تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية عشرات التقارير والتحقيقات التي امتنعت عن نشرها منذ سنة حول الوضع في سوريا واسترجع بعضها أشرطة مسجلة من الأرشيف ومن يوتيوب عمرها أشهر لمشاهد قطع الرؤوس وأكل الأكباد وللمذابح الجماعية التي تنفذها عصابات القاعدة وتفرعاتها في سوريا وبدت هذه "الصحوة" الإعلامية مواكبة للجدل الذي أثاره قرار الرئيس الأميركي باراك اوباما بالعدوان على سوريا. أولاً: من أقوى التعبيرات عن التحول الإعلامي الغربي كانت مقدمة نشرة أخبار فوكس نيوز المنشورة على اليوتيوب يوم 12 سبتمبر الجاري وهذه القناة الأميركية التي يديرها المحافظون أجرت محاكمة سياسية لقرار الحرب وخلصت للقول إن باراك أوباما يريد التورط في مغامرة حربية جديدة من أجل القاعدة التي تقاتل الدولة السورية. المحرك الأول لهذا التحول هو إفلاس الحرب الغربية الخليجية التركية على سوريا وما أظهره الرأي العام في الولاياتالمتحدة وأوروبا من رفض للحرب وفقا لاستطلاعات متلاحقة بينت تبلور موجة شعبية عارمة في الغرب ضد الحرب على سوريا وكانت أبرز محطاتها وأقواها التصويت في مجلس العموم البريطاني الذي سحب حكومة صاحبة الجلالة من حلفها السرمدي مع الولاياتالمتحدة للمرة الأولى منذ أواخر القرن الثامن عشر حيث كان الثنائي الأنجلوسكسوني البريطاني الأميركي حاضرا في جميع الحروب ورافقت بريطانيا الولاياتالمتحدة كظلها في مغامراتها العسكرية. نزعة رفض الحرب ناتجة عن هزائم الولاياتالمتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان وعن خسارتها لثلاث حروب إسرائيلية ضد لبنان وقطاع غزة قادتها بعد احتلال العراق والآثار الاقتصادية والسياسية والنفسية لتلك الحروب الخاسرة تتراكم على الصعيدين السياسي والشعبي وتبدل في الأولويات التي تحرك الرأي العام بينما تهاوت رهانات كثيرة بفعل صمود سوريا وكسرها لاندفاعة عهد الإخوان الذي سقط في مصر وتداعى في تركيا. ثانياً: أظهر معظم ما نشرته وسائل الإعلام الغربية مؤخرا أن التطورات الجارية في سوريا ناتجة عن قتال تخوضه الدولة الوطنية السورية الراغبة في الحوار والإصلاح ضد عصابات إرهابية تهيمن على معظمها فصائل قاعدية ويافطة الديمقراطية التي جعلتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عنوانا للعدوان على سوريا تهاوت وتصدعت فتكشفت عن قناع متهتك لدعم القاعدة ولمدها بالسلاح والمال الذي تكفلت به حكومات خليجية يعرف الرأي العام الغربي مدى ارتباطها بالقيم الديمقراطية وبحقوق الإنسان كالسعودية وقطر. ينبغي التأكيد في هذا المجال أن الرئيس بشار الأسد تمكن في أحاديثه المتلاحقة عبر وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية مؤخرا من تقديم صورة مقنعة عن حقيقة ما يجري في سوريا ومن الواضح أنه استطاع إحداث فرق كبير في صفوف الرأي العام والنخب السياسية وأكسب قضية سوريا صفة القضية المحكمة والمقنعة بهدوء وبسلاسة وبالاعتماد على الوقائع في تفكيك المنطق المعادي وأظهرت ردود الفعل ضد الحرب تفوق منطق الأسد بحيث أن ما عرضه من معطيات وشواهد وحجج تكرر وروده في تحقيقات تلفزيونية واقتبسه كتاب وصحافيون في عشرات المقالات من دون أن يعني ذلك تعاطفا أو انحيازا إلى سوريا ورئيسها ولكنه إنجاز فعلي للرئيس بشار الأسد في تفكيك رواية الغرب عن سوريا وتقويضها وهو يلاقي في توقيته الصحيح تبلور قوى اجتماعية وازنة في الولاياتالمتحدة وأوروبا تسعى لمنع الحرب على سوريا وتمانع التورط في أي حرب أخرى بسبب العوامل الاقتصادية والسياسية المعلومة ونتيجة قوة البراهين على تورط الغرب في استعمال القاعدة ودعمه لها على الأرض السورية والأهم أن سوريا برعت بإظهار قضيتها في الصورة المقنعة التي تحبط دعاية العدوان سواء من خلال تسوية الكيماوي ام عبر التزامها بالحوار الداخلي ودفاعها عن الوحدة الوطنية ومقاومتها للإرهاب والتخلف كدولة علمانية وطنية. ثالثاً: من عناصر التفوق السوري عامل هام ومؤثر انعكس في موقف الفاتيكان الرافض للعدوان والمبني على قضية مسيحيي الشرق في مجابهة التكفير القاعدي في بلد كانت دولته الوطنية على الدوام وطيلة عقود هي الدولة العلمانية الحامية للوجود المسيحي في المنطقة وداخل سوريا وقد برزت خلال الأسبوعين الماضيين مقاومة كاثوليكية عبر العالم وداخل الغرب بالذات تكافح لمنع الحرب على سوريا وانعكس نداء البابا للسلام والصلاة بارتفاع نسبة مناهضي الحرب في الولاياتالمتحدة إلى مايزيد عن الثلثين حسب استطلاع إيبسوس رويترز ويقدر الفارق بين ما قبل النداء وبعده بعشرين بالمئة يعتقد المحللون انهم الصدى لتأثر ثمانين مليون كاثوليكي أميركي بحركة الكنيسة التي أقامت الصلوات في الولايات الأميركية من أجل السلام في سوريا بينما كان اوباما وكيري يقرعان طبول الحرب لنصرة عصابات بندر المعروف باسمه داخل الولاياتالمتحدة كرمز لعصابات الحرب وكصانع لفساد مالي وصفقات سلاح وإرهاب مشبوهة وبدوره التاريخي في تأسيس القاعدة. طبعا إن موقف الفاتيكان هو نتاج تراكم نجحت الدولة الوطنية السورية في رعايته منذ اندلاع الأحداث وفي مواكبة حثيثة لجميع الاعتداءات التي استهدفت المسيحيين وكنائسهم واديرتهم على الأرض السورية وكانت للكنائس المشرقية وبطاركتها اليد الطولى في صناعة هذا التحول المؤثر الذي تسجل فيه مبادرات جليلة ومهمة للعديد من السياسيين والإعلاميين والقساوسة العرب والأجانب الذي احاطوا الكرسي الرسولي بما ينبغي من العناية في وجه بروباغندا عالمية رهيبة لتشويه الحقائق. هذه المؤشرات تعني أن الرئيس الأسد يقود انقلابا في المشهد السياسي والإعلامي لصالح سوريا وقضيتها العادلة وهي باتت تستدعي المزيد من الاهتمام والعمل الجدي إعلاميا وسياسيا وحشد الطاقات والجهود السورية والشقيقة والصديقة في كسب معركة مهمة تخدم فكرة التضامن مع سوريا في كفاحها ضد الإرهاب وتلاقي اتساع الناشطين في هذا الاتجاه على الصعيد العالمي وثمة جهد جبار ومهم بذلته وتبذله الجاليات السورية أساسا والعربية عموما في جميع أنحاء العالم يستحق الاحترام والتنويه والرعاية.