أجمع خبراء إستراتيجيون على أهمية التوجه المصري نحو الجانب الروسي، وتعزيز العلاقات بين البلدين دون التأثير على علاقة مصر بدول أخرى. يأتي هذا بمثابة صدى أحدثته زيارة وفد عسكري مصري، اليوم الأربعاء، إلى روسيا، على رأسه المشير عبد الفتاح السيسي – وزير الدفاع والإنتاج الحربي. وهي الزيارة التي تأتي بعد مرور أربعة أشهر من زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إلى مصر فى نوفمبر الماضى، والتي كانت أول زيارة لمسئول عسكري روسي إلى مصر منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي. يرى اللواء طلعت موسى – الخبير الإستراتيجي، أن زيارة وفد مصر العسكري إلى روسيا تأتي ردا على زيارة وزير الدفاع الروسي ووزير الخارجية الروسي إلى القاهرة في 14 نوفمبر 2013، وتهدف إلى استكمال التعاون الإستراتيجي وتعزيز العلاقات بين البلدين. وأضاف أن الزيارة تأتي أيضا استكمالا لما تم الاتفاق عليه خلال الزيارة السابقة بشأن صفقة أسلحة روسية تشمل الصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة والمروحية والمدفعيات والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى تحديث منظومة الدبابات، وتبادل الوفود بين القوات البحرية والقوات الجوية بين البلدين، واجراء المناورات المشتركة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والقرصنة والتعاون في مجالات صناعة السفن والتكنولوجيا الحيوية والإنتاج المشترك للأدوية ومستحضرات البيوتكنولوجيا والحديد والصلب والآلات والمعدات الثقيلة التي تتميز بها الصناعات السوفيتية. كما يتم خلال الزيارة بحث إمكانية التعاون الفني في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، خاصة وأن روسيا تشترك حاليا في المناقطة المصرية لبناء المحطة الكهرونووية في الضيعه بواسطة شركة «أتوم ستروي اكسبورت». أما فيما يتعلق بالسد العالي فتتناول الزيارة صيانة وتجديد محولات السد العالي والتعاون في مجال الصناعات المغذية مثل السيارات والحاسبات الإلكترونية. كما يشمل التعاون تبادل المعلومات للقضاء على الإرهاب، خاصة وأن روسيا تدرج جماعة الاخوان ضمن قائمة الإرهاب منذ 2003 بينما أدرجتها مصر على قائمة الإرهاب عام 2013. وشدد على ضرورة ألا تأتي تنمية العلاقات مع روسيا على حساب العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن تراعي مصر في تعاقدها مع روسيا ألا يقتصر التعاون على "بيع الأسلحة" فقط، بل يمتد إلى "التصنيع المشترك"، وأن تساعد روسيا مصر في إقامة قاعدة صناعية محلية، مع عدم تدخلها في المجالات السياسية المصرية أو الضغط عليها بأي شكل مقابل هذا التعاون. من جانبه، قال الدكتور علاء رزق الخبير – الإستراتيجي، إن الزيارة تأتي في إطار فتح ملفات التعاون بين البلدين على التوازي، وعودة الريادة المصرية مرة أخرى، متمنيًا أن تكون الزيارة المقبلة الى الصين والبرازيل بعد ذلك . وأضاف أن روسيا تعد الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق، وتتطلع إلى استعادة الماضي، أما مصر فتهدف من علاقاتها مع روسيا إلى استعادة الدور الريادي على كل المستويات العربي والإسلامي والأفريقي ومن ثم العالمي، ومحاولة سن اتجاه جديد يهدف إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى الفاعلة عالميا. وأكد «رزق» أن التقارب المصري الروسي سوف يسهم في إفشال مخطط تقسيم الدول العربية وفي منع تقسيم سوريا والقضاء على جيشها، ومن ثم تحقيق الأمن القومي المصري، واستغلال ما لدى روسيا من نفوذ دولي في صد الهجمة الصهيونية من الجانب الأثيوبي، وبالتالي درء مخاطر انهيار الأمن المائي في مصر. وأضاف أنه لا بد من استغلال هذا التقارب وعدم قصره على الجانب العسكري، عن طريق توقيع البروتوكولات الكفيلة بوصول المنتج المصري إلى السوق الروسي مثلما كان في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولا بد من استغلال هذا التقارب في إقامة منطقة لوجيستية عالمية على محور قناة السويس بأيد مصرية وخبرة روسية على شاكلة بناء السد العالي. وحول المجال العسكري قال «رزق» إنه يجب أن نتعلم من أخطاء الماضي وأولها أن عدم إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى على حد سواء يدخلنا في علاقة تبعية كاملة، وهو ما جابهناه أمام الإدارة الأمريكية، ونتج عنه أن العقيدة القتالية لدينا باتت أمريكية، والعقيدة الاقتصادية اقتصاد حر، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة مع روسيا على قدم المساواة مع العلاقة العسكرية مع أمريكا وليست على حسابها بالكامل. وشدد على ضرورة أن يكون هناك تنوع في السلاح واستغلال إمكانيات هذه الدول والنواحي التي تتميز أو تتخصص فيها، فمن الممكن أن نتعاون مع الروس في تطوير الأسطول البحري المصري، حيث إن مصر تواجه تحديات حقيقية في البحر المتوسط أهمها «العربجة» الإسرائيلية في البحر المتوسط ومحاولات السيطرة على حقول الغاز.