تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    وزير الإسكان يتابع مع محافظ كفر الشيخ سير العمل بمشروعات المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    محافظ المنيا يسلم 328 عقد تقنين أراضي أملاك الدولة    لو كانت الشرعية الدولية حاضرة!!    روبرت باتيلو: إسرائيل تستخدم الاتفاقات التجارية لحشد الدعم الدولي    أكرم توفيق: مشروع نادي الشمال وراء انضمامي.. وأتطلع لتحقيق البطولات    كأس العالم للأندية| محمود عاشور حكم فيديو رئيسي في مباراة بايرن وأوكلاند    السجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه لتاجر شابو وهيروين في قنا    أول ظهور لتامر حسني ورسالة مؤثرة لجمهوره بعد الحالة الصحية لنجله | شاهد    طارق فهمي: أمريكا ستدخل بشكل مباشر في حرب مع إيران إذا هددت مصالحها    صوت أم كلثوم على تتر مسلسل «فات الميعاد» | شاهد    مصر تستهدف 166 مليار جنيه استثمارات للصناعات التحويلية فى 2025-2026    أفضل أدعية العام الهجري الجديد.. تعرف عليها    السعودية تنشئ غرفة عمليات خاصة وتضع خطة متكاملة لخدمة الحجاج الإيرانيين    ولي العهد السعودي يبحث مع رئيس وزراء بريطانيا تداعيات العمليات الإسرائيلية ضد إيران    الرقابة النووية تطمئن المصريين: لا مؤشرات على أي تغيّر إشعاعي داخل البلاد    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    مصدر ليلا كورة: بيراميدز مدد عقد ماييلي لموسم واحد.. ومحاولات لزيادة المدة    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    رئيس جامعة القاهرة يهنئ عميدة كلية الإعلام الأسبق بجائزة «أطوار بهجت»    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق نحو أحزاب سياسية مستدامة في العالم العربي
نشر في البديل يوم 18 - 11 - 2013


توصيات للأحزاب السياسية الناشئة
الصعوبات التي تواجهها الأحزاب الناشئة
فتح سقوط الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا وتونس بابَ المشاركة السياسية على مصراعيه. فتكاثرت الأحزاب نتيجة اغتنام الناس فرصة تنظيم أنفسهم سياسيّاً وجعل أصواتهم مسموعة في العملية الديمقراطية. في مصر، خاض أكثر من 60 حزباً الانتخابات البرلمانية. وفي تونس، فاق عدد الأحزاب المئة. وفي ليبيا، تسجّل ما لايقلّ عن 142 حزباً سياسيّاً جديداً للتنافس في الانتخابات التشريعية الأولى في البلاد .
بيد أنّ الغالبية العظمى من هذه الأحزاب الجديدة فشلت في القيام بأكثر من التسجيل لدى الحكومة، بما أنّها لم تقم بشيء لتثبت وجودها على الأرض. إنّها لم تكن موجودة في الواقع إلّا على الورق. وحتى تلك الأحزاب التي ظهرت على أنّها لاعبة رئيسة، فشلت عموماً في تحقيق أي تأثير انتخابيّ مهمّ في الانتخابات البرلمانية الأوّلية، وتميّزت عوضاً عنها المنظمات الأعرق والأكثر رسوخاً بالأداء الأكثر فاعلية. كان الإسلاميّون من بين الذين سجّلوا الأداء الأفضل، مثل الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس، وهما حزبان أنشآ قواعد فاعلة على المستوى الشعبي لعقود خلت، من خلال الأعمال الخيرية، والخدمات الاجتماعية، ووعود بحوكمة أفضل.
تمثّل الاستثناءُ في ليبيا التي كانت أساساً خالية من الأحزاب في عهد معمّر القذافي. ولذا، كانت جميع الأحزاب جديدة عمليّاً. وقد استطاع تحالف القوى الوطنية المشكّل حديثاً تأمين مقاعد أكثر من أي حزب آخر في ليبيا في انتخابات العام 2012، على الرغم من أنّ المستقلّين يهيمنون على السلطة التشريعية.
