فوق نار إعلامية حامية تُصلى هذا الآوان حركة حماس وحزب الله، رغم اختلاف الدوائر والجهات التي تستهدفهما معاً، وتتوخى تشويههما والنيل من مكانتهما وسمعتهما على حد سواء.. ففي كل يوم نشهد ونسمع سيلاً من التصريحات والتعليقات الغوغائية المسمومة التي من شأنها شيطنة هذين الفصيلين المقاومين، وتأليب الرأي العام العربي والاسلامي عليهما، ودمغهما بالتمذهب والتخريب والارهاب والانصراف عن مقاتلة العدو الاسرائيلي لجهة التدخل الفظ في شؤون البيت العربي، والعبث بمقدراته وتوازناته وخصوصياته. بدعوى شيعية حزب الله وتدخله في الشأن السوري، يتعرض ليل نهار الى حملة سياسية واعلامية ضارية من قبل جماعات الاسلام الوهابي التي تتولى تكفيره والنيل منه والتحريض عليه والتحامل على قيادته.. وبدعوى اخوانية حركة حماس وتدخلها في الشأن المصري، تتعرض هي الأخرى الى أشد الحملات والهجمات المغرضة والثأرية على يد جملة من الأقلام والفضائيات المصرية والخليجية والأوسلوية التي تتبارى في بث أوسع موجات الكراهية والتشكيك والافتراء على هذه الحركة المجاهدة. ولعل أبسط رصد أو تحليل لهذه الحملات المتعددة الأطراف، سوف يثبت أنها ليست بريئة ولا مرتجلة أو عشوائية أو انفعالية أو "بنت ساعتها"، بل تفوح من جنباتها روائح تآمرية كريهة تشي بانها مدبرة بليل، ومخططة بدقة، ومعدة في الغرف المغلقة، ومرسومة سلفاً ومع سبق الاصرار والتعمد.. فليس من قبيل الصدفة أن يجتمع كل الأضداد والأفرقاء، وفيما يشبه الأوركسترا الشديدة التناغم والانسجام، على أمر واحد محدد هو تقزيم المقاومة العربية وتسفيهها واذلالها وتدمير هيبتها وشعبيتها، سواء كانت فلسطينية او لبنانية.. شيعية أو سنية.. فاعلة أو خاملة. فالمهم، لدى الأعداء والعملاء في هذه الحالة، هو ضرب مبدأ المقاومة وفكرتها ومفهومها وفلسفتها في العقل العربي، واعتبارها عبثاً لا طائل تحته ولا نفع فيه، واهالة التراب على فصائلها وأسلحتها بوصفها جزءاً من الماضي الذي مضى وانقضى، شأنها في ذلك شأن معظم الجيوش العربية التي تقاعدت أو تفككت أو انهمكت في ملاحقة الأزمات الداخلية والحروب الأهلية. فرق كبير بين النقد والحقد.. بين النصح والردح.. بين التوجيه أو الترشيد أو التصويب، وبين التهجم والتجريح والاتهام والتأليب، ولو كان ما تتعرض له حماس وحزب الله حالياً من ضجيج اعلامي وطنين كلامي يندرج تحت عنوان النقد والنصح، لكان جديراً بالترحيب والتثمين، باعتباره مؤشراً على حسن النية وسلامة القصد، واسهاماً في تطوير الأداء وتصحيح الأخطاء وإضاءة دروب الكفاح والعطاء.. ولكن الحاصل هو العكس تماماً بكل أسف، فالمرجفون الأوغاد لا يضمرون لقوى المقاومة إلا السوء، ولا يريدون بها الا الشر والضرر والهزيمة. حتى العار يخجل مما يتقول هؤلاء الأوغاد على قامة شامخة مثل السيد حسن نصر الله، وحتى الخزي يستحي مما يأفكون بحقه، وحتى اللعنة تتبرأ من أضاليلهم وأباطيلهم، وحتى أعتى الخيانات تتواضع أمام خياناتهم ونذالاتهم، وحتى أشرس فيروسات الخسة والدناءة والقباحة والوقاحة تعجز عن منافسة قبائحهم ووقاحة ألسنتهم وأقلامهم التي استمرأت التطاول على هذا القائد المقدام الذي هزم العدو الصهيوني مرتين، ومرّغ أنفه في تراب الجنوب اللبناني، وكشف زيف أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأجهز على استراتيجية التوسع الصهيوني التي كانت تعربد في عموم الجغرافيا العربية. كيف أمكن لهؤلاء الأقزام التجرؤ على هذا العملاق؟؟ كيف طاوعتهم حناجرهم لهجائه والهتاف ضده؟؟ كيف سايرتهم حروفهم لتجريمه وكيل الشتائم والسخائم له؟؟ كيف وافقتهم ضمائرهم – إن كانت موجودة – على تسميته حسن نصر "اللات" وليس "الله"، في إشارة خسيسة الى انه يعبد الأصنام من دون الله ؟؟ ماذا تريد اسرائيل منهم أكثر من هذا الوصف الشائن، والقول الفاحش، والتشويه الفادح لهذا الفارس الشجاع الذي استخرج النصر المؤزر من ركام الهزائم العربية المزمنة ؟؟ مؤكد ان حسن نصرالله، وخالد مشعل وعموم قادة المقاومة في حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله، قد أخطأوا بمثل ما اصابوا في تقديراتهم وحساباتهم واجتهاداتهم، وقد حالفهم التوفيق مراراً وخانهم الحظ تكراراً.. فهم من طينة البشر وليس من جنس الملائكة، وهم ليسوا معصومين ولا مطهرين ولا منزهين عن الطبائع الآدمية، وهم لا يعملون تحت ظلال الزيزفون وفوق ارائك اليسر والراحة، بل وسط ظروف عصيبة، ومعادلات صعبة، واحداث قاهرة.. ولكن شتان بين وصف أعمالهم بالخطأ ووصمها بالخطيئة، وبين احتسابهم مجتهدين واعتبارهم خوارج ومجرمين، وبين تحميلهم مسؤولية أخطائهم وبين تحميلها لنهج المقاومة على اطلاقه وفي حد ذاته. كلنا يعرف أن "الحكاية مش رمانة ولكن القلوب مليانة"، وكلنا يدرك أن هذه الزمر الحاقدة والجاحدة والمزايدة تمقت المقاومة منذ زمن بعيد، وتدعي الحرص عليها من قبيل التظاهر وذر الرماد في العيون، وتتخذ من أخطائها ذرائع ومبررات لضرب أنبل وأجمل وأفضل ما فيها من مزايا وسجايا وخصال كفاحية حميدة ومجيدة، وتهتبل فوضى "الربيع العربي" لنفث سمومها وبث اراجيفها بين ظهراني الرأي العام العربي والاسلامي، تارة باسم المذهبية، وأخرى بدعوى الواقعية والعقلانية، وثالثة بحجة البعد عن أعمال المغامرة ضد اسرائيل، والانصراف لمتابعة الشؤون الداخلية والهموم المعاشية. كم هي مؤسفة ومقرفة ومثيرة للغثيان، هذه المضاربات والمناورات والمؤامرات السياسية والاعلامية والسيكولوجية الدائرة على مدار الساعة، والهادفة ليس الى تحطيم المقاومة فحسب، بل الى غسل العقول، وتخريب الوعي، وتحفيز الغرائز، وتبديل الأولويات، وتزوير المعاني والمصطلحات، وتسويق ثقافة الذبح، وترويج فتاوى بقر الصدور وأكل القلوب، وتحريف الكلم عن مواقعه لكي يغدو العدو صديقاً حميماً والشقيق عدواً مبيناً، وتصبح المقاومة الوطنية فعلاً مذموماً بينما جهاد المناكحة واجباً شرعيا محموداً. وكم هو موجع ومفجع أن تنشغل فضائيات الفتنة، وإعلاميات التضليل والتغفيل وتلبيس الطواقي في محاربة المقاومة الإسلامية، أو الاسلام المقاوم الذي يتكرس بالكامل لمكافحة العدو الصهيوني.. مقابل التطبيل والتبجيل للاسلام الوهابي التكفيري الذي لا يجد نفسه، أو يفعل أفاعيله، أو يرفع رايات جهاده، أو يحشد جماعاته وعصاباته، إلا في ديار العرب، وفوق تراب مصر واليمن وسوريا وليبيا والعراق.. تاركاً لاسرائيل الليكودية والتلمودية، أن تهود القدس، وتصادر الأقصى، وتبتلع الأراضي الفلسطينية تدريجياً وعلى مهل وبالتقسيط المريح!! رئيس تحرير جريدة المجد الأردنية