الاسم جميلة بوحيرد رقم الزنزانة تسعونا في السجن الحربي بوهران والعمر اثنان وعشرونا تلك الكلمات التى سطرها الشاعر نزار قبانى فى الثائرة "جميلة بو حريد"، وإذا كانت صورتها قد ترسخت فى الأذهان بصورة الممثلة القديرة "ماجدة" التى جسدت سيرتها الذاتية للمخرج يوسف شاهين، وحفرت فى العقول حتى الآن المعاناة والتعذيب الذى تعرضت له، إلا أن الواقع أكثر قسوة وألمًا من سحر السينما. "جميلة" هي مجاهدة جزائرية تعد الأولى عربيًّا، وتلقب ب "الشهيدة الحية"؛ كون الكثيرين من العرب وحتى الجزائريين يعتقدون أنها سقطت في ثورة التحرير التي شاركت فيها كفدائية وواحدة من حاملات القنابل؛ بسبب أنه حكم عليها بالإعدام عام 1957، وهي فضلت العيش في الظل منذ استقلال البلاد إلى اليوم. وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها، فقد أنجبت والدتها 7 شبان، واصلت تعليمها المدرسي، ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل، فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل، وعندما كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح "فرنسا أمنا" كانت تصرخ وتقول "الجزائر أمنا"، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح، وعاقبها عقابًا شديدًا، لكنها لم تتراجع، وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية. اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954، حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية؛ للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها، ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في مقاهي وأماكن تجمعات الفرنسيين، وليس غريبًا على عائلتها المناضلة، حيث تعلمت على يد عمها "يوسف" قائد الكفاح المسلح في المنطقة؛ مما خلق مزيدًا من الوعى الوطنى لديها، ثم ألقت الفرقة الأجنبية القبض على عمها وقتلته، فانضمت جميلة إلى معسكرات الثورة في جبال الجزائر. ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم واحد، وكان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة "يوسف السعدي" قبل القبض عليه والذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن مائة ألف فرنك ثمنًا لرأسه. وفي أحد الأيام كانت جميلة متوجهة ليوسف السعدي برسالة جديدة، لكنها أحست أن ثمة من يتبعها، فحاولت الهروب، غير أن جنود الاحتلال طاردوها حتى تم القبض عليها عام 1957، عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف، وبدأت رحلتها القاسية مع التعذيب من صعق كهربائي لمدة ثلاثة أيام. أفاقت في المستشفى العسكري حيث كانت محاولة الاستجواب الأولى لإجبارها على الإفصاح عن مكان يوسف السعدي، غير أنها تمسكت بموقفها، فأدخلها جنود الاحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يومًا متواصلة وصلت إلى حد أن توصيل التيار الكهربائي لجميع أجزاء جسمها، وإطفاء أعقاب السجائر في صدرها وأنحاء كثيرة من جسمها الضعيف المنهك، حيث لم يحتمل الجسد النحيل المزيد، وأصيبت بنزيف استمر خمسة عشر يومًا. تحملت التعذيب، ولم تعترف على زملائها، ثم تقررت محاكمتها صوريًّا، وصدر ضدها حكم بالإعدام وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك "أعرف أنكم سوف تحكمون عليَّ بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة"، وبعد 3 سنوات من السجن، تم ترحيلها إلى فرنسا، وقضت هناك ثلاث سنوات؛ ليطلق سراحها مع بقية الزملاء عام 1962. تزوجت محاميها الفرنسي "جاك فيرجيس" الذي دافع عن مناضلي جبهة التحرير الوطني خاصة المجاهدة "جميلة". ولكن بعد هذه السلسة من العطاء عاش الشارع الجزائري حالة من الصدمة؛ بسبب نداء استغاثة بعثت به المجاهدة الجزائرية "جميلة بوحريد" عام 2010، تطلب فيه من الشعب الجزائري مساعدتها للعلاج بالخارج من عدة أمراض تعاني منها وعلى رأسها القلب، في الوقت الذي أكد وزير سابق بالحكومة الجزائرية أن "الرئيس بوتفليقة" تكفل عام 2007 بعلاج المجاهدة الكبيرة". وكعادة المناضلات رفضت "بوحريد" اقتراح طبيب فرنسي نصحها بتسجيل نفسها في الشبكة الاجتماعية الفرنسية لتستفيد من الرعاية الصحية، وقالت "كيف أعالج بأموال الدولة التي حاربتها؟". تعيش "جميلة" في عالمنا إلى اليوم بعطاء متدفق؛ لتذكرنا بأنها صاحبة فضل ليس فقط على الجزائريين، بل على العرب جميعًا بموقفها ونضالها المشرف، وعلى كل مناضل في العالم لأجل الحرية والكرامة، وعلى نساء العالم بنضال قل نظيره في خمسينيات القرن العشرين، حيث كانت المرأة تحجب عن الحياة العامة في ذلك الزمن، وكانت جميلة بوحيرد آنذاك كتفًا لكتف مع العربي "بن مهيدي" أحد قادة ثورة الجزائر، تدافع عن حرية بلدها.