السيد ياسين : المدارس اليهودية تدعو للإبادة الكاملة لأي شعب يقف في طريق اليهود الفكر الصهيوني صاحب نشوء واتساع النظام الرأسمالي الذي قام علي أساس استعمار ونهب العالم الثالث "الفرد اليهودى يدرك أن ظهور العربي الحقيقي يهدد الكيان الصهيوني وينسف الادعاءات الصهيونية من جذورها، لذلك نجد أن صورة العربي المتخلف هي صورة متواترة في الصحافة الاسرائيلية لاتكف أجهزة الاعلام عن تأكيدها ولاتكف المقررات الدراسية عن تدعيمها في الوجدان الاسرائيلي والتأكيد ان العربي هو من الاغيار والاغيار هم كل انسان غير يهودي " هكذا يرى الكاتب والمؤرخ الكبير "عبد الوهاب المسيرى" فى إحدى قراءاته فى العقلية اليهودية "، ولكن الكاتب الكبير" السيد ياسين" فى بحثه فى جحور العقلية الصهيونية يفجر مفاجآت مثيرة جديدة ، كما سنرى فى عرضنا لكتابه الذى بين أيدينا…. يشرح الكاتب والمؤرخ " السيد ياسين" العقلية الصهيونية ، في كتابه " تشريح العقل الإسرائيلي" ، وذلك من خلال مجموعة من الدراسات التحليلية والنقدية المترابطة عن الصهيونية باعتبارها أيديولوجية عنصرية قامت علي أساسها عملية الإستيطان الإستعماري في فلسطين ، والتي أدت في النهاية إلي إنشاء الكيان الصهيونى عام 1948 ، ومعتمدا علي المنهج الإجتماعي. يتعمق ياسين في دراسة بناء المجتمع الصهيونى الراهن الذي قام علي أساس هذه الأيديولوجية العنصرية موضحا لنا دور الصفوة السياسية الصهيونية ، في وضع استراتيجية للتنشئة الإجتماعية تقوم علي التعصب العنصري إزاء العرب بوجه خاص واحتقار غير اليهود بوجه عام.. يبدأ ياسين كتابه بتتبعه لبداية نشأة الصهيونية ولا ينساق وراء الحديث التقليدي لنشأتها ، حيث يتبني المناهج العلمية " المنهج التاريخي والإجتماعي" في توضيح نشأة هذا الفكر العنصري، و يري أن الأفكار لا تنشأ وتتطور أوتتغير من فراغ ، وإنما لابد من ربطها باللحظة التاريخية وبنوعية البناء الإجتماعي السائد في المجتمع وانطلاقا من هذه النظرية يؤكد أن صعود نجم الفكر الصهيوني الذي ولدعلي يدي "جوبينو" في القرن التاسع عشر قد صاحب نشوء واتساع النظام الإمبريالي الذي قام علي استعمار ونهب شعوب العالم الثالث. يقول ياسين نصا " ولكي ينجز الفكر الإمبريالي مهمته المتمثلة في نهب شعوب العالم الثالث كان لابد أن يجد المبرر لذلك وهنا ظهرت دعاوي " عبء الرجل الأبيض" في تمدين الشعوب المتخلفة وغيرها من الصيغ العنصرية التي قصد بها إيجاد السند الفكري للعملية الإستعمارية ومن هنا نكتشف الصلة الوثيقة بين العنصرية والإستعمار ولذلك ليس غريبا أن نجد الصهيونية باعتبارها أيديولوجية عنصرية ، كانت هي الحركة السياسية التي قام علي أساسها الإستعمار الإستيطاني في فلسطين" ." ينتقل الكاتب إلي الحديث عن نشأة المجتمع اليهودي في فلسطين قبل تشريحه للنواحي النفسية والإجتماعية للشخصية الصهيونية ، حيث يشير إلي تبني اليهود لأيديولوجية متكاملة أطلق عليها أيديولوجية الريادة نسبة إلي الرواد الذين هم في الحقيقة طلائع المستعمرين الأوائل الذين هبطوا إلي أرض فلسطين ليكونوا مقدمة الإستعمار الإستيطاني لفلسطين مؤكدا علي أن هذه الأيديولوجية تكشف جذور الفكر العنصري، الذي صدرت عنه الصهيونية ، ويتمثل ذلك أساسا في نظرة الصهاينة ، إلي العرب الفلسطينيين أهل البلاد الأصليين وأخيرا في السياسات الإستيطانية التي كان أبرزها اقتحام الأرض أو العمل والحراسة والإنتاج. وفي ربطه للعلاقة بين الصهيونية والفكر العنصري الرأسمالي ، يشير "ياسين" إلي أن الصهيونية زعمت في أنها ستنهض في فلسطين بعبء رسالة حضارية تتمثل في تمدين وتحضر فلسطين وهذا الزعم يتطابق تماما مع الفكر العنصري الرأسمالي الأوروبي في القرن