أصبح الاحتفال بالأعياد في مصر له نكهة خاصة ولكنها للأسف نكهة مليئة بالإسفاف والهزل وغياب الأخلاق، والتي تتجسد بشكل صارخ وفاضح في الأفلام السينمائية التي باتت العلامة البارزة والكاشفة للحال الذي وصل إليه المجتمع، وبدون مشاهدة هذا الإسفاف الفني فإن أسماء الأفلام "هاتولي راجل"، "8% "، "القشاش"، "عش البلبل" و "قلب الأسد" وإعلانتها كافية لإصابة الشعب بالإحباط وإدراك ماذا تحتوي هذه النوعية من الفن التي باتت مسيطرة على سوق السينما المصرية ومتعهدة غسل عقول المراهقين وتدمير ما تبقى من أخلاقهم. وتشير أصابع الاتهام من الجميع إلى عائلة "السبكي" المتهمة من قبل المجتمع بأنها من أبدع وصنع لهذا المضمار سوقا يتاجرون خلالها بكل شيء ويسبيحون أي أمر، ويلعبون على عورات المجتمع وأزماته من أجل زيادة ملايين الجنيهات إلى أرصدتهم في البنوك، ولتذهب المبادئ والأخلاق والقيم إلى الجحيم. ووسط تفاقم الأزمة ووصولها إلى مرحلة لم يعد السكوت عليها ممكنا خرجت مجموعة من الحملات للمطالبة بمقاطعة هذه النوعية من الأفلام، ليأتي الرد من مايسترو "الفن الرخيص" بالمطالبة بعدم الحكم على الأعمال قبل مشاهدتها! وحول تلك القضية ومخاطرها على المجتمع قالت "نيفين عبيد" عضو مؤسسة المرأة الجديدة، إن أفلام عيد الأضحى وخاصة التي يتبنى السبكي إنتاجها لا تطرح قضايا حقيقية تخدم المواطن المصري وتشتبك مع همومه وقضاياه سواء كان رجلا أم امرأة، فضلا عن إنها لا تقدم كوميديا بل مجرد إسفاف يجمع بين الألفاظ الخادشة للحياء والنكات البذيئة ومستوى حوار متدن بين شخصيات العمل. أما على مستوى تناول المرأة في أفلام العيد أشارت نيفين إلى أنها تقدم رؤية شديدة الانحطاط والنمطية عن المرأة الجسد، المرأة العاهرة اللعوب، وهو صورة غير منصفة للمرأة، وبالتالي يكون من الطبيعي ارتفاع حالات التحرش سواء الفردي أو الجماعي، لأن المشاهدين والذين يكون أغلبهم من المراهقين قد تعرضوا لجرعة من المثيرات الجنسية خلال مدة الفيلم. اما عن الحلول ترى أنها ليست مع تشجيع الأجهزة الرقابية، لأنها من اختراعات الدول المنغلقة، ولكنها تطالب المسئولين بوضع الفئة العمرية المسموح بها علي كل فيلم، واتخاذ الدولة آليات واضحة ضد العنف والتحرش الجنسي لا تقتصر فقط على التشريعات بل تحتاج إلى الإعلام والثقافة والتعليم. بينما ترى "إنتصار السعيد" مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن هذه الأفلام تعبث بعقول الشباب وتفتت كل القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية التي يجب غرسها، ومن ثم تخلق هذه الأفلام جيلا مشوها منحرفا، فهي لا تقدم له سوى نموذج البلطجي الذي يمسك بمطواة، ويرقص بهمجية على نغمات أغاني المهرجانات، بعيدا عن تقديم أي نماذج إيجابية تكرس من قيم العلم أو أهميته . وأضافت أن أفلام السبكي تحتقر المرأة المصرية، فضلا عن تقديمها لنماذج تتنافى مع الواقع، فليست كل سيدات مصر راقصات أو عاهرات، بل هناك نماذج مشرفة اخترقت جميع المجالات، ويجب إبراز هذه النماذج ليتم الاحتذاء بها، ويقدر عبرها الدور الهام الذي تلعبه المرأة، ولكن ما يقدم كل عيد هو شبه بدعارة مقنعة تفسد المجتمع. وأشارت إلى أن خطورة أفلام السبكي وما شابها من منتجات فنية تتسم بهذه الدونية والهبوط تمثل خطرا على الأمن القومي، فهي تستهدف الشباب الذي يعد ثروة قومية تمثل ربع سكان مصر، ومن ثم عند تغييب وعيه وعقله بهذه الأفلام، سيؤدي إلى وجود جيل مفكك ليس له أهداف في الحياة، غير منتج. بينما تحلل الدكتورة "فادية مغيث" باحثة في علم الاجتماع السياسي، ظاهرة أفلام السبكي واستمرارها، قائلة إن بمراجعة الأسماء الصانعة لهذه الأفلام من مخرجين ومؤلفين، نجدهم لا يحملون أي توجهات على الإطلاق، وهي أفلام تقدم خلطة متكررة تعتمد على الافيهات والرقص والجسد العاري والألفاظ الجارحة لجذب الجماهير، أما القصدية الوحيدة في هذه الأفلام اللعب على مشاعر المطحونين الذين تم تجهيلهم عبر 40 عاما، وتم سحقهم من أجل لقمة العيش، تحت دعوى خادعة ومخلة بإنسانية هؤلاء البسطاء "بأنهم يريدون الضحك ونسيان الهموم" . أضافت أن خطورة هذه الدعوي أو الشعار الزائف انه يعتمد في ترويج بضاعته الغامرة بالإسفاف في امتصاص غضب هذه الشريحة، في تقديم الصورة الأسوأ للحارة الشعبية بضمها البلطجية والمجرمين ونسائها عاهرات ساقطات،لإشباع الرغبات الجنسية للمشاهدين من فئة المراهقين والحرفيين. أما عن المرأة في أفلام السبكي تري خبيرة علم الاجتماع أنها تجافي واقع الست المصرية الفقيرة في العشوائيات والمناطق الشعبية، فهي ليس لديها فراغ للاهتمام بجسدها وشعرها وملابسها ومكياجها كما تصورها هذه الأفلام، بل شريحة النساء في هذه الطبقات كادحات مطحونات، وهن اللواتي يدفعن لوحدهن ضريبة الفقر والمرض والجوع والحرمان. بينما ترفض الربط بين ارتفاع ظاهرة التحرش الجنسي ومشاهدة أفلام العيد، مشيرة إلى أن الشباب المصري يعاني من إحباطات كثيرة تعود للفقر والبطالة، بالإضافة إلى حالة من الضجيج الجسدي في مراحل البلوغ وعدم قدرتهم في السيطرة عليها، في ظل غياب الحلم والأمل بمستقبل أفضل، ومن ثم التحرش الجنسي هو نتيجة طبيعية لتهميش هؤلاء الملايين بفعل الظروف السياسية والاقتصادية، والتي تدفعهم للقيام بهذه التصرفات الغريزية الحمقاء. تجدر الإشارة إلى أن المجلس القومي للمرأة أدان في بيان صحفي له مع انطلاق عرض أفلام العيد،عبر فيه عن احتجاجه واستنكاره الشديد لها ووصفها بالهابطة والمتدنية أخلاقيا، مؤكدا أن تلك النوعية من الأفلام تؤدي لازدياد واستفحال معدلات التحرش الجنسي بالشارع المصري، وهي الظاهرة التي يعاني منها الجميع بصورة تهدد أمن وسلامة المجتمع المصري.