أعرف أن مواطنا مصريا، مدنيا، تعرض لمحاكمة عسكرية عاجلة، و«انطس» ثلاث سنوات، لأنه كتب فى مدونته ما سبب الإزعاج للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكننى لا أعرف أين ذهب القانون، فى جرائم كثيرة انتهت دون أن يعرف أحد من الجانى ومن المجنى عليه، وجرائم كثيرة لم تزل وقائعها تدور «عيننى عينك» دون أن يعرف أحد أين اختفى (فجأة) القانون الذى يحكم المحروسة. وأعتذر للواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فلست فى وضع يؤهلنى للتعامل مع مثل هذه التصريحات” البلهلوانية “التي صدرت عنه «المجلس الأعلى للقوات يدير شئون البلاد ولا يحكمها» على الأقل لأن الإعلان الدستورى الصادر من مجلسكم الأعلى لم يتضمن تعريفا للإدارة وأخر للحكم! كما أننى لم أفهم معنى «أن جميع المؤسسات تعمل تحت إدارة مجلس الوزراء والهيئات القضائية، وبالتالى فإن القوات المسلحة لا تتدخل إلا عند الضرورة»، دعك الآن سيادة اللواء من حكاية «عند الضرورة» هذه، واسمح لى أن استفسر منكم عما إذا كان مجلس الوزراء هو الذى أصدر أوامره للشرطة العسكرية باقتحام جامعة القاهرة؟ وهل مجلس الوزراء هو من أصدر أوامره للجيش «بتطهير» ميدان التحرير من «الثورة المضادة» يوم 9 أبريل؟ وهل تريد سيادتكم أن تقولوا لنا أن المشير طنطاوى جلس أما الفضائيات يترقب أخبار حركة المحافظين الجدد؟ لأنه يدير ولا يحكم؟ أليس هذا نوعا من التلاعب بالألفاظ لا يليق؟ ثم ما هى تلك الضرورة التى يتدخل عندها المجلس الأعلى؟ هل لدى سيادتكم بعض الوقت لنستعرض معا بعض هذه (الضرورات)؟ لا يعنينى ما إذا كانت أذن المواطن القناوى قد طارت إعمالا للشريعة الإسلامية، أو أنها كانت ضحية معركة (صعيدية)، ما يعنينى بالضبط هو أين المجرم؟ وهل تنازل صاحب الأذن الضائعة عن حقوقه (بصرف النظر عن أسباب وملابسات تنازله) تعنى أن يضيع حق المجتمع ويفقد القانون مكانته؟ هل هناك ضرورات أعلى وأهم من هيبة الدولة واحترام القانون؟ لست معنيا كثيرا بتفاصيل هدم كنيسة قرية صول، لكن ما يعنينى أن هناك جريمة/جرائم وقعت فى المسافة الممتدة من علاقة عاطفية بين مسيحى ومسلمة، وصولا إلى هدم الكنيسة، لكن يبدو أن (ضرورة) إعادة بناء الكنيسة، أهم وأولى عند المجلس الأعلى للقوات المسلحة من (ضرورة) احترام القانون وإعماله وفرض هيبة الدولة. لست معنيا بما إذا كانت السيدة كاميليا شحاتة مسلمة أم مسيحية، لكن ما يعنى هو ما إذا كانت محتجزة رغم إرادتها أم لا، وما يعنينى هو ما إذا كان من حق بعض «أصدقاء» جهاز أمن الدولة أن يفرضوا سطوتهم على الدولة ويحاصروا الكاتدرائية مطالبين بالإفراج عنها؟ أعرف ويعرف اللواء الملا أن هذه المظاهرات تهدد كيان الدولة وسيادتها، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يرى أية ضرورة للتدخل، لأنه يدير ولا يحكم. ثم من المسئول عن بقاء رجل الأعمال إبراهيم كامل حرا طليقا منذ ورود اسمه بين مدبرى «موقعة الجمل» وحتى وقائع ما جرى فى ميدان التحرير يوم 9 مارس؟ هل هو مجلس وزراء أحمد شفيق؟ أم مجلس وزراء عصام شرف؟ وهل «الإدارة» تعنى أن يبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة جالسا فى مواقع المتفرجين؟ لقد ظلت أجهزة إعلام ودعاية مبارك تكرر على مدى سنوات أنه لا أحد يصلح فى مصر لمنصب الرئاسة، والأولى بالمنصب هو سمو ولى العهد، نزيل ليمان طره الآن، فإذا بحركة المحافظين تضع هذه المقولة النظرية فى التطبيق العملى، مصر تفتقر لكفاءات تصلح لمنصب محافظ، وليس أمامنا سوى الاستعانة برموز عهد الفساد والاستبداد، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير ولا يحكم. ثم من هى تلك «الثورة المضادة» التى قضى عليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ميدان التحرير يوم 9 أبريل؟ الكل يعرف أن يد العدالة لم تطل مبارك إلا بعد «جمعتى» إنقاذ الثورة، فى الأول والثامن من ابريل، وإن حكاية الثورة المضادة فى ميدان التحرير كانت هى البوابة الملكية أمام جنرالات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليتخلصوا من ضغوط الثوار، بشهادة بقاء رموز ومرتكزات نظام مبارك فى مواقعها، منذ 11 فبراير وحتى الآن (أليس هؤلاء ثورة مضادة؟)، وبشهادة إعادة توزيع بعضهم فى مناصب المحافظين (أليس هؤلاء ثورة مضادة؟)، وبشهادة أن المجلس اختار ضريح الجندى المجهول مكانا لإقامة ما أسموه «جمعة رد الجميل»، مبتعدا تماما عن شبح ميدان التحرير، (الذى أطاح بمبارك ويبدو أن أصبح مصدر أرق أيضا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة)، ثم بشهادة أن السيدة سوزان مبارك مازالت حرة طليقة رغم ما أثير حولها من اتهامات وشبهات، متعلقة -أولا- بالاستيلاء على حساب خاص بمكتبة الإسكندرية، أكد الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة، ومجلس أمناء المكتبة أنهم لا يعرفوا عنه أى شيء، ومعلقة –من ناحية أخرى- على تربح من مشروع مكتبة الأسرة، ثم مرتبطة –ثالثا- بدورها فى إفساد الحياة السياسية. بعض القنوات الفضائية تبث بين وقت أخر فيلم فيديو مدته أقل من دقيقتين لاجتماع يضم كل من الرئيس المخلوع وأحمد عز وجمال مبارك وسوزان مبارك، ولا يعرف أحد ما إذا كان هذا الفيلم تسجيلا لزيارة عائلية قام بها أحمد عز لأسرة الرئيس المخلوع فاختاروا استضافته على مائدة اجتماعات بغطاء أخضر؟ أنه اجتماع حزبى أم ماذا؟ ولا يعرف أحد ما هى علاقة السيدة سوزان بهذا الاجتماع؟ والشارع المصرى يتحدث عن وزراء السيدة سوزان، لكن أحدا لا يعرف الحقيقة ولا ما هى حدود مسئولية ودور «سيدة مصر الأولى» فى اختيار بعض الوزراء؟ والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يزل يدير ولا يحكم!! يأخذنا هذا إلى محاكمات رموز نظام مبارك، فيبدو الأمر مثيرا للدهشة (ولا أريد أن أستخدم كلمة أخرى) أن تكون اتهامات زكريا عزمى وصفوت الشريف وفتحى سرور هى امتلاكهم لعدد من القصور والفيلات؟؟؟ هلا كل جريمة زكريا عزمى هى أن لديه خمس فيلات وكان يجب أن يكون لديه اثنتان فقط؟؟ وماذا عن الإفساد السياسى والاجتماعى؟ ماذا عن دورهم فى تقنين الرشاوى والعمولات والسمسرة وفتح الأبواب أمام اللصوص والنصابين والحرامية ليتحكموا فى مقادير الوطن وينهبوا ثروات الشعب؟ وماذا عن دورهم فى تزوير الانتخابات؟ وحكم البلاد بقوة البلطجة والتزوير؟ فى كلام اللواء مختار الملا ما يعنى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يتدخل فى شئون القضاء، وهذا يستدعى سؤالا عن أسباب مطاردة «الثورة المضادة» فى ميدان التحرير فقط دون غيره، وتركهم بعد ذلك يعيثون فسادا فى الوطن؟ يتهم اللواء مختار الملا «فلول النظام السابق من قيادات داخلية وجهات خارجية تهدف إلى انهيار مصر، بالوقوف وراء الانهيار الأمنى وأعمال الترويع والبلطجة»، حسنا وماذا بعد؟ وما هو دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى التعامل مع هذه الفلول؟ هل كونه يدير ولا يحكم يعفيه من المسئولية؟ عندى سؤال صريح وربما صادم، للواء مختار الملا وزملائه فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة: حول وقائع حمايتكم للثورة وهل يمكن أن تذكر واقعة تؤكد مثل هذه الحماية ؟ أنا عندى عشرات الوقائع، منذ موقعة الجمل، تؤكد أن المؤسسة العسكرية ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تتربص بالثورة وربما تقود المضادة . وأنا فى انتظار محاكمتى عسكريا، لأننى تجاوزت فى «الذات الملكية» التى تدير البلاد ولا تحكمها.