وحدة صحة المرأة مهجورة منذ إنشائها في 2004 وسيارة الإسعاف معطلة .. و”التعليم” حولت الدور الأرضى إلى مدرسة أبناء القبيلة بنوا مسجدا بالجهود الذاتية .. ويحضرون واعظا من العريش مقابل 300 جنيه لإلقاء خطبة الجمعه أحد أبناء القبيلة: 15 طفلا ماتوا خلال 5 سنوات بسبب لدغات الأفاعي والعقارب وعدم توافر الأمصال تحقيق : محمد علي ليست الجنسية أو الاوراق الرسمية هى المشكلة الوحيدة التى يعاني منها عزازمة سيناء، فهم كغيرهم من أبناء وسط سيناء أو هضبة التيه كما يسميها أبناء القبائل، يفتقدون أى مظاهر للتنمية والخدمات الصحية، وحتى البنية التحتية الضعيفة أصلا لديهم، تضررت بشدة خلال السيول الأخيرة التى ضربت سيناء. إهمال وسط سيناء، وافتقاره للتنمية يظهر بوضوح في مناطق تمركز قبيلة العزازمة، فهم يعيشون في منطقة ذات طبيعة قاسية، تندر فيها الأمطار، ويضاف إلى ذلك أنها منطقة حدودية، وبالتالى فإن أى محاولات للتنمية تصلها متأخرة. لم تعرف مناطق العزازمة حتى الآن خطوط المياه أو الكهرباء، بل إن المشهد الأكثر تكرارا هناك هو اصطفاف أبناء القبيلة أمام سيارات المياه القادمة من مركز مدينة القسيمة للحصول على حصتهم من المياه، وملء “الجراكن” والصفائح المعدنية بالمياه النظيفة. أما الكهرباء فلا أثر لها حيث يغطى المنطقة الظلام الدامس ليلا إلا بعض اللمبات الصغيرة التى تعمل بالمولدات الكهربائية. تكبدت قبيلة العزازمة خلال السيول الأخيرة الكثير من الخسائر بعد أن جرف السيل الغلال وأشجار الزيتون التى عادة ما يزرعها العزازمة كما يقول عيد سلامة عودة الذى يتحسر على 20 فدانا من أشجار الزيتون، والشعير، والقمح جرفتها السيول، ويقول عيد: “لم تمطر بهذا الشكل منذ 7 سنوات .. كنا نزرع ونبنى في مجرى السيل ولم يخبرنا أحد أنها خطرة”. يرى العزازمة أن مشكلتهم الأهم هى نقص المياه بشكل عام وتحديدا المياه الصالحة للشرب، كما يقول عودة شتيوي الذى يعتمد مع أبناء قبيلته على مياه الأمطار بالاضافة إلى سيارات المياه التى يرسلها لهم مجلس مدينة القسيمة، ويضيف شتيوي: “كانت سيارات المياه تأتينا كل يومين .. لكن بعد السيول وإنقطاع الطريق الأسفلتى أصبحت تاتى كل 10 أيام .. ولا تكفينا”. على بعد 200 متر من “المقعد” الخاص بالقبيلة، أقامت وزارة الصحة وحدة صغيرة لصحة المرأة تتكون من طابقين، وأمامها تقف سيارة إسعاف. من المفترض أن تتولى هذه الوحدة الرعاية الصحية لأبناء قبيلة العزازمة لكن الوحدة وفقا للشيخ سالم أبو جنب – شيخ العزازمة – مهجورة، ولا يوجد بها أطباء أو ممرضات منذ انشائها في 2004، ويضيف أبو جنب : “هذا المبنى خاو إلا من روث الطيور التى استقرت بداخله منذ سنوات .. أما سيارة الإسعاف فهى معطلة وبلا مسعفين، ولم تتحرك من مكانها منذ فترة طويلة”. باختصار شديدة فإن كل ما يرمز للدولة المصرية في مناطق العزازمة مجرد وحدة صحية خاوية وسيارة إسعاف معطلة. الاهمال الصحى للعزازمة يدفعهم إلى اللجوء إلى أساليب العلاج البدائية كما يشرح عودة سلمان – أحد أبناء القبيلة – وأهمها العلاج بالكي والعسل والأعشاب. تفرض الطبيعة الجبلية للمنطقة على العزازمة خطر أخر، يتعلق بإنتشار الأفاعى والعقارب التى أسفرت لدغاتها عن مقتل 15 طفلا على مدار 5 سنوات، ووفقا لأبناء القبيلة فإن هؤلاء الأطفال لقوا هذا المصير لأنهم لم يتحملوا العلاج بالكي، ولم تتوافر لهم أى أمصال مضادة للدغات الأفاعي والعقارب. يعد انخفاض مستوى التعليم واحدة من المشكلات التى يعانيها أبناء العزازمة، فالقبيلة التى تبلغ 5 آلاف فرد، لم ينتظم منهم في التعليم إلا 75 طالبا في المرحلتين الابتدائية والاعدادية. ورغم انتشار الأمية بين أبناء عزازمة سيناء إلا أن شيوخ القبيلة اهتموا بتعليم صغارهم، فانشأوا مدرسة بالجهود الذاتية في 1999، بدون أى مساعدة حكومية، لكنها لم تصمد أمام إحدى موجات الأمطار القوية التى تضرب المنطقة من وقت إلى أخر. لم تفكر الحكومة في بناء مدرسة جديدة لأبناء العزازمة بل نقلت الطلاب وكتبهم ومقاعدهم الخشبية إلى الدور الأرضي من وحدة صحة المرأة المهجورة، ووضعت على المبنى لافتتين؛ الأولى لوحدة صحة المرأة، والثانية لمدرسة “ملحقة الجايفة العزازمة”. أما المبنى من الداخل فقد تحولت غرف الكشف إلى فصول للطلاب، وسكن للمدرسين بينما نقش الطلاب جدول حصصهم على الجدران. يحرص العزازمة على أداء واجبتهم الدينية، لذا بنوا مسجدا بالجهود الذاتية لكن وزارة الأوقاف لم ترسل لهم واعظا دينيا طوال السنوات الماضية، ولو لإلقاء خطبة الجمعه. هذا الوضع يضطر عيد مصلح عودة وأخرون من أبناء العزازمة إلى قطع مسافة حوالي 80 كيلومترا حتى العريش كل يوم جمعه لإحضار واعظ يتقاضي عادة 200 جنيه مقابل الخطبة بالاضافة إلى 100 جنيه ايجار السيارة التى ستحمله إلى مضارب قبيلة العزازمة. ويقول عودة: “في بعض أيام الجمعه لا يتوافر معنا هذا المبلغ لذا نضطر لأداء الصلاة بدون خطبة”. ووفقا لتقديرات الشيخ سالم أبو جنب – شيخ العزازمة – فإن الظروف الصعبة دفعت 5% من أبناء القبيلة إلى هجرة مضاربهم، والانتقال للعيش في العريش وأماكن متفرقة من سيناء سعيا وراء الرزق. مواضيع ذات صلة 1. خالد البلشي: هل يموت الذي كان يحيا كأن الحياة أبد؟