عندما أنشأ حسن البنا الجماعة التبليغية الدعووية التي اطلق عليها بعد اعوام على قيامها اسم "الاخوان المسلمون " تيمناً بما بالوصف الإلهي للمؤمنيين بأنهم إخوانا، عندما قام البنا بذلك وضع للجماعة شعاراً – مبدأً هو:" دعاة و ليس قضاة" ما يعني أن لقاءهم لم يكن بداعي العمل للسلطة و الحكم بل من اجل التبليغ و الدعوة للاسلام السمح. وفي سعيها للانتشار اصطدمت هذه الجماعة بفكرة القومية العربية التي يسعى دعاتها الى عمل نهضوي عربي وحدوي غير قائم على أساس ديني او مذهبي، دون أن يعني انكارا أو مجافاة للدين، فالقومية لا تعني قطعا الحاداً، كما ان التمسك بالدين والالتزام بتعاليمه لا يعني التنكر للوطن و القومية لا بل ان من المأثور القول أن حب "الاوطان من الايمان "فضلا عن القاعدة الاساس في الاسلام القائمة على فكرة الوطن و ربط اداء العبادات به، كما و الامر الإلهي للرسول في بدء الدعوة "وانذر عشيرتك الأقربين" تاكيدا على ما استقام لاحقا من قاعدة "الاقربون أولى بالمعروف ". ورغم ان جوهر الاسلام وروحه ونصه لم يتضمن ما يتنكر للوطن وللعشيرة والقومية – لكنه منع التعصب الجاهلي ولم يمنع المحبة والاهتمام بذوي القربى وشتان ما بين الأمرين – رغم ذلك فان الإخوان المسلمين ساروا في سلوكهم بشكل لا يتفق مع ما سبق، حيث ظهر من اداءهم ما يعاب عليهم لجهة القفز فوق الوطن، ومجافاة القومية والتعصب للتنظيم، و نزعة الاستئثار والاقصاء، والأفظع من كل ما ذكرنا، هو نزعتهم للصفقات مع القوى الأجنبية، في سلوك يكاد يؤكد ما يدور حول نشأتهم الأولى ودور المخابرات البريطانية فيها من علامات استفهام تشمل ايضا الجذور غير العربية وغير الإسلامية لحسن البنا بالذات كما يتدوال. هذه الطبيعة الإخوانية، قادت الإخوان المسلمين الى صراع مرير مع الانظمة الحاكمة على أساس قومي علماني في كل من مصر و سورية، حيث كان في الأولى مهدهم وفي الثانية راس الجسر الذي عبروا عليه للتمدد نحو المناطق الإسلامية في آسيا. كان صراع مع مصر- الناصرية ادى الى ملاحقتهم و اعدام بعضهم وسجن الآخر و فرار من نجا بنفسه ولجوء من تبقى الى العمل السري واعتماد الباطنية والتقية في السلوك. و الأمر نفسه تكرر في سورية بعد المجزرة التي ارتكبها الاخوان بحق ثكنة عسكرية كان من نتيجتها استشهاد 72 عسكريا من غير سبب أو مبرر، مجزرة فتحت صراعا مريرا مع الدولة التي يقودها حزب البعث، صراع لم يتوقف الا بعد ان اجتث من المجتمع السوري كل من عرف انه من الإخوان، و اضطرت الدولة لتجريم من ينتسب الى هذه الجماعة بعد ان صنفتها جماعة إرهابية إجرامية قاتلة. لقد امضى الإخوان المسلمون نيفاً وثمانية عقود وهم يتقلبون في العهود و لا يجدون في بيئتهم من يصادقهم او يتحالف معهم، حتى من الفئات التي تعتمد الفكر الديني و تلتزم الإسلام، و ما كان طبيعيا و منطقيا اللقاء بهم كانوا على جفاء معهم أيضاً. و رغم أن حسن البنا بايع عبد العزيز بن سعود و قبل يده معلنا السمع والطاعة، فان الوهابية وعلماءها لم يقروا للاخوان بانهم