دلجا .. القرية التي تم حصارها على مدار 76 يوماً شهدت خلالها أكثر من مأساة طائفية بداية من مقتل "إسكندر طوس"، الذي قتله المتطرفون ومثلوا بجثته وإرهاب ذويه من القيام بدفنه. وكذلك قتل "هاني شفيق زاخر"، بجانب نهب منازل للمسيحيين وإشعال النيران بها، وترك 150 أسرة للقرية منازلها تخوفاً من التهديدات، ووضع لافتات تسند ملكية المنازل للمعتدين بطريقة "وضع اليد". مشاركة "البديل" الوفد الحقوقي شارك "البديل" في الجولة التفقدية التي قام بها وفدا من الحقوقيين ورجال الأزهر والإعلاميين لزيارة دلجا الجمعة الماضية، وتقابل مع محافظ المنيا اللواء صلاح عبد المقصود، الذي دعا رجال الأعمال بتبني مشروعات تنموية للقرية التي تفتقر إلى ابسط الخدمات المعيشية ما يؤثر بالسلب على سلوك أفرادها. قرية خارج إطار الزمن تفقدنا القرية التي لم يكن السير فيها بالأمر اليسير، فالطرق غير ممهدة وضيقة، وبمجرد دخول الأتوبيس القرية، أدركنا تماماً أننا أمام مكان خارج نطاق الزمن، أصحابه يعيشون في بؤس مضجع، حتى أن أبسط الخدمات غير متوفرة، فترى أن الأطفال يشربون من الخراطيم، ولا يوجد أماكن للأطعمة في القرية إلا أكشاك صغيرة ومتهالكة للبقالة، أما عن الصحة، فحدث ولا حرج عن خدماتها، فلم نر سوى صيدليتان طيلة اليوم، وعن المدارس فلا أثر لها، ولا نعلم إن كانت توجد أم لا. فقر يولد التطرف جدران المنازل والقرية مكتظة بعبارات من نوعية "السيسي خائن.. مرسى رئيسي.. مصر إسلامية" ونرى سيدات قليل منهن أخفين وجوههن خلف نقاب أسود، ولأن الأطفال هم الأصدق في التعبير عن الأفكار التي يخفيها الكبار، فقد استقبلنا أطفال بنات وأولاد في عمر الزهور ما بين 4 سنوات حتى 18 سنة بعلامة رابعة على أصابعهن وهتافات من نوعية يسقط حكم العسكر، وحين انتهزنا الفرصة لنتحدث معهم قال أحدهم "شكلكم سيسي" وآخر قام بسبنا، وكانوا على وشك الاشتباك معنا لولا أننا أنهينا الحوار وتركناهم بعيداً. القس ايوب يوسف وأخيراً التقى "البديل" بالقس أيوب يوسف، راعي الكنيسة الكاثوليكية بدلجا، والذي كان أحد أبرز الأسماء التي ترددت في أحداث دلجا الأخيرة، ويرجع له الفضل في الضغط على الإعلام والرأي العام لتعريف الجميع ما يحدث بهذه القرية المنعزلة، وكان لنا معه هذا الحوار: .اشرح لنا بداية الأحداث.. يوم 3 يوليو عقب بيان عزل "مرسي" اقتحم مئات الأشخاص المسلحين مبنى الخدمات التابع لكنيسة مارجرجس للأقباط الكاثوليك والتي أشرف بخدمتها، وسرقوا محتوياتها وكذلك سكني الخاص بالطابق العلوي، موضحاً أن مبنى الخدمات كانت به أجهزة ومعدات للسمع وبصريات، إلى جانب إضرامهم النيران بالمكتبة العلمية، وكانت تضم 300 ألف كتاب بشتى النواحي العلمية منها سياسية ومؤلفات الشيخ محمد عبده، الطهطاوي. وقام أنصار المعزول بالاعتداء على كنائس دير العذراء والأنبا إبرام الأرثوذكسي، الذي يضم ثلاث كنائس، منها كنيستان أثريتان وهي كنيسة العذراء والتي شيدت منذ ما يقرب من 1400 عام، و الكنيسة الأخرى باسم مار جرجس، والثالثة كنيسة الأنبا إبرام، تم الاعتداء عليهم بعدما قاموا بسرقة جميع محتوياتم، ونبشوا القبر الموجود بالكنيسة لاعتقادهم بوجود كنزا داخله. وحفر المعتدون تحت الكنيسة الأثرية زاعمين وجود آثار أسفلها، واستمرت الاعتداءات والسرقة حتى 14 أغسطس، كما نهبوا قرابة 20 منزلا للمسيحيين وأشعلوا بها النيران. .