لا يمكن استحضار حدث ما من تاريخنا دون الانتباه للسياق الذى جرت فيه وقائع هذا الحدث، فثورة يوليو 1952 مثلا يتم تناولها على أساس أنها النموذج الأمثل للتغيير فى مصر وأن القوه المنظمة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور هى الجيش، وقد يكون ذلك صحيحا وقت حدوثه، فمصر كانت محتلة وكان حاكمها الفعلى هو المندوب السامى البريطانى، وكانت الأحزاب السياسية مجرد دكاكين تتصارع فيما بينها على البرلمان وعلى تشكيل الحكومات التى كانت تحل وتشكل وفق هوى ومزاج ملك جاهل بأمور الحكم ومقتضياته، ولهذا كان الخروج عليه واجبا وطنيا وضرورة حتمية، ولم يكن من مفر لأن يكمل الضباط الشباب المسيرة خاصة والدول الكبرى لم تترك لهم الخيار وسعت بشتى الطرق لإفشال تجربتهم الوطنية بعدما عجزت عن احتوائها. ولقد كانت ثورة 25 يناير 2011 لحظة فارقة فى إعادة بث الروح الشابة إلى ذلك الجسد الذى أنهكه الفساد والتخبط والعشوائية، بسبب نظام حكم ترهل وأصابة العطب، و أحزاب ورقيه كانت تقوم بدور تمثيلى على خشبة الحياة السياسية لإضفاء شرعية زائفة على نظام تفنن فى سحق الشعب وإذلاله والعبث بمقدراته والسعى لإفساد حياته. لكن هذه الرغبة الجامحة للتغيير لم يصحبها عمل جاد وحرص على حماية الثورة فتركت لمن يختطفها ويطوعها لأهدافه ولمشروعه الخاص – بعد مرحلة انتقالية لم تحل ألغازها حتى الآن – وأفصحت الجماعة الفاشية الإرهابية عن وجهها القبيح الدموى مما أدى للخروج عليها فى 30 يونية 2013 . لقد قامت المؤسسة العسكرية المصرية بدور وطنى عظيم فى الوقوف خلف إرادة الجماهير الغفيرة وانحازت لها وعضدتها فى مواجهة تهديدات الفاشيون بالقتل والتنكيل، وما قامت به هذه المؤسسة الوطنية يقع فى صميم مسئولياتها تجاه هذا الوطن، وبعدما انزاح كابوس الجماعة الإرهابية تعالت الأصوات التى تطالب الفريق عبد الفتاح السيسى بالترشح فى انتخابات الرئاسة، وهذا أمر يمكن فهمه فى إطار رغبة الناس فى رد الجميل لقائد غلب مصلحة الوطن وغامر بمستقبله وبحياته فى سبيل ذلك، ويمكن أيضا أن تكون هذه الدعوة فى سياق الإيمان بأن المؤسسة الوحيدة المنظمة التى لم يطالها فساد أو إفساد هى الجيش، ولهذا فالناس تثق بها وتؤمن بقدراتها. لكن السياق الذى جرت فيه أحداث الموجة الثورية الكبرى فى 30 يونية مختلف تماما عن أحداث يوليو 1952 ،و قد يكون اختيار الفريق السيسى هو الاختيار الأسرع والأسهل، لكن الحقيقة أن الرجل قام بدور عظيم ووطنى وعليه أن يحافظ على ذلك وألا يستمع لأصوات هنا أو هناك تطالبه بالدخول لمعترك السياسة ، فالسياق مختلف تماما مصر بلد له تاريخ يضرب بجذوره فى عمق الزمان ويمتلك كوادر بشرية و خبرات حياتية وفكرية متراكمة تمكنه من صنع خصوصية تميزه عن غيره من البلاد ،وعلينا أن نسعى بدأب للتأسيس لمصر جديدة خالية من الكراهية والعنف والإرهاب، ونثق أن جيشنا العظيم سيكون الحامى والراعى لمسيرتنا، جيش قوى يحمى مقدرات الوطن ويدافع، فلنتحد جميعا فى سبيل بناء وطن مدنى ديمقراطى مستنير .