قد يبدو العنوان صادماً ، لكنها الحقيقة المُرة التى على كل محب للمقاومة– فى مصر تحديداً- أن يطرحه على نفسه وألا يجد حرجاً فى البحث عن إجابة هذه الأسئلة : لماذا نسى الناس فى بلادى المقاومة فى لبنان وفلسطين ؟ هل هى انشغالات الداخل وهموم ما بعد الثورات وجراحها العديدة التى غرق فيها الجميع ؟ هل هى أوضاع (المقاومة) فى لبنان وفلسطين والعراق ، وكل بلد يعيش صداماً مفتوحاً مع قوى الهيمنة الغربية والإسرائيلية ، أوضاع أجبرت المقاومين على أن يتوقفوا عن مقاومتهم ، فأضحى من المنطقى أن يتوقف من يساندهم عن تأييدهم بالأساليب القديمة المعروفة ؟ أم أن ثمة أخطاء على جانبى المعادلة (المقاومة) و(محبيها) أوصلتنا وأوصلتها إلى هذه القطيعةِ والنسيان ؟ أسئلة تحتاج إلى الصراحة خاصة مع احتمالات اشتعال جذوة المقاومة المسلحة من جديد فى مواجهة استفزازات ومؤامرات أمريكية – إسرائيلية جديدة ضد المقاومة العربية وتحديداً فى فلسطين ولبنان وبخاصة بعد الانتهاء المرحلى من المؤامرة (الكيميائية) على سوريا . دعونا نسجل إجابتنا على السؤال فى النقاط التالية : أولاً : من المؤكد أن أوضاع مصر بعد موجتين ثوريتين (25 يناير و30 يونيو) وانشغالها بالداخل خاصة بعد المآسى التى خلفها حكما مبارك ومرسى على البلاد ، كان لها تأثيراً كبيراً فى انصراف الجزء الأكبر من الاهتمام الشعبى ، بل النخبوى إلى شئون مصر الداخلية دونما محاولة ربط هذه الهموم بالشأن القومى ، وبالقضايا الحقيقية المتصلة بها وفى طليعتها قضية (المقاومة) ، وزاد الطين بله المواقف الانتهازية التى وقفتها بعض قيادات المقاومة (خاصة حركة حماس) لصالح حكم الإخوان رغم جرائمه فى حق الشعب المصرى ، ومن قبله فى حق الشعب السورى متآمرين مع من سُموا زيفاً بالثوار السوريين !! (وتلك قضية أخرى نتحدث عنها فى مقال آخر) هذا الاستغراق الشعبى المصرى فى جراح الوطن الداخلية أدى إلى تأجيل الاهتمام بالعمل المقاوم فى لبنان وفلسطين باعتباره بؤرة المقاومة الصحيحة !! بل وربما أدى هذا الانشغال الداخلى إلى نسيان وكراهية (للأسف) لبعض فصائل المقاومة (تحديداً حماس) ولعب إعلام رجال الأعمال دوراً محضاً على ذلك خاصة فى قضية تهريب السجناء السياسيين إبان ثورة 25 يناير 2011 رغم أنهم – أى إعلام (رجال الأعمال) – لو أحسنوا النظر لوجدوا أن هذه القضية تحديداً (قضية التخابر مع حماس وتهريب السجناء) تعد وساماً ينبغى أن يعلق على رقاب من قام بها لأنهم قاموا أساساً بفعل ضد استبداد (العادلى) وظلم (مبارك) وسجونهما وتبعيتهما لتل أبيب وواشنطن ، ولكن كان للضغط الإعلامى وأخطاء حماس وأحياناً أخطاء بعض ممثلى حزب الله من المهتمين بالشأن المصرى ، فى طريقة التعامل مع الساحة المصرية بعد ثورة يناير 2011 كان لهذا جميعه دوره فى (نسيان) ثم (كراهية) المقاومة – للأسف – وهو أمر نظنه سيزداد فى المرحلة المقبلة مع غياب الصورة