من الفئة الناجية، لا بل أن بعض فقهائهم ذهب الى وصف هذه الجماعة بابشع النعوت والأوصاف و رأى فيهم خطرا يفتك بالمجتمع الذي ينتشرون فيه بسبب التناقض بين ما يظهرون و ما بيطنون، في توصيف يذكر بما كان الرئيس جمال عبد الناصر يصفهم به، وكذلك توصيف الرئيس حافظ الاسد لهم بأنهم "الإخوان المجرمون" بدل "الاخوان المسلمون". بعد كل هذا التاريخ القاتم جاءت فرصة الاخوان الاولى من باب المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، حيث أنهم ما ان أعلنوا نيتهم لقتال اسرائيل وانشاء فصيل مقاوم تحت تسمية حماس (أي حركة المقاومة الإسلامية و لم تذكر فيها تسمية فلسطين، عملا بالفكر الإخواني العابر لحدود البلدان) حتى حظا بالاهتمام والاحتضان ،و كانت فرصة اعطت للاخوان صورة منفصلة عن تاريخهم، حيث احتضن محور المقاومة المشكل من إيران وسورية وحزب الله هذه الحركة المقاومة الوليدة وأمدها بكل ما يقدر عليه وأمنت سورية لها الحصن الحصين لقيادتها والجسر لعبور المساعدات اليها و تناست حكومتها جرائم الإخوان المسلمين في سورية، وعاملتها على اساس انها حركة مقاومة والمبدا عند سورية أن العداء لاسرائيل يحجب ويتقدم على كل خصومة أو عداء، وهنا نجد كيف ان حماس تألقت على صعيد العمل المقاوم و كادت ان تمسك بالقضية الفلسطنية كلها. ثم جاءت الفرصة الثانية للاخوان المسلمين، عندما وصلوا الى سدة الرئاسة في مصر، ورغم ان هذا الوصول شابه الكثير من علامات الاستفهام والتشكيك بنزاهة العملية الانتخابية ترشيحا ودعاية واقتراعاً، و رغم ما رافق الامر من تسريبات حول صفقة عقدت بين الاخوان والحلف الصهيو- أميركي، والقائمة على قاعدة" السلطة المحلية للاخوان مقابل التبعية لأميركا والأمن لاسرائيل" ، رغم كل ذلك فقد سلم المصريون بالامر الواقع واتجهوا للتعامل مع الإخوان بقطع النظر عن الصورة المتشكلة في الذهن عنهم. فرص سرعان ما ضيعها الاخوان حيث أن "حماس و ما أن لاحت لها فرصة ما سمي زورا "ربيع عربي" أملت أنه سيقود الاخوان الى السلطة حتى " تنكرت للحضن الذي حضنها وحماها في سورية و اتبعت تعاليم المرشدية العامة للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين الذي شن و لا يزال و بقيادة و توجيه غربي عامة و اميركي خاصة، حربا على النظام في سورية النظام الذي تحمل الكثير من الضغوط والعقوبات من اميركا ذاتها لانه امن الملاذ الامن لقيادتها والدعم لمقاومتها. هذا التنكر افسد كل ما كان نشأ في الذهن العام من ايجابيات ل"حماس" ، و اعاد الى الذهن الصورة التاريخية القبيحة للاخوان وهي كما ذكرنا صورة دموية سوداء. و زاد الطين بلة ان "حماس" شملت في تنكرها لاصدقاء الامس كلا من ايران و حزب الله لانهما جهات داعمة للنظام المقاوم القائم في سورية. اما حكومة الاخوان في مصر فقد استندت الى الدعم الاميركي المتوفر لها اثر الصفقة المذكورة ، واعتمدت سياسة اقصائية استئثارية، بحيث استعجلت تنفيذ ما أسمي "أخونة الدولة"، الأمر الذي أثار الشعب المصري ودفعه للقيام بثورة حقيقية اضطر الجيش أن يحميها ما أدى الى الإطاحة بحكم الإخوان بشكل مذهل. ...