أن قوة دورهن وتأثيرهن ليس وقفا على توجه بعينه، ولا دور دون سواه. ولعل قوة هذه الشهادة النسائية ليست لأنها رؤية امرأة وحسب، وإنما لأنها ليست كأية امرأة.. الدكتورة، العالِمة، غادة محمد عامر.. تم اختيارها ضمن أكثر 20 امرأة نفوذا وتأثيرا في العالم الإسلامي، ثم كرمت مرة ثانية لاحتلالها المركز 66 في قائمة أقوى سيدة عربية. ملامحها تتسم بجمال لافت، ابتسامتها دافئة عريضة، لم تفارقها أي من ملامح وسمات الأنثى الكاملة، رغم دراستها الجافة للهندسة الكهربائية، وعملها في المجال البحثي، زوجة وأم لأربعة أطفال.. نتعرف أكثر على ال «غادة» المصرية أكثر خلال الحوار التالي.. ** كيف جاء اختيارك تخصص «الهندسة الكهربائية»، الذي يراه البعض «للرجال فقط»؟ أثارتني منذ طفولتي جملة قصيرة كنت أسمعها تقال لوالدي، هي «انت ما عندكش ولد»، حيث كانت أسرتنا مكونة من أبي وأمي وشقيقة واحدة لي. وهذه التفرقة بين الولد والبنت تنتشر في بلدتي طنطا وغيرها من الأقاليم ذات العادات والأفكار الريفية. شكلت تلك الجملة القصيرة جدا حافزا قويا داخلي، فعاهدت والدي أن أكون له الولد، وقررت أن أكون الدكتورة المهندسة «غادة محمد عامر» كي يتردد اسم والدي ويبقى كمن أنجب ولدا، لذا قررت اختيار قسم "الهندسة الكهربائية" لأكسر الشائع عنه دائما أنه "للرجال فقط"، فالهندسة ليست بحاجة إلى "عضلات" وإنما إلى عقل وتفكير. ** لم يقتصر تفوق الدكتورة "غادة" الدراسي على "التقديرات" فقط، وإنما تولت رئاسة قسم الهندسة الكهربائية. كيف أمكنك الانتقال من طالبة اختارت الدراسة في قسم يعدونه "للرجال فقط"، إلى رئيس هذا القسم؟ لم أكن أتوقع أن أتولى رئاسة قسم يتواجد أساتذتي فيه، وكانت أبحاثي سبب الترقية التي أبلغت بها أثناء تواجدي في بعثة بإنجلترا، وأصابتني هذه الترقية بالرعب لأنها مسئولية كبيرة، وكان عمري آنذاك 32 عاما والقسم يضم 40 رجلا أساتذة وفنيين وإداريين، لكن الإدارة الناجحة قائمة علي تطبيق القواعد والقوانين واللوائح دون مجاملة، والكل تعاون معي، وبالفعل قضيت أفضل 3سنوات من عمري في رئاسة القسم، ثم اعتذرت بعد ذلك عن المنصب لشعوري بأنه لم يعد بإمكاني إضافة جديد، ولمنح جيل جديد فرصته في تولي المسئولية، وإذا كان لي هنا أن أبعث برسالة فإني أقول لكل مسئول أنه يجب الابتعاد عن المنصب بعد فترة، فالفترة الأولى لتولي أي منصب تكون مليئة بالطاقة الإيجابية، لكن سرعان ما يفتر هذا بعد اعتياد المنصب، ويتحول الأمر إلى «روتين»، وهنا يجب على أي مسئول الانسحاب فورا لأن هذا الروتين يقتل المنصب ويقتل صاحبه. ** اتجهتِ بعد ذلك إلى العمل الأهلي وشغلت منصب نائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. ما طبيعة هذه المؤسسة؟ مؤسسة غير ربحية، مقرها إمارة الشارقة ومكتبها التنفيذي في القاهرة، بالإضافة إلى 9 مكاتب فرعية على مستوى الوطن العربي. أنشئت المؤسسة عام 2000، هدفها دعم العلوم والتكنولوجيا، وربط الجامعات والأبحاث العلمية بالمجتمع. بدأت المؤسسة بعقد المؤتمرات، ثم ورش العمل، ثم عقد المسابقات لتلقي البحوث العلمية المختلفة ودعم الشركات واتجاه ريادة الأعمال، ونجحت في تنظيم أكثر من 86 حدثا علميا، وشاركت منظمات عربية ودولية علمية وتكنولوجية في حوالي 153 حدثا، ونظمت فعالياتها من مؤتمرات وندوات وورش عمل وتدريب في 17 دولة عربية. تتمتع المؤسسة بخبرة عربية ودولية في تمويل البحوث العلمية وفق المعايير الدولية، وبلغت قيمة التمويلات التي قدمتها 20 مليون دولار، استفاد منها 367 باحثا مساعدا، و148 باحثا رئيسيا أشرفوا علي المشاريع البحثية من 19 دولة عربية، واستعانت بأكثر من 500 خبير من 30 دولة، وبلغ عدد المشاريع 2051 مشروعا تقدمت للحصول علي تمويلات، وتم تمويل 163 مشروعا منها، غطت 16 تخصصا علميا وتكنولوجيا. ** كيف تدعم المؤسسة العربية المرأة العربية؟ المؤسسة لا تفرق في التعامل بين الباحثين والباحثات، وأنا شخصيا ضد التمييز، وديننا الإسلامي نص علي المساواة، وعندما فكرت المؤسسة في دعم الباحثات اكتشفنا أن المرأة العربية ما زالت تعاني بعض الخجل وعدم الثقة في النفس في عرض أفكارها وأبحاثها أمام الرجال في ملتقيات علمية، لذا قررنا أن ننظم «مبادرة المرأة»، لتمكينها في العلوم والتكنولوجيا. بدأت هذه المبادرة بمؤتمر تم خلاله جمع السير الذاتية للباحثات العربيات المتفوقات، وعرضن أفكارهن بكل ثقة في مؤتمر علمي، وكان المؤتمر نواة لتكوين مجموعة من شبكات الباحثين في الهندسة الكهربائية والطاقة النووية والميكروبيولوجي وشبكات في الرعاية الصحية، وبدأت هذه الشبكات تتعاون فيما بينها من خلال ورش عمل، وتم الاتفاق مع شركات دولية لدعم الأبحاث الملائمة للوطن العربي، وحصلت كل سيدة علي 20 ألف دولار للبحث علي مدار 3 سنوات، وبالفعل أثمر الدعم عن منتج يمكن الإفادة منه على أرض الواقع. وأود أن أسجل هنا أن المرأة العربية بدأت في تجاوز الصورة القديمة، وإن كان عدم ظهور هذا الإنجاز سببه الإعلام الذي يكرس لصورة المرأة المصرية والعربية الضعيفة المنكسرة، رغم أن واقعنا الذي نعيشه جميعا ونراه رأي العين يشهد بأن المرأة المصرية والعربية قوية فاعلة، وهي في غالب الأحوال «عمود» البيت، وعالمة أيضا بوسعها تحقيق الكثير في مجال العلم. ** دعينا نتخذ من الدكتورة غادة أنموذجا على صدق هذا التقدم العلمي للمرأة المصرية بشكل خاص، والعربية عموما. كم عدد الأبحاث التي تمت تحت إشرافك؟ أدرت 90 بحثا علميا، والكثير من الأبحاث في العراق وليبيا والسودان، وأعدت إعمار المعامل عن طريق جلب المال من شركات ومراكز بحوث دولية، وأحب أن أوضح أمرا أعده في غاية الأهمية، هو أن المؤسسة ترفض التعاون والدعم من أي مؤسسة ذات طابع سياسي، فمن المستحيل أن نحصل علي أموال من الخارجية الأمريكية مثلا، حتى لو أعطونا مليون دولار، وهذا ما جعل المؤسسة ثابتة علي مدار 14 عاما في الوطن العربي، فكل مكتب للمؤسسة يخضع لرقابة دولية، ويحضر له مدقق مالي سنويا يتأكد من عدم وجود تمويل للمؤسسة إلا من جامعات ومراكز بحثية علمية فقط. وسبق أن تلقينا عرضا من هيئة المعونة الأمريكية برغبتها في تمويل المؤسسة، لكننا رفضنا ووضحنا لهم أننا مؤسسة عربية تحمل الفكر العربي الرافض من الأساس للمعونة ونخدم الوطن العربي. ** جئت في المركز 66 بين أقوى مائة سيدة عربية. ما مفهومك ل «المرأة القوية»؟ هي التي تتمتع بالثقة في ربها وفي نفسها، ولديها عاطفة المرأة على الدوام، فهي قوية دون عضلات، بعقلها وفكرها، مع الاحتفاظ بشكلها الأنثوي، لأن الله كرمها بهذه الخلقى، وأن تتمتع بإرادة قوية، تواجه كل المواقف بجسارة. المرأة القوية لدي هي التي لديها حلم لوطنها ولأسرتها، تدرك أن وجودها كأنثى شرف لها وليس عيبا أو نقصانا لشأنها، فالمرأة تحظي بامتيازات كثيرة كأنثى، لكن عليها استغلال ذلك بشكل صحيح، فهي صانعة الأجيال والحضارة، هي الأم والأخت والإبنة المؤثرة فيما حولها، فإذا كانت شخصية ناجحة دفعت أسرتها للتقدم والعكس صحيح. وأحب أن أقول إن ربة المنزل التي لا تعمل قائدة أيضا في موقعها، فهي قوية حين تنظم كل شئون الأسرة، وتهتم بشئون المريض والتلميذ، وتشارك في المناسبات الخاصة بجيرانها، وتدبر كل شئون الأسرة وفقا لميزانية الزوج. ربما أتاح لي حظي تسليط الأضواء علي في مجال عملي، لكنني موقنة بأن هناك مئات السيدات القوية تنعم بهن البيوت المصرية ومواقع العمل المختلفة. ** ما الأسس والمعايير التي تم تكريمك وفقا لها من قبل مجلة "أرابيان بيزنس" المتخصصة في مجال المال والأعمال؟ يجب التوضيح أولا أن "أرابيان بيزنس" مجلة إماراتية، تابعة لمؤسسة عريقة تصدر 80 مجلة أسبوعيا، هدفها الرئيسي استعراض القوة والثروات العربية المختلفة، العلمية أو الاقتصادية أو الفنية، من بينها – على سبيل المثال – مجلة لأفضل أغنياء العرب، ترد على الغرب الذي يصور الوطن العربي على أنه وطن الفقر والفقراء، وتنفي عنا اتهام أننا «دول ضعيفة»، حيث نجد الطريقة الدعائية التي يصور بها الغرب أي نموذج ناجح لديهم فيحولونه إلى heroليكون قدوة لشبابهم، رغم أنه قد لا يرقى إلى نماذج ناجحة كثيرة في بلادنا العربية. ووفق هذا التوجه، تتبع "أرابيان بيزنس" هذا التقليد السنوي فتكرم أكثر الشخصيات العربية المؤثرة في كل المجالات، وتم اختياري في مجال خدمة العلوم بوصفي نائب المدير التنفيذي لمركز بحوث الوقف ومقره "نيوزيلاندا"، ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، لأنني حققت إدارة ناجحة في هذه المؤسسات، وتمكنت من جلب تمويل لخدمة المشروعات التي تتبناها هذه، وعندما فحصت المجلة نشاطي من خلال المسح علي الإنترنت، واطلعوا علي سيرتي الذاتية وأعمالي، وجدوا أنني حققت تأثيرا بالإيجاب على المؤسسة التي عملت بها وعلي الشباب أيضا. وأؤكد أن الاختيار لا علاقة له بالسياسة، ويقتصر فقط على التأثير الذي حققته الشخصية في مجال عملها، وعلى الشباب والمجتمع التي تعيش به. ** وكيف جاء تكريمك من قبل مجلة «مسلم ساينس» للعلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال؟ جاء الاختيار بوصفي ضمن ال 20 سيدة الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم الإسلامي، وأعترف أن الاختيار كان مفاجئا لي، أما عن مجلة «مسلم ساينس»، فهي مجلة مقرها مدينة لندن، يتولى الاختيار والتحكيم فيها مجلس خبراء دولي على مستوى علمي متميز، يديرون مراكز بحثية في 18 دولة، منهم الدكتور فاروق الباز. والاختيار يتم وفق بحث ودارسة أعمال وأنشطة الأسماء المرشحة منذ 3 سنوات، وعلمت فيما بعد أنهم رصدوا عملي ودعمي للعلوم والتكنولوجيا وسفري إلى أماكن خطرة مثل مصراتة، والعراق، والسودان، لإعادة إعمار المعامل في تلك الدول ودعم الباحثين بها، ومن ثم اختاروا قائمة من أفضل السيدات اللاتي يمكن أن تقدن بلادهن في العالم الإسلامي. ** كيف تعاملتِ مع تكريمك في وجود اسم العملاقة الراحلة "سميرة موسي" ضمن المكرمات؟ لم أصدق أن حلمي يتحقق، فأول كتاب أثر في بناء شخصيتي كان عن سميرة موسي، تعلمت منها الوطنية وحبها لبلدها ورغبتها في توظيف البحث العملي لخدمة الوطن. واختيار سميرة موسي جاء باعتبارها من جيل الرواد من عام 1980 – 2000 نظرا لتأثيرها في المجتمع رغم وفاتها منذ أكثر من 40 عاما، ورغم اغتيالها في سن صغيرة، إلا أنها كانت صاحبة الفضل في إنشاء هيئة الطاقة الذرية، والمجلة رأت أني من جيل "العالمات الناشئات"، وأنني سوف أعطي نفس الطاقة الإيجابية للشباب حتى 2040. ** هل اهتمت الدول العربية بحدث تكريمك واحتفت به؟ كان الاحتفاء بي مضاعفا لمجرد أنني مصرية، فالشعوب العربية تحترم وتقدر مصر، وكل الدول العربية استضافتني واحتفت بي، ورغم فوز سيدة إماراتية بالتكريم، فإن الإمارات كانت تحتفل بمصريتي بشكل مضاعف. ** تم تكريمك مرتين في أقل من شهرين خارج وطنك، فماذا عن تكريمك داخل مصر؟ تعجبت من إهمال جامعتي وكليتي بالتكريمين، فرغم تكريمي علي مستوي الوطن العربي، واحتفاء العديد من الجامعات العربية، فإن المسئولين بجامعتي ربما يعتقدون أن تهنئتي ترويج و"تلميع" لشخصي، وأنه ربما يؤدي إلى حصولي علي منصب داخل الجامعة، حتى إن الطلبة أرادوا تنظيم ندوة واستضافتي بها لكن إدارة الجامعة رفضت وقالوا: «مش عايزين وجع دماغ دلوقتي.. عندنا مشاكل سياسية كتيرة».