التاسع عشر الذي صاغ هذه الفكرة لكي تكون تبريرا ثقافيا لاستعمار الشعوب المتخلفة واستغلالها من قبل الرأسمالية الأوروبية تحت شعار " إعدادها وتمدينها." وهنا يقول ياسين " ويشهد علي علاقة الصهيونية بالرأسمالية الأوروبية ، ما قرره المفكر الصهيوني "موسي هس" رائد الدراسات الصهيونية من أن رسالة الأمة اليهودية ودولتها في فلسطين هي حماية نقطة التقاطع والإلتقاء بين القارات الثلاث ويوضح هذه الرسالة بقوله " وسيعيد رأسمالكم الحياة للأرض القاحلة وسيحول عملكم وجهدكم مرة أخري والتربة القديمة إلي وديان مثمرة ، بعد أن تنقذوا الأرض من براثن رمال الصحراء الممتدة بعد ذلك سوف يقدم لكم العالم من جديد آيات الولاء والإحترام." ويركز ياسين في كتابه علي توضيح ملامح الإستراتيجية النفسية الإجتماعية التي وضعتها الصفوة الحاكمة بالكيان الصهيونى ، لتحديد اتجاهات وطابع عملية التنشئة في المجتمع اليهودى ، مستندا علي دراسات عالم النفس اليهودى " جورج تامارين" الذي دفع ثمن موضوعيته وانتقاده للكيان الصهيوني في فلسطين ، وقد كشفت دراسات "تامارين" التي اعتمد عليها "ياسين" مدي التناقض سمة الواقع الإجتماعي والروحي في الكيان الصهيونى والتعارض بين العقيدة اليهودية ،التي تزعم رغبتها في إقامة مجتمع ديموقراطي تقدمي تسوده المساواة وبين القوانين الثيوقراطية العنصرية والمناخ السائد الذي يتسم بالتعصب والثقافة المنغلقة بالإضافة الي الإجراءات الشمولية القهرية التي تطبقها سلطات الكيان الصهيونى. ويؤكد "ياسين" أن الإستراتيجية التي وضعتها الصفوة الإسرائيلية اعتمدت علي قطع أواصر الإتصال بين الشباب اليهودى والعالم ، وذلك خوفا من ذوبانهم ، في مجتمعات أخري مشيرا إلي أن الحصار الثقافي أدي إلي سيادة مشاعر مريضة إزاء أي نقد يوجه إلي الممارسة السياسية والإجتماعية في المجتمع الإسرائيلي بالإضافة إلي نمو مشاعر الشك إزاء الغرباء والتعصب والتطرف الأيديولوجي وكذلك ظهور الفجوة الواسعة بين نصوص القوانين وتطبيقها.. كما يستند "ياسين" أيضا إلي دراسة "جورج تامارين" التي أحدثت ضجة كبري في إسرائيل لأنها كشفت بطريقة علمية وموضوعية عنصرية المجتمع الإسرائيلي ، وقد أجري "تامارين" هذه الدراسة علي 1066 طالب وطالبة يهود ، ووزعت الإستمارات في مدارس " تل أبيب" وقرية بالقرب من "الرملة" ، وفي مدينة "شارون" واعتمدت علي سفر يشوع بن نون في الكتاب المقدس الذي يدرس في المدارس اليهودية ، في الصف الرابع حتي الثامن ومن المعروف أن هذا السفر يحتل مكانا خاصا في نظام التعليم الإسرائيلي ، وهذا السفر يدعو الي الإبادة الكاملة لأي شعب يقف في طريق الشعب اليهودي ، والمؤسف أن النسبة الكبيرة من الطلبة أيدت هذا السفر الذي يبيح إبادة الشعوب من أجل اليهود وتوصلت هذه الدراسة إلي عدة نتائج ، وحقائق منها أن تدريس التوارة بدون نقد في المدارس الصهيونية ، أدي إلي تزايد عنف وتطرف الشباب الإسرائيلي كما توصلت أيضا إلي وجود تنسيق بين النظام التعليمي الصهيونى ، وأجهزة التنشئة الإجتماعية التي تقوم بزرع الإتجاهات العنصرية والتعصبية في وجدان وأذهان الشباب اليهودى.. ويتوصل "ياسين" من خلال دراسات عالم النفس الإسرائيلي " جورج تامارين" إلي أن الصفوة الحاكمة الإسرائيلية وضعت نموذج عنصري محدد ينهض أساسا علي الشك في غير اليهود عموما والعداء إزاء العرب خصوصا ، وكل ذلك انطلاقا من المقولة العنصرية الأساسية التي تزعم أن اليهود هم شعب الله المختار ولذلك هم أسمي الأجناس قاطبة ويختتم "ياسين" حديثه في هذه الجزئية قائلا " ومن هنا وضعت الصفوة الإسرائيلية استراتيجية محددة للتنشئة الإجتماعية نسجت خيوطها من مسلمات الأيديولوجية الصهيونية العنصرية.".