و انتهت بذلك فرص الإخوان الى مشهد تبدو فيه "حماس" الذراع العسكري للاخوان معزولة تعادي اهم جيشين عربين قاتلا اسرائيل – السوري و المصري – و ينفر منها كل من علم بانقلابها على سورية و سلوكها في مصر . كما و يظهر "حزب العدالة و الحرية" اي الذراع السياسي المصري للاخوان و جماعة الاخوان بشكل عام، جماعة خارجة على القانون تتوسل العنف و مقاومة القوات المسلحة المصرية وتزعزع الاستقرار في سيناء خاصة وفي كل مصر عامة. في ظل هذا المشهد الكئيب للجماعة تلك انعقد المؤتمر الاستثنائي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين في استنبول، وكان يمكن لهذا المؤتمر ان يعمل العقل ويطبق أحكام الشريعة ويجري مراجعة عامة لسلوك الجماعة بذراعيها العسكري و السياسي ويخلص الى حل انقاذي واقعي يستفيد منه الإخوان كتنظيم من أجل البقاء وتكرار المحاولات بعد استخلاص العبر من الفشل، ثم تستفيد منه المنطقة من أجل استعادة امنها واستقرارها. حل كان يمكن ان يكون باتخاذ قرار جريء بوقف العنف في سورية و يقبل بحل سلمي يمنح الإخوان في السلطة مقدار ما لهم من نسبة مؤيدين في الشعب السوري، ويسلم بحقائق الخيارات الشعبية في مصر و بالمشاركة في العملية السياسية التي تقودها الحكومة الانتقالية ثم العودة شركاء في السلطة بمقدار ما لهم من قاعدة شعبية، وأن يتوسع بشكل وقائي ليشمل تركيا و يوقف الوهم الامبراطوري لأردغان، ويصل الى تونس ويقيم حكم الشراكة الوطنية بدل الاستئثار الإخواني. لكن وللاسف الشديد يبدو أن مؤتمر الإخوان، لم يتوصل الى هذه الخطة الواقعية للانقاذ، بل ركب الاخوان رأسهم وأصروا على العمل وفقا لماضيهم و ارثهم العنفي، ما سيجعل الجيشان الذين اعدا لقتال اسرائيل وخاضا الحروب المتتالية ضدها، يجعلاهما ينشغلان بمعالجة عنف الاخوان لحماية سورية ومصر وكل المنطقة ويدفع الهزة التركية الحالية لتصبح اعصارا يقتلع الاخوان و تكون تونس على موعد مع الطلاق مع الإخوان أيضا، ما يعني بأن المنطقة دخلت مع قرار الاخوان جولات عنف وعدم استقرار لا تتوقف قبل تعطيل كافة قدرات الاخوان على التحرك والعمل مع ما يرافق ذلك من قتل وتدمير، وهنا يكون "الربيع الصهيوني الحقيقي" الذي ستستثمره إسرائيل من أجل تهويد ما تبقى من فلسطين وتصفية قضيتها، خاصة وأنها ارتاحت الى فتوى عزيز دويك نائب "حماس و رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني سابقاً بان "الجهاد ضد النظام في سورية (من اجل السلطة ) يتقدم على الجهاد ضد اسرائيل (من أجل فلسطين) .." فهل يعي الاخوان ذلك، ويعودوا عن مقررات مؤتمر انقاذ سلطتهم الى قرارات تنقذ الدين و المنطقة والانسان فيها؟ أم نهم سيستمرون في قرارهم "نحكم المنطقة أو ندمرها" كما قال قبلهم سياسي لبناني في مطلع حرب 1975 "لبنان لنا أو للنار" ويكون الأمر وبالاً عليهم و على العرب والمسلمين وفي الطليعة فلسطين كما خلصت حرب لبنان الى تهميش من أضرمها ؟