فى مخيم صغير تعلوه طائرات العدو وتسقط على أرضه المحتلة نيران لا تنقطع ، وتسير بداخله دباباته فتخرج طلقاتها لتأكل الأخضر واليابس، من أسرة فقيرة لا تملك إلإ العلم سلاحا، يولد هذا الطفل، الذى لم تستمتع عيناه كثيرا برؤية والدته لتتركه فى الخامسة عشرة من عمره، ليصبح نموذجًا فريدًا من القادة، فقد كان قائدا عسكريا وفقيها دينيا وشاعرا وأديبا وفيلسوفا. إنه الشهيد الدكتور"فتحى الشقاقى" مؤسس حركة الجهاد الإسلامى بفلسطين وهو مؤسس حركة الجهاد الفلسطيني التي تأسست في مصر في نهاية السبعينات عندما كان يدرس الطب في جامعة الزقازيق ومعه مجموعة من الفلسطينيين، وعاد بعدها إلى فلسطين ليجاهد ويناضل من أجل فلسطين التي عشقها. الشقاقي،أسطورة العشق الفلسطينية، رجل يفيض قلبه عشقاً وحباً لوطنه، توارثه من صلب الإسلام والعروبة، إنه العاشق "فتحي إبراهيم عبد العزيز محمد أوحيدة"، ابن عائلة الشقاقي المعروفة في "ترهونة" من قبيلة مرغنة، وكان جده الأكبر ويدعي (محمد أوحيدة الشقاقي) يعمل فلاحا. ولد فتحي فى مخيم رفح بمدينة غزة 4-1-1951م حيث هجرت الأسرة إلى غزة عام 1948، لعائلة فقيرة حيث عمل والده عاملاً في صحراء سيناء، ونشأ في وسط عائلي محافظ وأسرة متدينة تلتزم بالمجال الديني والشعائري، فقد كان والده الابن الوحيد لإمام القرية. فقد الشقاقي أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره ليشب بعدها يتيما، درس في جامعة بير زيت بالضفة وتخرج من دائرة الرياضيات، وعمل لاحقا في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم في مدرسة الأيتام. وفي أثناء عمله درس مرة أخرى الشهادة الثانوية لرغبته الشديدة في دراسة الطب، حيث التحق بكلية الطب- جامعة الزقازيق 1974. قاد كفاحا مريرا ضد الاحتلال، اعتقل في فلسطين أكثر من مرة عام 1983 و 1986 ثم أبعد في أغسطس 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين واتهامه بدورٍ رئيسى فيها. وكانت آخر أبرز تلك المحطات مسئوليته في تنفيذ عملية بيت ليد بتاريخ 1995/1/22 حيث أسفرت عن مقتل 22 عسكرياً إسرائيليا وسقوط أكثر من 108 جرحى. اغتيل على يد الموساد الإسرائيلي في مدينة "سليما" بجزيرة مالطا يوم 26 أكتوبر 1995 أثناء عودته من ليبيا. ومع إطلالة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الشهيد فتحى الشقاقى القائد والأديب والمفكر.. أجرت "البديل" حديثا مع الدكتور رفعت سيد أحمد -مدير مركز يافا للأبحاث والدراسات- والذى أعد ووثق الموسوعة الكاملة للشهيد الدكتور فتحى الشقاقى والتى جاءت بعنوان"رحلة الدم التى هزمت السيف". يقول "سيد أحمد "، أسس الشهيد الدكتور "فتحى الشقاقى" حركة الجهاد الإسلامى عام 1977 – 1978 ، قبل عشرة سنوات من تأسيس حركة المقاومة الإسلامية ، فقد نشأت "حماس" بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وبالتالى جمع "الشقاقى" بين الجهاد وبين فلسطين، وقال كلمته الشهيرة:"فلسطين هى القضية المركزية للحركة الإسلامية، فأى حركة إسلامية دون القضية الفلسطينية لا قيمة لها ولا قيمة لإسلامها، فالإسلام يقاس بمدى القرب أو البعد عن القضية الفلسطينية" . وقد صار "الشقاقى" من حينها يؤسس لفقة الجهاد ووضع عشرات الدراسات والتحق بمجلة المختار الإسلامى ونشر عشرات الدراسات بالتعاون مع الدكتور بشير نافع، فلسطينى الأصل وهو مفكر ينتمى إلى الجهاد الإسلامى آنذاك. وبعد أن شكل "الشقاقى" الخلية الرئيسية لحركة الجهاد الإسلامى، والتى والتى انتشرت داخل فسطين، قبض على الدكتور الشقاقى فى مصر 1981 ثم يهرب إلى