لكنْ، ومع تقدّم مراحل الانتقال، بدأت الأحزاب الناشئة تثبت وجودها بقوة أكبر، وبخاصّة في مصر وتونس. وقد انكفأت الأحزاب الأضعف، وبدأت الأحزاب الأكبر بتشكيل تحالفات لزيادة نفوذها على الساحة السياسية .
في مصر، أسّست الأحزاب التي تشكّلت حول كبار رجال السياسة العلمانيين بعد الانتخابات الرئاسية في العام 2012 مع القوى الناشئة الأخرى جبهةَ الخلاص الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وأدّى هذا التحالف دوراً رائداً في حشد المعارضة ضدّ إدارة مرسي، إلى حين بدأت حملة أطلقتها حركة تمرّد الشعبية تنال زخماً كبيراً في أيار/مايو 2013. وفي تونس، انقلب المشهد الحزبي بسرعة في أعقاب الانتخابات البرلمانية في العام 2011، وظهر حزب علماني جديد، نداء تونس، باعتباره منافساً فعليّاً للحكومة التي يقودها حزب النهضة. استطاعت أحزاب المعارضة في نهاية المطاف إقناع النهضة بتسليم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال والالتزام بإجراء انتخابات جديدة. في غضون ذلك، لايزال تحالف القوى الوطنية الحزب الأكبر في ليبيا، ويحظى بأعلى مستويات التأييد والوعي الجماهيري، في الوقت الذي لايزال فيه دور معظم الأحزاب السياسية الناشئة الأخرى هامشيّاً.
لاتزال الأحزاب السياسية العلمانية الناشئة في البلدان الثلاثة تجهد لإثبات وجودها في أنظمتها السياسية. وعلى الرغم من تشكيل بعض التحالفات، لايزال مشهد الأحزاب السياسية في مصر وليبيا وتونس مجزّأ للغاية. والأحزاب تفتقر إلى المستويات اللازمة من الوعي والدعم الجماهيري لتلعب دوراً سياسيّاً فاعلاً، مع استثناءين محتملين هما تحالف القوى الوطنية في ليبيا ونداء تونس في تونس.
التمييز بين الأحزاب في ميدان مزدحم
مع ظهور الكثير من الأحزاب في أعقاب الثورات العربية، واجه الناخبون مهمة شاقّة في محاولة تحديد الحزب الذي سيمثّل مصالحهم خير تمثيل. أمّا مازاد المشكلة تعقيداً فهو واقع أنّ أحزاباً كثيرة بدت وكأنّها صورٌ طبق الأصل عن بعضها البعض، وتخلو من أي إيديولوجيا، وتعتمد على تأييد مجموعة صغيرة من النخبة. حتّى تلك الأحزاب التي تبنّت إيديولوجيا معيّنة تبدو في غالب الأحيان وكأنّها تخفّف من مدى تأثير هذه الإيديولوجيا على تحديد هويّتها. وتملك جميع الأحزاب تقريباً مناهج وخططاً غامضة ومتخلّفة. والنتيجة مستنقع من المنظمات السياسية المتشابهة التي يكاد يستحيل على الناخبين التمييز في مابينها. غالباً ما اعتمدت الأحزاب على شخصيات مؤسّسيها بدلاً من التركيز على برامج واضحة، الأمر الذي جعلها غير قابلة للاستدامة على المدى البعيد، وأثار الشكّ في صفوف المواطنين من أن يكون هدف هذه الأحزاب الحقيقي هو تمجيد شخصية الأفراد عوضاً عن رفاه الشعب.
إنّ رفض الإيديولوجيا أو تخفيف وقعها هو خيار استراتيجي يعكس قراءة هذه الأحزاب للبيئة السياسية الخارجية والقيود السياسية الداخلية. وينظر كثيرون إلى الإيديولوجيا على أنّها مسبّبة للانقسام ومجرّدة من فوائد السياسة الفعلية. لذلك، لاترى بعض الأحزاب أي جدوى من تحديد هويّة إيديولوجية لنفسها. حتّى الأحزاب التي تدّعي انتماءً إيديولوجيّاً تظهر وكأنّها تقلّل من أهميّته للحدّ من الانقسامات الداخلية.
