هل من قبيل المصادفة الآن محاولة جر شكل روسيا بمحاولة غرسها فى مواجهة مع إحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتى السابق ، أقصد أوكرانيا ؟ الإجابة من أول وهلة : لا طبعا كلامى بعيد جدا عن إرادة الشعب الأوكرانى ونظام حكمه ، فهذا شأن داخلى لا شأن لنا به ، لكن السبب الحقيقى من وجهة نظرى يكمن فى قول الدب الروسى : كش ملك ، أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة للشيطان الأمريكى الذى يريد إحراق العالم من أجل الاستمرار فى الجلوس على عرش العالم بمفرده. نعم العالم الآن كرقعة الشطرنج ، لكن الجديد أن اللعب بين الكاوبوى الأمريكى والدب الروسى خرج للعلن ، بعد توقفه لبعض الوقت بعد انهيار الإتحاد السوفيتى وخروجه مفككا إلى 15 دولة بفضل الخطة الأمريكية الجهنمية التى نفذها جورباتشوف تحت زعم مشروع إصلاحى سماه البروسترويكا وكانت كارثتوريكا على بلاده .. المهم فى رقعة الشطرنج ومنذ سنوات تساقط العساكر ، أقصد بعض دول العالم الثالث ويأكلها الكاو بوى الأمريكى فى نهم غير مسبوق ، وتمثل ذلك على سبيل المثال فى مسلسلات المؤمرات والحرق والتفتيت والتدمير وقتل الملايين فى أفغانستان والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا وإيران .. الخ من أجل نشر نفوذه ، بشكل مباشر بقواته العسكرية أو غير مباشر بسياسته وعملاءه ووكلاءه وفى مصر يحاول الكاو بوى الأمريكى الآن بشتى الطرق ، وفى سوريا يقوم وكلاء عنه بالمهمة ،وهكذا… ولأن روسيا التى شمت نفسها فى عهد رئيسها بوتين تريد إعادة أمجاد الإتحاد السوفيتى السابق بالعودة كقطب ثانى ، كانت المواجهة فى سوريا أفشل بوتين المخطط الأمريكى بضرب سوريا بمباركة غربية تحت زعم استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية ضد المعارضين ، بصفقة تدمير هذه الأسلحة ! وفى مصر شعرت واشنطن أن موسكو تقترب من القاهرة بعد التأييد الأمريكى والغربى لنظام الإخوان الذى خلعه الملايين فى 30 يونيو وبعيدا عن ذلك تطرح أحداث أوكرانيا تساؤلات عديدة عن الدور الأمريكى والغربى فى هذه الأزمة بمحاولة قصقصة ريش أقصد قوة روسيا فى الحديقة الخلفية لها أو بالأحرى على منفذها على البحر الأسود وبعيدا عن الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الحكم هناك بسبب عدم التوقيع فى اتفاقية الانضمام إلى الإتحاد الأوروبى وانفتاح النظام على التعاون مع روسيا ، وبعيدا عن فحوى هذه الاعتراضات الشعبية ، صحيحة كانت أو مدبرة ، فهذا شأن خاص بالشعوب لا وصاية لأحد عليها ، لكن تبقى الأسئلة مشروعة للمراقبين المحايدين أو أصحاب المصلحة مثلنا فى مصر والعالم العربى بعدم استمرار الانفراد بالعالم من قبل القوة الأمريكية :- فى البداية هل يمكن أن تكون احتجاجات شعبية فى بلد ما تطالب بإلغاء اللغة الرسمية التى يتحدث بها أكثر من 70 % من أهل البلد ، (فى شبه جزيرة القرم الأوكرانية على سبيل المثال) ، هل تكون فى هذه الحالة ثورة وطنية أم إحتلال أمريكى يرتدى ثيابا ثورية أوكرانية ؟ لماذا أوكرانيا وشبه جزيرة القرم بالتحديد ؟ الإجابة طبعا أن القرم المطلة على البحر الأسود هى نقطة ارتكاز الأسطول البحرى الروسي ، والتاريخ القريب والبعيد والدراسات العسكرية والاستراتيجية تؤكد أن امتلاك القرم يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح روسيا دولة عظمى فى الماضى وقبل إنشاء الإتحاد السوفيتى وبغض النظر عن توسعها إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود، بما فيها شبه جزيرة القرم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.. والأمر لم يقتصر على روسيا ، لكن استغله أعداء روسيا فى الماضى كما تحاول أمريكا الآن ، فقد اختارت بريطانيا وفرنسا و العثمانيين شبه جزيرة القرم بالذات لإجراء أول عملية إنزال بحري واسع النطاق في العالم في عامي 1856 – 1857 ( حرب القرم) بهدف طرد روسيا من شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية سيفاستوبل ومنعها بذلك من حق امتلاك أي أسطول بحري قوي في البحر الأسود. و هزيمة روسيا في معركة سيفاستوبول والقرم منعتها من لعب دور هام في الشؤون الأوروبية على مدى عقدين. ولم تستعد روسيا عظمتها إلا بعد استعادتها السيطرة على القرم وسيفاستوبول بعد انتصار روسيا في الحرب الروسية التركية عامي 1877 – 1878. وكان الهدف المنشود