عام من التكفير والخطاب الديني المعادى للآخر، مارسته وسائل مختلفة، منها القنوات الدينية والأحزاب السياسية، وهنا تولدت المشكلة الحقيقية، والأزمة وراء كل ما يحدث الآن في مصر، وهو وجود تلك الأحزاب الدينية، التى لم يسمح بها أي دستور في العالم، وخلا منها التاريخ الدستوري المصري، بدءا من دستور 1923، حتى إعلان المجلس العسكري الدستوري في 2011، لكن الدولة المصرية سقطت في فخ هذه الأحزاب مع دستور الإخوان. والسؤال: هل خرجت الملايين في 30 يونيو تعبيرا عن رفضها لمحمد مرسى شخصيا، أم لمنظومة دولة وطريقة حكم اتخذت من نفسها ظلا لله في الأرض؟ قال الدكتور نبيل عبد الفتاح - الخبير في شئون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، بعد 30 يونيو سوف تتأثر هذه الأحزاب كثيرًا نتيجة الصراع بين الإخوان والقوى السياسية التي تحالفت مع أجهزة الدولة، خاصة مع استخدام هذه الجماعات خطابات اتسمت بالعنف والكراهية. وأضاف أن الاستخدام المفرط للتكفير الديني ساهم في إحداث انقسامات شديدة في المجتمع المصري على أساس ديني ومذهبي، الأمر الذي حرض هذه الجماعات على ممارسة العنف ضد الشيعة والأقباط والمواطنين الآمنين. وأكد "عبد الفتاح" أنه وفقا لهذه الممارسات تكونت فجوة نفسية بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعقائدية والدينية والثقافية والاجتماعية وبين التيارات الإسلامية، خاصة أن هذا العنف في الخطاب التكفيري، والعنف اللفظي والمادي المترتب عليه أدى إلى انفصال بين الفكرة الإسلامية السياسية الدينية وبين البعد الأخلاقي الذي كانت تطرحه هذه التيارات في السوق السياسي المصري. وأشار إلى أن هذا الانفصال أدى إلى التأثير على الأيديولوجية الإسلامية السياسية خلال هذا العام، ومن ثم سوف تتآكل قواعد تأسيس هذه الأيديولوجية، ولكن في نفس الوقت ستبقى لهذه الأحزاب الدينية قواعدها الاجتماعية. ورفض "عبد الفتاح" فكرة إقصاء الأحزاب الدينية، لاسيما وأن سياسة إقصائها وقمعها أثبتت فشلها على مدار 60 عاما مضت، ومن ثم يجب انتهاج سياسة جديدة حيال هذه الأحزاب، تكون لها أبعادها ثقافيا واجتماعيا. أما الدكتور حازم حسنى - أستاذ العلوم السياسية، فيرى أن شرعية وجود الأحزاب الدينية تتوقف على النص الدستوري القادم، وهل يسمح بها أم لا، خاصة أن دستور 2012 لم يمنع تأسيس حزب على أساس ديني، على عكس دستور 1971 أو الإعلان الدستوري في 2011، ومع ذلك لو غامرت الدولة واستمرت في مهادنة التيارات الإسلامية، كما حدث مع حزب النور في الإعلان الدستوري الذى أصدره الرئيس المؤقت، فسوف يكون الأمر شديد الخطورة، وربما يقود إلى ثورة ثالثة. وأضاف أن استمرار الأحزاب الدينية مقدمة لحكم ديمقراطي يحكم باسم الله، ويحتكر الحقيقة الإلهية، ويعد نفسه المفوض القائم على تنفيذها، وهذا ما سعى الإخوان إلى ممارسته خلال العام الماضي، وهذه الفكرة في ظاهرها وجوهرها تهدم بلا شك فكرة الديمقراطية التي تقوم على حكم الشعب وليس حكم "مفوض" وسيطا بين الله والبشر!! وأكد "حسني" أن اختفاء الأحزاب الدينية يتوقف على فلسفة الدستور المقبل، فإذا ما جاء "جمهوريا" لن يسمح بالإشارة إلى وجودها في أي من مواده، لأن "الجمهورية" تعني الفصل بين ما هو ديني يتم داخل دائرة الفضاء الخاص لكل شخص يعبر عنها في سلوكياته وحياته، وبين ما هو عام تقتضيه فكرة الدولة عبر مؤسسات وإستراتيجيات، كما أن "الجمهورية" تعنى الفصل بين ما هو نص دستوري وبين نصوص كتب العقيدة. وحول إمكان الاحتجاج بوجود أحزاب مسيحية في أوروبا، قال "حسني" إن هذه الأحزاب تخضع لشروط اللعبة السياسية ولا تحكم باسم الله، ولا تطالب المواطنين بانتخابها