عوضاً عن ذلك، ركّزت هذه القوى الناشئة على تأسيس أحزاب أكبر من خلال إقامة سلسلة من التحالفات السياسية. وصار يُذكر حزب المؤتمر الوطني الهندي أحياناً كنموذج يُحتذى به، حيث يركّز هذا النموذج على إنشاء تحالفات تحشد الدعم من قواعد محلّية محدّدة، وكتل الناخبين، والأحزاب الأصغر. والهدف من هذه البنية هو تمكين الأحزاب من التفاعل بشكل أكثر فاعلية مع الشعب واحتياجاته.
ليست هذه الاستراتيجية مخطئة بالضرورة. فالإيديولوجيات البالية لاتروق للناخبين ولاتقدّم حلولاً فاعلة، وبالتالي، الأحزاب محقّة في التركيز على بناء علاقات محلّية مع الناخبين. إلا أنّ المشكلة تكمن في أنّ معظم هذه الأحزاب في مصر وليبيا وتونس نشأت في ظلّ غياب قاعدة اجتماعية قوية أو علّة وجود أخرى. يعني هذا الواقع، إضافةً إلى العدد الهائل من الأحزاب، أنّ معظمها لم تتمكّن من التواصل مع عدد كاف من الناس لكي تبرز في الميدان المزدحم بالأحزاب .
وقد تفاقم الوضع بسبب افتقار الأحزاب إلى خطط وبرامج واضحة. فليس لديها سوى القليل لتقدّمه إلى الناخبين الذين يرغبون في التواصل معها. ومن المرجّح أنّ هذا القصور يُعزى جزئيّاً إلى نقص خبرة الأحزاب في الحوكمة. فقد تمّ استبعاد المواطنين في مصر وليبيا وتونس من عملية صنع السياسات في ظلّ الأنظمة السابقة، وبالتالي، كان من الصعب عليهم طرح مقترحات سياسية جذّابة وواقعيّة. يمكن أن تتحسّن هذه البرامج حين يكتسب أعضاء الأحزاب مزيداً من الخبرة الانتخابية والتشريعية والسياسية، غير أنّ العائق يكمن بالطبع في أنّ هذه الأحزاب تحتاج أوّلاً إلى حشد مايكفي من الدعم لتتمكّن من المشاركة في الانتخابات.
إنشاء قواعد دعم مستدامة
لاتزال قواعد دعم الأحزاب الناشئة، ومن ضمنها المنظّمون الملتزمون، والمكلّفون جمع التبرّعات، والسياسيّون، وأخيراً الناخبون، في وضعيّة متأخّرة. وخير دليل على ذلك المستويات المتدنّية من معرفة الناس لأسماء الأحزاب في مصر وليبيا وتونس، حتى الأعرق بينها، ومن الدعم المقدّم إليها. عوضاً عن ذاك، تعتمد هذه الأحزاب عادةً على مجموعة صغيرة من نخبة أعضائها من أجل جمع التبرعات والظهور السياسي في وسائل الإعلام .
إنّ هذا الاعتماد على مجموعة صغيرة من المانحين الأثرياء غير قابل للاستمرار على المدى الطويل، ذلك أنّ هؤلاء المانحين كثيراً مايستغلّون الأحزاب لمصالحهم الخاصة، بينما يبدأ الناس بالإطلالة على هذه الأحزاب على أنّها فاسدة. مع ذلك، يصعب على الأحزاب الناشئة الخروج من هذا الإطار، ويبدو أنّها عالقة في الفخّ هنا أيضاً: فضعف التمويل يجعل من الصعب جذب المناصرين، ونقص المناصرين يحول دون تطوير شبكة قوية ذات قاعدة عريضة لجمع التبرّعات.