فلسطينالمحتلة، ويعيش حتى نهاية سنة 1981، ثم يرحل إلى جنوب لبنان ثم استقر بعد ذلك فى دمشق إلى أن استشهد عام فى 1995. وفى أثناء سفر الشهيد إلى ليبيا ليحل مشكة المبعدين، وفى طريق عودته عن طريق مالطا لأن ليبيا محاصرة بحرا وبرا وجوا ، والطريق الوحيد للقدوم من دمشق إلى مالطا ثم طرابلس ثم أراد أن يجلس حتى موعد الطائرة فى أحد الفنادق فى جزيرة سُليمة بمالطا، وقام الموساد باغتياله وقيل إن الموساد خصص له 40 قيادة أمنية كان يشرف عليها "إسحاق رابين" رئيس وزراء الكيان الصهيونى. وتصور العدو الصهيونى أن اغتيال الشقاقى سينهى حركة الجهاد الإسلامى، لكن ما حدث أن دماء الشهيد كانت سببا فى تقوية الحركة أكثر وصارت هى الرقم الأصعب فى قصة الصراع الفلسطينى حيث ظلت على فكرة الجهاد والمقاومة قياسا بحركة حماس التى ذهبت الى السلطة . كان"الشقاقى" قائدا ومنظرًا لفقة الجهاد، كما كان شاعرا وأديبا وفيلسوفا، وكان لديه أفكار فى مناطحة الأفكار العلمانية والرد عليها وآراء متقدمة فى دور المرأة فى الإسلام ، كذلك موقف رائع من ثورة الإمام الخمينى والثورة الإيرانية، لدرجة أنه كان أول من أصدر كتابا باللغة العربية، وكان مبكرا جدا، بعنوان "الخمينى:الحل الإسلامى والبديل". كان "الشقاقى" من دعاه التقريب بين المذاهب ( السنة والشيعة ) وله كتاب رائد فى هذا المجال بعنوان "الضجه المفتعلة بين السنة والشيعة "، وكان باحثا عميقا فى التراث الإسلامى، فلم يكن الرجل قائدا عسكريا للمقاومة مثل القادة الحاليين، لكنه كان داعيا للتلاقى بين العروبة والإسلام، ولذلك أدرك الصهاينة أهمية قتله وبالفعل تم اغتياله عام 1995. تأثرت حركة الجهاد الإسلامى باستشهاد القائد، لأن "الشقاقى" كان يجمع حوله أبناء الحركة كأب روحى، واستطاع شباب الحركة بعد وقت قليل من استشهاده أن يلملموا الجراح وأن يأخذوا من فكر الشقاقى، ومن نصائحه، والتى تشرفت بنشرها فى مجلدين تحت عنوان"الأعمال الكاملة للمرحوم فتحى الشقاقى – رحلة الدم التى هزمت السيف". وكما قال "الشقاقى" عام 1992 فى تأبين عباس الموسوى أمين عام حزب الله فى لبنان،"إن حزبا استشهد أمينه العام لا ينهزم" ، نفس الأمر قاله حزب الله بعد استشهاد "الشقاقى"، بل بالعكس"القادة عندما يستشهدون يقدمون نموذجًا قويًا لمن يليهم، وكان فى طليعة هؤلاء الشباب الدكتور رمضان شلح أمين الحركة الحالى . "الشقاقى" كان يعلم أن فلسطين لن تحرر إلى بالدم وليس المفاوضات، فكما أخذت بالدم وبالقوة وعبر الاغتصاب والعنف، لن تعود إلإ بالمقاومة، وكان من أوائل القادة الذين رفضوا اتفاقية "أوسلو" ووقفوا ضدها ودفعوا ثمنا غاليا هو وقادة الجهاد الإسلامى آنذاك. كما أثبت "فتحى الشقاقى" أن الحل الوحيد هو المقاومة المسلحة التى تساعدها بنية اقتصادية وتعليمية وثقافية بمعنى أن منظومة المقاومة لابد أن تكون متكاملة فى السياسة والأدب والفن التعليم وذروة سنامها المقاومة بالسلاح وتابع سيد أحمد قائلا:"على حركة "حماس إنهاء الخلافات مع دول الإقليم وعدم التعلق بالأخونة على حساب الفلسطنة وقضايا الإخوان فى مصر أو فى المنطقة لها حساسيتها، وحماس عندما أدخلت أنفها فى الوضع الداخلى فى سوريا ومصر خسرت كثيرا". أتمنى من القادة الداخليين فى "حماس" أن يعيدوا سيرة الشهيدين "الشقاقى" و"أحمد ياسين"، وهى سيرة قامت على مقاومة العدو الصهيونى، وعدم الانشغال بالملفات الإقليمية وبالمرجعيات الإقليمية، سواء الإخوانية أوغيرها، فالتركيز على فلسطين سيوحد قوى المقاومة فى الداخل وسيجعل الشعب العربى يساند هذه الحركات دون أى تحفظ.