ماذا حدث عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة؟ توجه المئات إلى منازل الأقباط المجاورة للكنيسة وسرقوا 38 منزلا وأحرقوها بعد أن هجّروا أصحابها، وعند مهاجمتهم لمنزل شخص يدعى "إسكندر طوس" أطلق أعيرة نارية في الهواء لتخويفهم، إلا أنهم أطلقوا الرصاص عليه وقتلوه، ومثلوا بجثته. بجانب تهجير وفرض إتاوات بمبالغ طائلة، ما تسبب في هجرة قرابة 150 أسرة معنا كشوف بأسمائها، كما لدينا أكثر من 100 أسرة دفعت إتاوات مقابل حمايتها من البلطجية، وهناك أسماء بعينها كانت تذهب للأسر المسيحية يعرضوا عليهم الحماية منهم أو من غيرهم، مقابل فرض إتاوات كل بحسب مقدرته لدرجة أن هناك أشخاص أعرفهم فقدوا جميع ممتلكاتهم حتى قوتهم اليومي نتيجة دفع ثمن لحمايتهم. .ماذا عن رفضك لجلسات الصلح العرفي؟ إن أكبر انجاز حدث وحققناه في دلجا هو الرفض لجلسات الصلح العرفية، وقد تم الضغط علي للعمل به، عقب الأحداث إلا أنني قمت بالاتصال بوسائل الإعلام وتوضيح الصورة الكاملة للرأي العام لما يحدث بدلجا، من انعدام التواجد الأمني بها وسيطرة الإرهاب عليها، ما كان له الأثر في تأمينها فيما بعد، والقبض على عناصر إجرامية. .هل هناك تهديدات تتلقاها كونك متواصل مع الإعلام ويتردد اسمك بشكل مستمر؟ لا أخشى شيئا، ولا يستطيع أحد أن يهددني وجهاً لوجه لأن الجميع يعلم أني سأفضح الخطأ ولن أسكت، لذلك أتلقى تهديدات بشكل غير مباشر، فالبعض ينقل لي تهديدات عن أشخاص بقتلى أو قتل ذويي أو حرق منزلي، لكن لم يجرؤ أحدهم حتى الآن على التهديد المباشر. .هل توجد تخوفات من تجدد اعتداءات المتطرفين في حال ابتعاد الأمن عن الصورة؟ هذه هي المشكلة الحقيقية، حذرنا ولازلنا نحذر من أن المنيا والقرى بها تحتاج لإعادة نظر من جهة الأمن والتعليم وإعمال القانون بشكل مستمر، ولا يكون مجرد نزول للجيش والشرطة مؤقت، والتخوفات أن الناس بتقولنا في الشوارع "بعد ما اللي جي يمشي هنعمل فيكوا كذا وكذا وكذا" .. ولازلنا نتساءل دائماً ماذا بعد هوجة سيطرة الجيش وتأمينه القرية وماذا بعد انسحابه؟ هل ستتجدد الاعتداءات؟ مرة أخرى؟ الأنبا "أغابيوس" أسقف دلجا التقينا بالأنبا أغابيوس أسقف دلجا، الذي علّق على الأحداث قائلاً :"إن الإخوان لم يفرقوا فقط بين المسيحيين والمسلمين ولكن عملوا على التفرقة بين الجميع، وطالب بأن تقوم المؤسسات في مصر بتنقية المناهج وتهتم بتدريس مبادئ المواطنة، وأضاف:"نحن مستعدين لتحمل فاتورة أخرى ونقدم المزيد من التضحيات، شريطة أن نرى نتيجة لأولادنا بعد 10 أو 15 سنة يتمتعون بالتحضر والثقافة مثلما نرى في بلاد كثيرة عمرها أقل من مصر صاحبة الحضارة والرقي. وتابع قائلاً: "مصر مذكورة بالكتاب المقدس، ومباركة، لكن لابد من تأهيل كوادر شبابية تعمل على الأرض، ونبدأ بالصغار والكبار أيضاً لأن المعلمين بالمدارس يحتاجون إلى مزيد من التوعية بثقافة التسامح وقبول الآخر. الشيخ عماد طه وقال الشيخ عماد طه العضو بهيئة علماء الوعظ بالأزهر الشريف: "إن الأقباط في مصر أرسلوا رسالة عظيمة، فلم يستغيثوا بالغرب ولم يطالبوا بالحماية من أحد، وقد تبين للجميع دون مزايدة من أحد على وطنية أقباط مصر، حين احتسبوا ما حدث لكنائسهم وممتلكاتهم عند الله تعالى، فداءً للوطن، وحين أكدوا أكثر من مرة أنهم سيصلون في المساجد إذا حُرقت كافة الكنائس مظهرين في ذلك الوحدة الوطنية بشكل عملي وليس نظريا.