إضافةً إلى ذلك، حجم التحديات التي تنطوي عليها المنافسة على الصعيد الوطني يشكّل عائقاً. فعلى سبيل المثال، ينبغي على الأحزاب التي تأمل في خوض الانتخابات المحلية على نطاق واسع في مصر الاختيار بين 52 ألف مركز شاغر على الأقل. وبينما تحاول الأحزاب توسيع رقعة نفوذها من خلال فتح مكاتب محلية في مواقع خارج العاصمة، يعني العبء المالي اللازم لتشغيل هذه المكاتب أنّ تمويلها سيقع في غالب الأحيان كلّيّاً على عاتق المنتمين إلى الأحزاب في هذه المواقع. ووجود مثل هؤلاء الأشخاص غير مؤكّد.
في غضون ذلك، يكشف النظر في عمق الموضوع حالةً هائلة من انعدام الثقة المجتمعية في الأحزاب السياسية التي نشأت في خلال عقود الحكم الاستبدادي في مصر وليبيا وتونس. إنّ الكثير من المواطنين، ومن ضمنهم الناشطون الشباب الذين من شأنهم تعزيز نشاط الأحزاب وظهورها السياسي، سيرفضون الانضمام إلى الأحزاب لاعتقادهم أنّ هذا الانتماء سيقوّض نفوذهم السياسي. وحين ينضمّ الناشطون الشباب إلى الأحزاب، يكون التزامهم ضعيفاً نوعاً ما. وقد واجهت الكثير من الأحزاب استقالات جماعية لأعضائها نتيجة عدم رضاهم عن قرارات معيّنة. نتيجة لذلك، كان بناء التحالفات الثابتة صعباً. وهذا التغيّر المفاجئ يحبط أيضاً توسّع الأحزاب، إذ تمتنع هذه الأخيرة عن اتخاذ القرارت التي قد تزيد من نفوذها ولكن يمكن أن تضرّ بتوازنها الداخلي.
كما واجهت هذه الأحزاب صعوبات في استخدام الأدوات المتاحة لتجنيد المناصرين وبناء قواعد انتخابية أوسع. وكان الإعلام الاجتماعي تحديداً غير فعّال؛ فمع أنه شكّل منبراً للتعبير عن الآراء، لم ينجح في جذب أعضاء جدد إلى الأحزاب.
العمل في بيئة سياسية مبهمة
مايزيد الأمور سوءاً، إضافة إلى انعدام الخبرة وإجراءات التمويل المثيرة للجدل، هو البيئات المضطربة للعمليات الانتقالية السياسية التي تعمل ضمنها هذه الأحزاب.
واقع الحال أن الأحزاب تضطرّ إلى مواجهة التطوّرات السياسية سريعة التغيّر والتي يصعب حتى على أكثر المنظمات السياسية صلابةً التأقلم معها. فوتيرة التغيير السريعة زادت من عجز الأحزاب عن وضع برامج بعيدة المدى، وتشكيل هوية متّسقة، والتميُّز عن منافسيها. وإذ يطالب المواطنون بردودٍ مباشرةٍ على التطوّرات التي تحصل، تشعر الأحزاب بأنها مضطرّة إلى التعبير عن آرائها في مايتعلّق بالأحداث يوماً بيومٍ، حتى حين لايصبّ ذلك بالضرورة في مصلحتها. على سبيل المثال، أحد الأحزاب المصرية قال إنه ينشر مايعادل بيانَين رسميَّين كل يوم، ومع ذلك لايزال يُنتَقَد لبطء استجابته للأحداث.
إضافةً إلى ذلك، يضاعف الاستقطاب السياسي الحادّ الذي يعانيه كلٌّ من مصر وتونس، وإلى حدّ أقلّ، ليبيا، التحديات التي تواجهها الأحزاب في بنائها قواعد دعمٍ مستدامة. ففي وقتٍ يتعمّق الاستقطاب مابين التيارات السياسية الإسلامية والعلمانية، يصبح عدد متزايد من الناخبين المحتلمين بعيداً عن متناول الأحزاب العلمانية الناشئة التي تضطر إلى أن تنافس للحصول على مروحة أصغر من هؤلاء الناخبين أنفسهم.
