توقيع اتفاقية تعاون بين جامعتي بنها ولويفيل الأمريكية    رابط نتيجة تنسيق رياض الأطفال الجيزة 2025 (الموعد والخطوات)    تراجع أسعار الذهب محلياً بالتعاملات الصباحية اليوم السبت 19 يوليو    "الداخلية" تواصل فعاليات المرحلة ال 27 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    ناشيونال انترست: إيران تعجل تصنيع سلاحها النووي مستغلة جمود المفاوضات    صحيفة بريطانية: ترامب لن ينفذ تهديداته بعقوبات جديدة ضد روسيا لهذا السبب    مسيرة إسرائيلية تقصف منطقة مطل الجبل في بلدة الخيام جنوب لبنان    الزمالك يعرض على زد صفقة تبادلية لضم محمد إسماعيل    بعد كارثة سنترال رمسيس…لماذا لا تتوقف الحرائق فى زمن الانقلاب ؟    أخبار الطقس في الإمارات.. أجواء مستقرة مع فرص لتكون السحب الركامية والأمطار    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    أمين حماة الوطن بالإسكندرية: حملتنا الانتخابية تنحاز للمواطن واحتياجاته    اتفاقية تعاون بين جامعتي بنها ولويفيل الأمريكية لإنشاء مسار مشترك للبرامج    استمرار هطول أمطار غزيرة في كوريا الجنوبية وسط خسائر بشرية ومادية    الخارجية الفلسطينية تدين مجزرة «المجوعين» وتدعو لوقف هذه الجرائم    وكيل "عربية النواب": مصر والسعودية حجر الزاوية لأمن واستقرار المنطقة    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    برنامج تدريبي لتأهيل طلاب الثانوية لاختبار قدرات التربية الموسيقية بجامعة السويس    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    5.8 مليار دولار.. كيف تسد مصر الفجوة التمويلية خلال العام الحالي؟    وزير الري يتابع إطلاق المرحلة الثانية من مشروع إدارة مياه دلتا النيل    انتشال جثة شاب غرق بشاطئ كناري في الإسكندرية    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    عرض "طفل العسلية" على مستشفى المحلة لإعداد تقرير طبى بما فيه من إصابات    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    رفع نواتج تطهير الترع بقريتي الكوم الأحمر والنواورة بأسيوط    بأطلالة متألقة وحضور جماهيري غير مسبوق .. أنغام تتصدر التريند بعد حفلها بمسرح U أرينا ضمن فعاليات مهرجان العلمين 2025    ختام أسبوع الثقافة الكوري 2025 بالمتحف القومي للحضارة المصرية    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    بينهم "إليسا والحلاني ونانسي".. نجوم الفن بحفل زفاف نجل إيلي صعب (صور)    أحدث ظهور ل ليلى أحمد زاهر.. والجمهور:"احلويتي بعد الجواز"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    1072 فرصة عمل ب11 تخصصًا.. بيان من العمل بشأن وظائف الإمارات    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    طريقة عمل البليلة.. وجبة مغذية ولذيذة للفطار أو العشاء    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    اتحاد منتجي الدواجن: الاتفاق على توريد 2000 طن لصالح جهاز مستقبل مصر لضبط السوق وتشجيع التصدير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    «الأرصاد» تحذر: طقس اليوم شديد الحرارة على معظم الأنحاء    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    ثورة يوليو 1952| نقاد الفن.. السينما.. أثرت في وعي المصريين    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    «شعب لا يُشترى ولا يُزيّف».. معلق فلسطيني يدعم موقف الأهلي ضد وسام أبوعلي    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحاب إبراهيم : بنت الحياة
نشر في البديل يوم 18 - 03 - 2011

مدينة لم يشأ الرب أن يهبها الألوان فنامت وقامت علي الأبيض والأسود وما بينهما .جاءت سفينة مهاجرة من البحر الذي تعرفه إلي البحر الذي لا تعرفه.. بحر متماسك لا تتماوج أضواؤه ليلا لتثير خيالك, بحر لا تلحظه إلا بالنهار, وفي الليل يختفي تماما كصحراء.
جاءت سفينة إلى البحر الذي لا تعرفه, نزلت منها البنت تلملم أطراف ثوبها, خطت علي الأرض : هذه مدينتي .. وسارت. في اليوم الأول علقت صورة طفل يضحك علي المرآة , وصورة عروس تمسك بباقة زهور علي خزانة الملابس. وصورة أم وطفل وشمعة أولي في كعكة ذهبية علقتها علي الحائط بجوار الفراش.
