الفلول والعبيد والثورى.. ثلاثة مصطلحات تم ابتذالها ووضعها فى غير مواضعها، واستخدامها كنوع من الوجاهة والموضة لاغنى عنها ، وأصبح لزاماً عليك ان تسعى إليها وترددها ليلاً نهاراً لتصنف كمناضل لايشق لك غبار ، أو كثورى لايكل ولايلين، أو لتقدم فروض الولاء والطاعة خاضعاً لابتزاز ما على حسب رغبتك فى التصنيف. ثلاثة تصنيفات تحت التكرار والابتذال فقدت دلالتها ومضمونها وقيمتها وبالتالى لم يعد لها مردود أو مصداقية لدى الشارع. أما عن الأول وهو الفلول فقد تداول بعد ثورة يناير ووجد صداه حيث كان وصفاً محدداً واضحاً لأقطاب النظام الفاسد و والمستفيدين منه والداعمين له استقواء به لتحقيق مصالحهم الخاصة ولو على حساب الوطن، وماأشاعوه فى البلاد من فساد ونهب وعمالة إلا أنه فقد مدلوله بعد ان تحول إلى لقب يناله من لاناقة له ولاجمل لمجرد أنه اختلف فى الرأى مع شخص اعتبر نفسه ثورياً حتى تكاد تجد عاملا كادحاً أو بائعاً جوالاً يجوب الشوارع يومياً سعياً إلى سد قوت يومه يصنف كفلول لأنه فى ظل أحداث طاحنة ظن للحظة ان عهد مبارك كان أكثر استقراراً، وبدلاً من البحث عن وسيلة للتواصل مع هذه النماذج كان الحل الأسرع والأنسب هو نسبهم إلى الفلول، ربما لعدم وجود قدرة على التفاعل معهم أو لإراحة الضمير. أما التصنيف الثانى وهو العبيد حيث انتشر بعد الثورة كوصف لمن يرى بقناعة كاملة وضمير مستقر ودون أى ضغوط عليه بأن الثورة على نظام مبارك عمل آثم وأنه لابديل لأى نظام للسيطرة على الشعب سوى سياسة السوط والكرباج إلا انه مع مرور الوقت أصبح وصفا يطلق على جموع الشعب فمن هتف للجيش ورفض التعرض له بأى إساءة أصبح وفقاً للتصنيف الشائع عبداً للبيادة والعسكر أما الثالث وهو الثورى فبعد ان كان توصيفاً لهذا الذى يناضل ويجاهد ضد الظلم والفساد مضحياً بكل مايملك من أجل قضية يؤمن بها دون انتظار لمقابل أو تصفيق وتهليل، أصبح أقرب لسلعة تباع فى الأسواق ، وكى تصنف كثورى لابد ان تعارض وتهاجم وتصرخ دون ان تبرهن وتثبت وتوثق برؤية واعية واضحة سبب الصراخ واللعن والتهكم. وبعد ان كان الثورى نموذجاً لأولئك الذين يضحون بأراوحهم من أجل حرية الوطن والمواطن دون السعى للشهرة والأضواء والجاه والمال صار التبرير للتدخلات الأجنبية رؤية ثورية ، ووصف الجيش الوطنى بالعسكر برهاناً ثورياً والواقع والواضح الجلى أننا لانسعى ولانبذل مجهوداً ولامشقة ان نقرأ ونفهم ونحلل ونوثق ونتقصى ونتفاعل كى يتحقق للوطن والمواطن الحرية ، أصبح شغلنا الشاغل نيل ألقاب من نوعية ثورى ومناضل ومثقف وحقوقى ومعارض مغوار، وقد تمكن الكثير من نيلها ألقاباً فقط دون النيل والنهل من مفاهيمها الأصيلة ومحتواها الأصلى، فكان تطبيقها لايزيد عن كونه لقباً يسبق أو يلى اسم مدعيه، لامضموناً ولاسلوكاً حركياً ولافهماً سليماً يجسد الواقع وينعكس عليه فيتجاوب معه ويقوده نحو التغيير والتقدم. أصبحنا نعيش فى ثقافة الوجبات السريعة صاحبة لقب التيك واى، أما مراجعنا ومصادرنا فهى كلمة كتبها أحدهم على صفحته فى موقع التواصل الاجتماعى المعروف بالفيس بوك أو فى تغريده عبر حسابه على تويتر، ونعتبرها مصدراً موثقاً ومرجعاً علمياً وتاريخياً لاغبار عليه، وبكل أريحية وراحة بال وثقه يتم الترويج لها بالنقر على مشاركة – Share- دون التحقق من صحة المعلومة أو دقة التحليل وواقعيته، وعليه صارت تحليلاتنا لمختلف الأحداث هشة وقراءتنا لتطوراتها متدنية، كما صارت قراراتنا ومواقفنا متناقضة متقلبة يغلب عليها طابع الهوى والابتزاز أكثر منها مواقف مدروسه إيجابيه مبدئية ولاجدال ان كثيراً سطروا تاريخهم النضالى عبر كفاح وصولات وجولات على صفحات الفيس بوك وتغريدات تويتر أو عن مشاركة فى تظاهرة أو فعاليه أو اعتصام بغض النظر عن نوعية المشاركه أو طريقتها ، أما إذا تعرضت لاعتقال أو استدعاء أياً كانت المدة والسبب والحالة والموقف فإنك على أبواب سطر سلسلة من مذكرات عن تاريخ كفاحك الوطنى واللافت أنه فى خضم توزيع الألقاب مابين مناضل وثورى أصبح التمويل الأجنبى آداة من أدوات النضال لدرجة ان أى موقف أو دعاية ضد التمويلات الأجنبية ومن يتلقوها وضد منظمات مشبوهة صار عودة للخلف وللدولة الأمنية ولفلول النظام وجور على حقوق الإنسان ووأد للديمقراطية وأخيراً.. على من يقرر ان يكون فاعلاً فى العمل الوطنى ان يعى حجم وضخامة المسئولية الملقاة على عاتقه ، وأن يوقن ان طريق النضال ليس نزهة أو هتاف أو سطر على مواقع التواصل الاجتماعى ، وأن يؤمن أن العمل الوطنى مسئولية لاتؤثر على الحاضر فحسب وإنما تشكل وعى أجيال متعاقبه وختاما… تحية إجلال وتقدير لكل المتمسكين بثواتبهم الوطنية ومواقفهم المبدئية ومبادئ وتعاليم النضال الوطنى ، ولكل من يعى معنى وقيمة الوطن والنضال والثورة ولايهتز ولايخضع لأى ابتزاز أو ضغوط تحت أى مسمى ووصف كان وإنها المفرزة بقدر شدتها وقسوتها ليس فى مصر فحسب بل فى كل أرجاء وطننا العربى بقدر ماسيخطو الوطن نحو الحرية ونحو الخلاص من كل أشكال التبعية والزيف ومن منظريها ومروجيها وكما ان كل مستعمر إلى زوال فأيضاً كل مدع ومتاجر مرتزق إلى زوال ولن يبقى إلا الوطن