أخيراً، واجهت الأحزاب بيئة قانونية مبهمة وغير مؤكّدة، حيث الأنظمة المتعلّقة بتنظيم الأحزاب وجمع الأموال توضَع ببطء وعلى نحو غير متساوٍ. ففيما تُصاغ القوانين والدساتير، تركّز الأحزاب على محاولة التأثير على قواعد اللعبة الجديدة أملاً في إقامة أنظمة مؤاتية للعمل الحزبي، أكثر مما تركّز على تطوير هويّاتها الخاصة وقواعد الدعم.
خريطة طريق لأحزاب مستدامة
تباينت سجلات الأحزاب الناشئة في مصر وليبيا وتونس طوال السنوات الثلاث الماضية تبايناً تاماً. صحيح أن الانفجار الأوّلي في نمو الأحزاب تَبِعَته بشائر تعزيزٍ ونشاطٍ متزايدٍ من جانب الأحزاب الأكثر نجاحاً، إلا أنه ما من شكّ في أن هذه القوى كافة لاتزال تواجه تحديات جدّية. فمشاكل الأحزاب كبيرةٌ في مايتعلّق بتحديد هويّاتها، وبناء قواعد دعم مستدامة لها، والتعامل مع البيئات السياسية المبهمة. كما أن الأحزاب تعاني تمويلاً ضعيفاً، وبرامج غير محدَّدة، وعجزاً أو عدم استعداد للتركيز على المطالب الاقتصادية التي تهمّ معظم المواطنين في العالم العربي. لذلك، ينبغي على الأحزاب الناشئة، بغية السير في الاتجاه الصحيح، أن توسّع أفق تفكيرها وتنظر إلى المستقبل.
ويستطيع المجتمع الدولي أن يضطلع بدورٍ داعمٍ مهمٍّ في هذا الإطار. ففي حين أن المقاومة الشعبية والحكومية لبرامج المساعدة الأجنبية من أجل الديمقراطية جعلت من الصعب أكثر فأكثر العمل مباشرةً مع الأحزاب السياسية في العالم العربي، لاتزال الفرص قائمة لتعزيز عملية بناء أحزاب أقوى من خلال دعم ظروف تنظيمية مفيدة. ويقع على عاتق الأطراف الدولية الفاعلة تشجيع الحكومات على اعتماد قوانين تسهّل الخطاب السياسي الصريح والحرّ، ومكافحة الفساد، والسماح بتشكيل تنظيمات سياسية وجمع الأموال، وتعزيز العدالة والشفافية في النظم الانتخابية. كما يمكن لهذه الأطراف أن تطالب بالتزام جادّ بإجراء انتخابات حرّة وعادلة تُمكِّن المواطنين من المشاركة بفعالية في العملية الديمقراطية.
بيد أن مصدر التغيير الحقيقي يكمن في الأحزاب الناشئة نفسها. فعلى هذه الأخيرة أن تتّبع أهدافاً واضحة لتحسين أدائها على الأرض وقدرتها التنظيمية.
وضع البرامج
وضع برامج واضحة ومفصَّلة تلبّي حاجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية الفعلية. لقد نجحت الأحزاب العلمانية الناشئة إلى حدٍّ ما في توضيح أنها ليست أحزاباً إسلاميةً، وهذا الأمر يُعَدّ خطوة مهمة لأن بعضها يخشى أن يهدّد الإسلاميون التنوّع السياسي والثقافي والديني في مجتمعاتها. إلا أن هذه الأحزاب قدّمت أداءً أضعف في تحديد الأهداف التي تنادي بها، وخصوصاً في مايتعلّق بمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مثل إيجاد فرص العمل، وتحقيق نمو أكثر شمولاً، وتأمين معاملة عادلة أمام القانون. وفي حين أن التشديد على مبادئ مثل التعدّدية والشمول هو جزء ضروري من عملية بناء الديمقراطية، تحتاج الأحزاب العلمانية أيضاً إلى وضع مقترحات أكثر شمولاً تستجيب للمشاكل التي تهمّ المواطنين في بلدانها.