كوسيلة أو ضمان لدخول الجنة، وتكتفي بالاستناد إلى أفكار تتفق مع روح المسيحية مثل رفض زواج المثليين وتحريم الإجهاض وهكذا. ويقول الدكتور مصطفى كامل السيد - أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن استمرار حزب الحرية والعدالة سوف يحظى بتأييد جماهيري أقل في الفترة المقبلة من قبل المجتمع المصري، بسبب أدائه السلبي على مدار عام كامل، فضلا عن خروج الملايين من المصريين مطالبين بإنهاء حكم الرئيس المعزول المنتمي لهذا الحزب. وأضاف أن تناقص شعبية جماعة الإخوان وحزبها سوف ينسحب بالضرورة على الأحزاب الدينية الأخرى، فتنال نصيبا أقل مما حصلت عليه من مقاعد في برلمان 2011. ورفض "السيد" فكرة حل الأحزاب الدينية لأنها تمثل فصيلا مهما من المواطنين المصريين، مشيرا إلى أنه من الأفضل استمرارها في العمل تحت أعين الدولة، حتى يتيسر متابعة نشاطها، مؤكدا أن حظرها لن يؤدى إلى حذفها من المجتمع. وتخوف "السيد" من النتائج التي يمكن أن يسفر عنها حل الأحزاب الدينية، مثل استخدامها العنف في مقاومة الحكومة والدولة، وإنما يمكن مجابهة الأمر بالسماح بها ككيانات معترف بها، بوصف تكوينها وعملها أعمال تقع ضمن الحق في حرية التعبير وحرية التفكير والاعتناق، على أن تقنن هذه الحقوق وفق ضوابط محددة. ومن الأهمية بمكان – والحديث ما زال ل "السيد" أن يتم النص في قانون الجمعيات الأهلية على حظر ترشيح الجمعية أحد أعضائها في الانتخابات أو العمل السياسي، كما كان يحدث في عهد الإخوان، وكذلك حظ تقديم أموال الجمعيات للأحزاب السياسية، وعدم استخدام دور العبادة في الأغراض السياسية، فكل هذه الضوابط يمكنها أن تكون ضوابط منظمة لعمل هذه الجمعيات بما يفصل بين توجهها الديني والعمل السياسي. وعلى المستوى العملي، هناك دعاوى قضائية تم رفعها لحل الأحزاب الدينية قدمتها جمعية "مصر الفاطمية لحقوق الإنسان" وحركة "عين العدل". وعن هذا الواقع يقول بهاء أنور - مدير الجمعية، إنه تم رفع دعوى قضائية أمام محكمة الجيزة، للمطالبة بحل حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، استنادا إلى عدة اتهامات، منها مسئولية محمد مرسى عن قتل المتظاهرين، وتشجيعها على تكوين ميليشيات مسلحة ضد المواطنين المدنيين، وخطورة هذه الأحزاب على سلم المجتمع وأمنه العامين، بل وتهديد أقليات المجتمع وتوجيه العنف تجاهها. وأكد "بهاء" أن هناك 10 مليون قبطي، و15 مليون صوفي، ومليون شيعي، و6 مليون نوبي، وغيرهم من أبناء المجتمع الذي خرج في 30 يونيو، كل هؤلاء لا يمكن أن يقبلوا بالدولة الدينية التي سعت التيارات الإسلامية إلى فرضها. وتعجب "بهاء" من الخلط بين الدولة العلمانية والإلحاد، مشيرا إلى أنه في مقابل هذا الخلط القاصر لم يظهر حكم ديني ناجح، سواء في الصومال أو السودان أو إيران، فكلها دول دينية تعطى الحرية والسلطة للحكام في مقابل قهر الشعب!. ومن ناحيته، يرى عصام الإسلامبولى - الفقية الدستوري ضرورة حل الأحزاب الدينية، لأن استمرارها يمثل خطورة على المجتمع ويهدد بتكرار أخطاء الماضي. ويتعجب "الإسلامبولي" من عدم إلغاء الإعلان الدستوري المؤقت، واحتوائه على نفس نص المادة 10 المعيبة التي جاءت بدستور الإخوان، والتي لا تمنع إقامة أحزاب دينية إسلامية، تستغل فيها الدين وتتاجر به تبعا لأهدافها ومصالحها. نبيل عبد الفتاح: الخطاب الديني التكفيري خلق فجوة بين الأيديولوجية السياسية الإسلامية والبعد الأخلاقي مصطفى كامل السيد: الأفضل الإبقاء على الأحزاب الدينية لأن حظرها يدفعها إلى استخدام العنف حازم حسني: استمرارها يهدد بثورة ثالثة جمعية حقوقية: وجودها يمثل تهديدًا لأمن وسلامة المجتمع