شهدت الفترة الأخيرة تغير واضح في سياسة الولاياتالمتحدة تجاه بعض الدول العربية؛ وعلى رأسها مصر، حيث كانت زيارة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لمصر وعدد من الدول العربية، بمثابة تقديم حسن النية وعرض مساعدات جديدة، بشرط عدم التقارب مع الدب الروسي، والتقليل من الخطر الإيراني وبرنامجه النووي، وهو ما اتضح خلال مباحثات «كيري» في الإمارات، وما أعقبها من هجوم إسرائيلي شرس على تصريحات «كيري»، وتخوفهم من تقديم تنازلات ل"جوهر الخطر الأعظم على إسرائيل". فمن جانبه قال الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بورسعيد، إن زيارات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى المنطقة، جاءت لتهدئة دول الخليج تجاه السياسة الأمريكية "المعدلة"، على حد تعبيره؛ خاصة بعدما بدأ رؤساء الدول العربية يبدون تخوفهم من التقارب الأمريكي الإيراني في الفترة الأخيرة . وأوضح «زهران» أن «كيري» يحاول أن يكبح الغضب السعودي تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ التي تخشى أن يؤثر التقارب الأمريكي مع إيران عليها، ويخل بموازين القوى في العالم؛ مما يعطي إيران فرصة أكبر في التحرك بحرية، على حساب بعض الدول والأنظمة الخليجية، وهو ما دعاهم إلى البحث عن حل مرض لهم، بعقد صفقات مع أمريكا للحفاظ على مصالحهم. وأضاف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بورسعيد، أن مهاجمة إسرائيل لجون كيري وتصريحاته، وحديثهم عن تنازلات تقدمها الولاياتالمتحدةلإيران، كلها تحاول خديعة الرأي العام وإقناعه بأن إسرائيل تتأثر بالسلب، وهذا غير صحيح. ومن المتوقع أن يكون هناك اتفاقات مصاحبة للحوار الأمريكي الإيراني للحفاظ على أمن الخليج، مقابل عدم المساس بالكيان الصهيوني. ومن جانبه أكد الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية، أن تحركات «كيري» في الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية، لا تخدم إلا إسرائيل في المقام الأول؛ لأن استراتيجية السياسة الأمريكية تقوم على حماية الأمن القومي للكيان الصهيوني، والهجوم اللاذع التي تشنه وسائل الإعلام الإسرائيلية على وزير الخارجية الأمريكية، ربما يعكس تخوف «نتنياهو» من تمسك إيران ببرنامجها النووي وعدم القبول بأي شروط مقابل التنازل عنه. وأشار إلى أن زيارة «كيري» لمصر كانت "مشبوهة"، ولها أهداف مرتبطة بتعديل السياسة الأمريكية تجاه بعض الدول العربية؛ وكان قادمًا لعمل صفقات تبدأ من قلب الوطن العربي في مصر، وتتضمن إملاء بعض الشروط والتي تضمن التبعية لهم؛ ولكنها باءت بالفشل خاصة بعد رفض الوفد الحقوقي، الذي جاء للدفاع عن الرئيس المعزول محمد مرسي؛ ولذلك لجأ «كيري» للإمارات والسعودية، للبحث عن حل ومخرج للملف النووي الإيراني، وأيضًا لتخويفهم من الزيارة الروسية التي كانت مرتقبة من قبل وزير الدفاع والخارجية الروسي ومسئول التسليح أيضًا، ويدعوهم لتغيير موقفهم من مصر كقوة عربية وإيران ككيان تهابه إسرائيل. فيما يرى محمد سعيد إدريس، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أسوأ ما تتوقعه إسرائيل أن يحدث تفاهم أمريكي إيراني، على حل سلمي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، وهي الأزمة التي لا ترى إسرائيل حلًا لها غير الحل العسكري، وهي تخشى أن يتوارى هذا الحل العسكري من خلال "الليونة" الدبلوماسية الإيرانية. وشدد على أن إيران بالنسبة لأمريكا هي "جوهر الخطر الأعظم على إسرائيل"؛ لأنها تشمل القوس الاستراتيجي الذي يمتد من طهران إلى دمشق إلى بيروت، أو ما سبق ووصفته ب"الهلال الشيعي" مع ضم العراق إلى هذا القوس. وأضاف أن «نتنياهو» يسعى لإفساد واحتواء أي تطور إيجابي بين واشنطنوطهران، ويجدد الخط الأحمر الذي فرضه على الرئيس الأمريكي بخصوص إيران؛ ولكن بوضوح أكثر، فقد استبق «نتنياهو» لقاءه مع أوباما بطرح شروط أربعة يجب توفرها في التعامل مع الملف النووي الإيراني، يتوقع «نتنياهو» أن يعرضها «أوباما» على الرئيس الإيراني، وأن تكون مرتكز أي حل دبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني كبديل للحل العسكري، وتشمل هذه الشروط "الوقف الكلي لأعمال تخصيب اليورانيوم، إخراج كل اليورانيوم المخصب من إيران، إغلاق كل منشآت التخصيب، وأخيرًا وقف مسار عمليات تخصيب البلوتونيوم"؛ وهذه الشروط الأربعة يدرك «نتنياهو» أنها مرفوضة إيرانيًا، لذلك يراها كفيلة بإفشال أي محاولة تقارب أو تفاهم أمريكي إيراني. وكان موقع "ديبكا" الإسرائيلي قد نشر تقريرًا تناول فيه الموقف الأمريكي حيال البرنامج النووي الإيراني، وردود أفعال حلفاء واشنطن من هذا التقارب الأمريكي الإيراني، ونوايا إدارة "باراك أوباما" في تسوية الملف النووي الإيراني مع السماح لطهران بمواصلة تخصيب اليورانيوم. وأوضح الموقع الصهيوني أن جبهة حلفاء أمريكا الرافضين لتحركات وتعامل الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ووزير خارجيته "جون كيري" حيال قضية البرنامج النووي الإيراني توسعت، حيث تشمل دول الخليج العربي وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية. وقال الموقع وثيق الصلة بالدوائر الاستخباراتية إنه ليس فقط إسرائيل وفرنسا بجانب السعودية، يرفضون تحركات أمريكا وتعاملها مع إيران لتسوية الملف النووي، بل أيضًا توجد عدة دول أوروبية تعارض هذا النهج الأمريكي في مقدمتها بريطانيا وألمانيا. وأضاف "ديبكا" أن المعارضة الشرسة لهذا النهج الأمريكي تتمثل في كل دول الخليج؛ على رأسها السعودية والإمارات، التي أصبحت قوة اقتصادية لا تقل أهمية عن الرياض، على حد توصيف الموقع الإسرائيلي.