الانخراط في مشاروات شاملة مع الناخبين عوضاً عن الاعتماد على مشورة مجموعات صغيرة من الخبراء. الواقع أن بناء الأحزاب عملية طويلة تستغرق وقتاً في أفضل الأحوال، لذا على الأحزاب أن تتحلّى بالصبر عند العمل على تحديد هويّاتها. وبدلاً من التفاعل بتهوّرٍ مع آخر الأخبار أو الطلب من لجنة صغيرة من الخبراء وضعَ خطط مبهمة وسرّية، يتعيّن على الأحزاب أن تحصل على الموافقة الشعبية الأشمل عبر إشراك جمهورها في عملية وضع برامجها. ويمكن تحقيق هذا الهدف بتنظيم أنشطة على غرار الاجتماعات في دور البلدية والزيارات إلى المناطق النائية لاستطلاع حاجات المواطنين مباشرةً. عندئذ تستطيع الأحزاب الاستعانة بالمعلومات التي جمعتها في وضع برامجها.
التخلّي عن البرامج الإيديولوجية البالية، وإيجاد سبل جديدة للتوصّل إلى الحلول. لم تَعُد الإيديولوجيات العلمانية العربية القديمة، مثل العروبة والبعثية والاشتراكية، متلائمة مع المشاكل التي تعانيها المجتمعات العربية. فالوصَفات السياسية التي تقدّمها هذه التيارات ليست سوى شعارات واهنة ينبغي على الأحزاب تفاديها. بدلاً من ذلك، لابد أن تجد الأحزاب الناشئة طرقاً جديدة ومبتكرة للترويج بشكل مقنع للحلول السياسية الحقيقية التي تتصدّى لتحديات إيجاد فرص العمل، وضمان الحراك الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار، وتحقيق المساواة أمام القانون، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلاً. من الجيّد الإيمان بالمبادئ الديمقراطية وحكم القانون والتنوّع في المجتمع، لكن ما لم تكن الأحزاب قادرةً أيضاً على تقديم الحلول العمَلية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية، فلن تتمكّن من اجتذاب المواطنين العاديين.
تعزيز السياسات التعليمية التي تشجّع على التعدّدية، والتسامح، واحترام مختلف وجهات النظر، والتفكير النقدي. إذا أرادت الأحزاب أن تعزّز صحة الأنظمة الديمقراطية الوليدة في بلدانها على المدى الطويل، فعليها أن تنادي بقوةٍ بالإصلاحات التعليمية التي تشدّد على التعدّدية والتسامح. كما يجب أن تهيّئ سياساتُ الأحزاب أبناءَ الجيل المقبل في سنّ مبكرة ليصبحوا مواطنين حقيقيين لا أتباع.
بناء قواعد شعبية
إقامة روابط حقيقية مع الناس. تستطيع الأحزاب الناشئة أن تتعلّم من الأحزاب الإسلامية التي بَنَت قواعد انتخابية على مدى عقود من خلال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. لن تتمكّن الأحزاب العلمانية الجديدة، بين ليلة وضحاها، من إقامة القواعد الاجتماعية الشاملة نفسها التي أقامتها الأحزاب الإسلامية المنافسة لها، لكنها يجب أن تضع استراتيجيات تتيح لها الوصول، على المدى الطويل، إلى القواعد الاجتماعية الموجودة أصلاً، مثل الاتحادات والمجموعات الطلابية، وتمكّنها من بناء قواعدها الخاصة على المدى الأطول. أما استخدام الإعلام للتعبير، كما يفعل العديد من هذه الأحزاب، فهو بداية لكنه ليس كافياً للوصول إلى الناس بشكل فعّال.