الصحيحة عن المقاومة ، وانغماس الشعب فى قضاياه الداخلية . ثانياً : كان لطريقة تعامل قوى المقاومة العربية (خاصة فى لبنان وفلسطين) مع الإخوان خلال حكم محمد مرسى (عام كامل) وتركيزهم على علاقات سطحية عاجلة بدون بناء استراتيجى قوى ، وبدون تواصل جدى مع القوى والرموز الوطنية الأخرى ، أدى إلى نسيان الشعب لهذه المقاومة ، لقد وضعت بعض حركات المقاومة (كل بيضها) فى سلة الإخوان وما أن سقطوا ، سقطت معهم العلاقة وباتت المقاومة يتيمة وعارية فى مصر ، ويا ليت الأمر – كما قلنا آنفاً – يتيمة فحسب بل وبات خطاب الكراهية لها يزداد خاصة مع جريمة هدم أنفاق غزة وازدياد الإرهاب السلفى الوهابى فى سيناء (5 آلاف عنصر فى 6 تنظيمات مسلحة فى سيناء) ، لقد بدأت قطاعات واسعة من الشعب المصرى تتحول إلى كراهية المقاومة فى فلسطين (وأحياناً) فى لبنان خاصة مع غياب الجهد الحقيقى فى كشف زيف الاتهامات الموجهة للمقاومة ، وفى غياب الشخصيات والقنوات القادرة على تصحيح الصور النمطية السيئة التى نجح الإعلام المصرى (خاصة إعلام رجال الأعمال) فى إشاعته وتأكيده عن المقاومة إلى الحد الذى جعلوا فيه إسرائيل أكثر مودة وقرباً لمصر من حركتى حماس وحزب الله !! . ثالثاً : إذا كان استغراق الشعب المصرى فى شئونه الداخلية له دور فى نسيان (المقاومة) ولو مرحلياً فإن الخوف أن يتحول النسيان – كما قلنا آنفاً – إلى موقف ثابت ضد قوى المقاومة العربية خاصة من حزب الله (أنبل قوى المقاومة العربية فى الربع قرن الأخير) ومن الجهاد وحماس فى فلسطين ، ونحسب أن أداء قوى المقاومة ، وعدم فهمها الجيد لمصر ما بعد 25 يناير 2011 ، ويونيو 2013 وسوء اختيار المعبرين عنها فى التعامل مع الملف المصرى بعد الثورة ، كان أحد أبرز أسباب الابتعاد الشعبى عن (المقاومة) ، ويؤسفنى أن أسجل هنا أن استعلاء بعض ممثلى تلك القوى المقاومة وجهلها بتفاصيل المشهد السياسى المصرى وحساسياته العقائدية والسياسية ، كان لها أيضاً دور فى (نسيان) وربما فى (القطيعة) – وهو ما لا نتمناه – مع تلك القوى . * إن هذا الحال البائس لموقع قوى وثقافة المقاومة فى مصر ، يوازيه ويغذيه جهد ومؤامرة أمريكية – خليجية خبيثة وماكرة (مالية وإعلامية وسياسية) لشيطنة المقاومة الفلسطينية واللبنانية خاصة بعد مساندة الأخيرة الواضحة للدولة والنظام السورى فى حربه ضد المعارضة المسلحة ؛ وهى مؤامرة نحسبها – للأسف الشديد – نجحت فى اكتساب أرض جديدة ،فى ساحة تتسم بالفوضى ، والارتباك . * وإذا كان ثمة نصيحة نقدمها للمقاومة فى هذا المقام ، فهى مزيد من الجهد ، وقليل من التواضع وكثير من العلم والصبر فى التعامل مع مفردات المشهد المصرى ، فقلب مصر عامر بالمقاومة لكنه يحتاج إلى من يستمع لنبضه لا من يتاجر به أو يتعالى عليه ويتصوره مجرد (بحصات – بالتعبير اللبنانى الشائع) لا قيمة لها فى أتون معادلات إقليمية بائسة . والله أعلم .