لقياصرة الروس على مدى قرون فرض السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل بغية ضمان الخروج الآمن لأسطول البحر الأسود الروسي إلى المتوسط. ويبدو أن أحد أهداف حلف الناتو فى ضم تركيا إليه عام 1952 كان الهدف منه إفقاد قاعدة سيفاستوبول فى جزيرة القرم (مرتكز الأسطول البحرى الروسى )أهميتها لاستغلال تركيا فى إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل وقت اللزوم ، وربما كان هذا العامل أحد الدوافع الذي جعل الرئيس السوفيتي السابق خروشوف يهدي شبه الجزيرة وقاعدتها البحرية لجمهورية أوكرانيا السوفيتية ( موطنه الأصلى ) عام 1954. ومع ذلك لعبت الأفضليات البحرية العسكرية لدى روسيا دورا كبيرا فى رفع التوازن الاستراتيجي في المنطقة لصالح موسكو ، والخطر الذى أدركته واشنطن مؤخرا أن الحسابات الأمريكية انهارت تماما بعد أن اتضح أن الأسطول الروسي في القرم يمكن أن يلعب دورا هاما في حروب إقليمية وخاصة في الحرب الروسية الجورجية عام 2008 والتطورات المتعلقة بالأزمة السورية الأخيرة. ومع انفصال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتى وقعت روسا معها عقد تأجير تمويلى ميناء سباستوبول فى القرم ليظل نقطة ارتكاز الأسطول الروسى حتى عام 2042 مقابل 100 مليون دولار سنويا وتفضيلات اقتصادية فى الغاز . والسؤال هنا ماذا تفعل واشنطن فى قطر إذا جاءت حكومة وطنية مع ثورة شعبية وقرروا إزالة القاعدة الأمريكية هناك .. هل ستتمسك واشنطن بما تنادى به الآن فى حق متظاهرى أوكرانيا فى طرد النفوذ الروسى الأصيل هناك ؟ والسؤال أيضا إذا كان الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش الآن أصبح غير شرعيا بعد خروج المظاهرات ضده ، لماذا تصر واشنطن بكل الطرق حتى الآن على أن الرئيس المخلوع محمد مرسى هو الرئيس الشرعى رغم خروج أكثر من 30مليون مصرى ضده ؟ والسؤال أيضا لماذا تراجعت أوروبا وأمريكا فى تأيدها للاتفاق الذى عقدته المعارضة مع الرئيس الأوكرانى فى 21 فبراير الماضى وهدأت بعدها الأجواء ونص على إجراء إصلاح دستوري وتشكيل حكومة ائتلافية، و إشراك جميع القوى السياسية في البلاد في عملية التسوية بل وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، وبالمناسبة هذه الإجراءات رفضتها روسيا أثناء توقيع الاتفاقية التى حضرها ودعمها وزراء ألمانيا وفرنسا وبولندا … يعنى الهدف ليس بناء أوكرانيا واستقرارها لكن هدمها بالفوضى وإحتلال الأماكن الحكومية ونشر القناصة المرتزقة … نفس السيناريو الذى حاولوا تنفيذه فى مصر ، مع فارق بسيط أن الرئيس السابق نفذ ما أرادته أمريكا مباشرة برفض تعديل الدستور أثناء إعداد مسودته بما يلائم طموحات غير المنتمين إلى جماعته أو برفضه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة .. الخ وإذا كان الأمريكان والأوربيون ينادون باحترام القانون الدولى بتنفيذ شرعيته ، وسيادة أوكرانيا، وحق الأوكرانيين فى تقرير مصيرهم ، ونحن معهم ، بعيدا حتى عن مصالحنا نقول: لماذا لم تلتزموا أنتم بهذا القانون في أفغانستان والعراق وليبيا بتدخلكم في هذه الدول دون أي تفويض من قبل مجلس الأمن الدولي على الإطلاق أو بتشويهكم لقراراته ، فقرار مجلس الأمن مثلا حول ليبيا نص فقط على إنشاء منطقة محظورة للطيران، لكن الأمر انتهى بالقصف ومشاركة وحدات خاصة أمريكية في عمليات على الأرض. ويبقى الأمر المثير للاشمئزاز والتساؤل فى نفس الوقت فى وصول وزير الخارجية الأمريكى كيري إلى أوكرانيا لمناقشة سبل تقديم مساعدة بقيمة مليار دولار والإعلان عن زيارة أخرى لفريق أمريكى هذا الإسبوع لمساعدة السلطات في تحديد الأصول المسروقة واستعادتها وتقديم المشورة الفنية بشأن حقوق الدولة داخل منظمة التجارة العالمية بخصوص العلاقة مع روسيا ومد يد العون والتمويل لمساعدة الشركات الأوكرانية في العثور على أسواق تصدير جديدة، والتأقلم مع الضغوط التجارية وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة لتقليل الاعتماد على الغاز المستورد. بالذمة ألا يعنى ذلك وجود مؤامرة مكتملة الأركان أو شوط آخر فى الشطرنج فى الحديقة الخلفية لروسيا لمنعها من استمرار دعمها لإيران وسوريا ومصر ترى هل ينجح الدب الروسى فى قولها صراحة للكاو بوى الأمريكى : كش ملك .. حتى لو حاول الكاو بوى قرص الزهرة بلغة أهل الطاولة ؟ [email protected]