تجربة شعرية ملهمة مشتركة بين ثلاثة من كاتبى الشعر، ثلاث شباب (عواجيز) فى تجربتهم الحياتية ومبشرين بتجربة شعرية مختلفة. يبدأ الابتكار من تصميم الغلاف لأسماء بهاء الدين الحكيم؛ حين اختارت أن يجلس الشعراء الثلاثة فى حالة نصف واقعية ونصف كارتونية (جرافيتى)، حالة نصف شبابية ونصف مُسِنة، التجديد فى الاكتفاء بلقب كل شاعر على جدار (غلاف) الكتاب الرئيسى. الديوان من الإصدارات الأولى لدار الدراسات والنشر الواعدة (المعبر)، وهو من القطع المتوسط.. ويتكون من ثلاثة أقسام رئيسية؛ يخص الأول منها الشاعر أحمد عبد الوكيل (وكيل). والثانى الشاعر إبراهيم مشعل (مشعل). والثالث الشاعر أمير المنفلوطى (منفلوطى). وتختلف التجربة الشعرية فى قسم كل منهم عن الأخرى، ولكنها تتقارب وأحياناً تتطابق على نحو واضح فى هموم جيل وأسئلته العامة وشجونه، وآماله الباقية المتحدية رغم كل شىء. تصل التجربة الشعرية لأحمد عبد الوكيل إلى قمة نضجها مع قصيدة "مش فارقة معانا المرة دى" : (.. العادى نشوف قدامنا، م الخوف بصينا ورانا، ماشيين طب مين مشانا، قاسيين طب مين قسانا، راضيين… طب أنا مش راضى، أحكم بأمانة يا قاضى، ارحم..ولا إظلم عادى، مش فارقة معانا المرة دى..) تتنوع هموم عبد الوكيل بين؛ شجون (فضفضة) مع الله، وهموم مع الوطن. وأزمة "القط" الذى تحول من مخلوق وديع إلى كائن مريع؛ له أنياب وضروس "عجنوه بعجينة البنى آدمين". وهنا يكون الرفض التام للشاعر وهو التوجه العام للشعراء الثلاثة ألا يقتدى بالقط وإن كان نهجه هو السائد والسالك، ويتمسك بالقيم أو (..هعمل الخير وأرميه فى البحر، وإن شاء الله يكبر فى البحر). وتراه فى قصيدة أخرى يجسد حالة التبلد التى أصابت جيلاً وربما شعباً (..فصرخنا بعزم ما فينا، فمحدش سائل فينا، فسكتنا خلاص، عمرنا ما مشينا.. إتذلينا، فطاطينا الراس، فرقصنا.. فضحكنا.. فبكينا، ففقدنا الإحساس). يختتم قسمه بالكتاب بقصيدة خفيفة الأسلوب عميقة المغزى (هلاعب بنتى)؛ ويرد فيها بشكل طريف على تساؤل حماته له "وأنت هتعمل ايه فى الآتى؟!" أى خططه للمستقبل، وتأتى إجابته المطولة خلال القصيدة بما لا يخلو من طرافة؛ ويؤكد بها أن الأهم: (..وأنت هتعمل ايه فى الآتى؟!. قولى هعمل ايه دلوقتى!. هالاعب بنتى، وأعمل ليها صوت البطة، وأوعيها.. عبادة المنصب أكبر غلطة..). ويأتى اختيار إبراهيم مشعل للقسم الأوسط للديوان موفقاً كنقلة أسلوبية بين دسامة أسلوب (وكيل) وبساطة أسلوب (منفلوطى). يتصدر الارتباط برضا الله ورسوله هموم إبراهيم مشعل فى (يا حبيبى) و(حلم أتمنى أحلم بيه)، والرغبة فى العزوف عن الدنيا، بكل ما فيها.. والرد الجميل إلى فطرة وبساطة وسماحة الدين: (..هقولك حلم محلمتوش لكن بتمنى أحلم بيه، أخش النوم وأكون قارى لسورة النور مفيش فى العقل إلا الله ودنيا… تغور..). وتأتى دعوة الأمل والإبداع فى (إرسم). وتبدو (كما الباقيين) زاخمة بالأحاسيس المتناقضة؛ بين شخص يعرف ويرضى بكونه "عادى" لكنه بالتأكيد ينتظر بين لحظة وأخرى لكى يقتنص دوراً ما (..عامل فى الطابور زفة، وصوتى موازِن الكفة..). ويغلب الحس الوطنى ومزجه بالحلم الشخصى على ظلال من الاحتفاء الدينى والمحبة الروحية فى (نموت ويحيا الوطن) و(ثورة مصر) و(مش دول ولاد البلد) وفى (حلم العربجى) و(إنسان).. ترصد الصراع التقليدى بين أمل لا يرتدع وإحباط لا ينقطع؛ وهو صراع مستمر لدى الشعراء الثلاثة، أو ربما ينعكس لدى جيل بأكمله. ويبدو أسلوب أمير المنفلوطى هو الأكثر بساطة.. أو ربما بعض موضوعاته؛ لكنه لا يقل فى جدية مضمونه عن صديقيه؛ فنجد (وتبدأ الأسطورة) فى مستهل قسمه مختلفة بانتقاد شخصية الشاب مدّعِى البطولة. وتأتى الرومانسية مختلفة عند (منفلوطى) بين عاطفة مضطربة تجاه الحبيبة (أسير الحكاية) و(ردّى) و(الغلطان والغلبان) و(كنترول زد) وغيرها.. أو حتى عاطفة تجاه الابنة (البنت دى) أو الابن (الواد) أو الوطن (خلينا هنا). وتجسد (بعد 2000) و(أنا) و("الإستهبال" التام.. أو الموت الزؤام) و(والله العالم) و(ايه يتغير؟) و(العبقرية) تجارب وخبرات إنسانية مكثفة لا تخلو من إيقاع الشعر الغنائى، وكذلك نجد مداعبة لقضية سياسية جارية فى (الحل الأمنى) التى تقرر فى أسلوب رشيق أن الحلول الأمنية غير كافية لحل أزمة الإرهاب، وأن العلاج الفعال يتطلب مزيداً من الإجتهاد الحقيقى. التجربة واعدة ولا تخلو من أخطاء التجربة الأولى، مثل: إفتقاد بعض الكلمات للتشكيل الضرورى من أجل نطق صحيح. الاختلاط الكبير بين تجارب شعرية واضحة التباين فى بعض الأحيان، وإن كنا نعتقد أن هذا منطقى فى أول ديوان للشعراء الثلاثة يظهر إلى النور، ويحمل فى صفحاته نتاج عمل متراكم على مدار سنوات، وبعض هذه الأخطاء وغيرها يمكن تداركها فى طبعات قادمة. وتبقى قيمة الكتاب الرئيسية هى تقديم ثلاثة من الشعراء الشباب لخلاصة عملهم بمحبة طوعية للتواجد معاً؛ على (دِكة) واحدة.. كما يصورهم غلاف الكتاب.