وضع استراتيجيات جديدة ومبتكرة لجمع التبرّعات الصغيرة ولكن المنتظمة من قاعدة واسعة من المواطنين. تحتاج الأحزاب إلى الحفاظ على علاقاتها مع المانحين الأثرياء، وإلى تطوير قدرات مستدامة لجمع الأموال. كما أنها تحتاج إلى بناء قواعد تضمّ مانحين صغاراً ومنتظمين. هذه الخطوة ستتطلّب حملات مبتكرة، ولاسيما في البلدان الصغيرة والفقيرة، حيث حجم السكان والافتقار العام إلى الثروة يشكّلان عائقَين فعليَّين أمام جمع الأموال. فجمع الأموال يُعَدّ واحداً من التحديات الأهم التي يواجهها أي حزب سياسي ناشئ في العالم العربي.
إقناع مجتمع رجال الأعمال بتأدية دورٍ أكثر فاعلية في تمويل الأحزاب السياسية الناشئة من خلال التدليل على أن إنشاء نظام حزبي قوي ومستقرّ يصبّ في مصلحته. ثمة فرص مهمة لجمع الأموال من القطاع الخاص، وينبغي ألا تتردّد الأحزاب السياسية في الوصول إلى مصدر الموارد هذا. والواقع أن مجتمع الأعمال في العالم العربي اعتاد على مناصرة الأنظمة الاستبدادية، ولذا يتعيّن على الأحزاب العلمانية الناشئة أن تقنع القطاع الخاص بأن نظاماً حزبياً ثابتاً وحيوياً وتعدّدياً هو عنصر أساسي في حكومة ديمقراطية فاعلة قادرة على تعزيز النمو الاقتصادي.
إعادة هيكلة التنظيمات الحزبية
تقليل التركيز على شخصيات قادة الأحزاب. لن تتمكّن الأحزاب التي تقوم على عبادة شخصية الزعيم الواحد من الاستمرار على المدى الطويل. قد يوفّر مؤسِّسٌ شعبيٌّ الجرعة الأوّلية من الدعم المطلوب للحزب، إلا أن الأحزاب يجب أن تسعى إلى بناء تنظيماتها بشكل لايعتمد على المصير السياسي لشخص واحد.
التركيز على سياسة "الخيمة الكبيرة" التي تستوعب الجميع. بدأت الأحزاب السياسية بتوطيد نفسها في كلٍّ من مصر وليبيا وتونس، وعليها أن تشجّع العملية وتسرّعها. يتعيّن على الأحزاب العلمانية الناشئة أن تدرك أن مصالحها السياسية يمكن أن تُصان بشكل أفضل إذا انضوت تحت لواء حزب شامل يتمتّع بدعم مجتمعي، بدلاً من أن تبقى صغيرة تتمتّع بالاستقلالية لكن لا بالنفوذ.
مستقبل الأحزاب الناشئة في العالم العربي
من الصعب معرفة ما إذا كانت الأحزاب الناشئة في مصر وليبيا وتونس تسير في اتجاه التنمية الديمقراطية المستدامة. فعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها هذه البلدان، لايزال ثمة أمل في أن تُطوِّر جميعها أنظمةً حزبيةً أكثر حيوية تشقّ طريقاً ثالثاً قابلاً للحياة بين كلٍّ من الأطراف الإسلامية الراسخة وتلك التابعة للنظام القديم.
إذا ركّزت الأحزاب الناشئة على وضع برامج واضحة، وبناء قواعد شعبية أقوى، وإعادة هيكلة تنظيماتها، فستتمكّن في نهاية المطاف من تجاوز مستويات الدعم الشعبي الضعيفة، وتنمو لتصبح قوى فعّالة للديمقراطية والتعدّدية في العالم العربي.
ملاحظة: يستند هذا المقال إلى الكتاب الذي سيصدر قريباً بقلم مروان المعشّر، "الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعدّدية" The Second Arab Awakening and the Battle for Pluralism، وإلى مناقشات مع قادة أحزاب من مصر وليبيا وتونس في إطار ورشة عمل نظّمها برنامج الشرق الأوسط في كارنيغي في عمّان، الأردن، في 30 أيلول/سبتمبر 2013. وكان للباحث المساعد في كارنيغي، سكوت ويليامسون، مساهمة في ورشة عمل عمّان وفي هذا المقال.
مروان المعشر
مركز كارينجي للشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.