في اليوم الأول والثاني والثالث لم تشعر بغياب الألوان لأنها انشغلت بالتطلع للصور الثلاث. لكنها لما فتحت نافذتها في اليوم الرابع أحست بالصدأ يملأ عينيها.كانت الشمس الرمادية تضئ السماء بلون باهت انعكس علي الأشجار السوداء الخالية من الأوراق , وعلي أسفلت الشارع والسيارات المارة, سيارات بيضاء وسوداء وبعضها ذو لون رمادي فاتح أو داكن. فرت دمعة من عين لبنت تلقتها بسرعة علي كفها قبل أن تسقط علي الأرض البيضاء. أغلقت النافذة وجرت إلي خزانة الملابس تحدق في ثيابها المتأرجحة علي المشاجب في صمت حزين , كانت الملابس تقطر ألوانها علي أرضية الخزانة قطرة .. قطرة.. حاولت البنت أن تمسح القطرات وتحتفظ بها في كفها لكنها كانت تتحول بسرعة إلي الأبيض قبل أن تلمسها. أغمضت البنت عينيها بقوة لكنها تذكرت شيئا هاما. جرت إلي الصور الثلاث التي علقتها في اليوم الأول. لدهشتها وجدتها محتفظة بألوانها ما تزال. حمدت ربها وفكرت أن تحتفظ بها في مظروف مغلق في حقيبتها لكنها تراجعت فمادامت احتفظت بألوانها حتى الآن فلا خوف عليها, تنهدت وأحست بشيء خفيف من الأمان يلفها.
في اليوم التالي كان عليها النزول للسوق , لابد أن تعمل وتأكل. في مدخل السوق حجرة الملابس. تدخل بثيابها الباهتة حيث يناولها الموظف رداء أسود ثم تخرج.
بعدها تقف علي الرقعة الكبيرة الممتدة أمامها وتتعلم الحذر, تقرأ جيدا تعليمات العمل : مربع أبيض يليه مربع أسود ينبغي الالتزام بالمربع المخصص لك و عدم تجاوزه , كل الواقفون أمامك وحولك أهداف ينبغي عليك إزاحتها لتتقدم وفي الوقت نفسه ينبغي تجنبها كي لاتزيحك في لحظة.
يوما فيوم تتعلم محاصرة الهلع في قلبها وتعليم لسانها لهجة حيادية لا توحي بشيء. تتقن عملها وتحافظ باستماتة علي المربع الخاص بها.
يبدأ العمل مع شروق الشمس ويستمر طوال اليوم حتي تعود للبيت اخر ليوم تأكل وتنام.
تمر الأيام والبنت مستمرة في العمل , تعمل كثيرا وتكسب كثيرا وتعود محملة بأجود أنواع الفاكهة. لكنها تضطر لإغماض عينيها حين تأكل حتي لا تري التفاح الأسود والعنب الأبيض والمانجو الرمادية.
البنت لا تعرف الاستسلام . في يوم الراحة قصدت إلي الحديقة القريبة . اجتثت شجرة ملساء طويلة في غفلة من الحارس وخرجت مسرعة. حين عادت للبيت أحضرت سكينا صغيرا وبدأت العمل- سيجيء اليوم.. هكذا قالت.
في أيام راحتها الأسبوعية كانت تواصل العمل منذ الصباح وحتي الليل مفرغة جسم الشجرة من الخشب بداخلها لتتحول يوما بعد يوم لاسطوانة خشبية طويلة.
وحين أنجزت شوطا معقولا من العمل , واقترب أيضا فصل الشتاء زادت حماستها فكانت تعمل فيها كل يوم بعد عودتها من العمل رغم شعورها بالإنهاك والتعب الشديد.
وأخيرا اصبحت الأسطوانة الخشبية جاهزة مع حلول الشتاء.
في الأيام الممطرة كانت البنت تأخذ اسطوانتها وتصعد لسطح البيت, غير عابئة بالمطر يبلل شعرها الأسود ووجهها الأبيض وحذائها الرمادي. تبحث بعينيها في السماء وسط البرق والرعد حتي تجده, لا تهتم لجسدها المرتجف.. فقط تبصر قوس قزح أينما كان.. الأحمر ..الأصفر .. البرتقالي .. الأزرق ..الأخضر .. والبنفسجي.. يااااااه ياللجماااال..
تصوب اسطوانتها الطويلة للسماء وتسحب بفمها الهواء بقوة .. تسحب ..تسحب..
في المرة الأولي فشلت,وفي المرة العاشرة فشلت أيضا, لكن في المرة الحادية والثلاثين سقطت نقطة زرقاء من السماء علي سطح البيت. غرد قلب البنت , حملت النقطة بحرص في كفيها وجرت نحو البحر, ركعت علي ركبتيها أمام الماء,سمت واستعاذت وتلت كل أوراد التقية والحفظ ووضعتها برفق في الماء. تلون مايقرب من الشبرين باللون الأزرق الفاتح.عادت البنت لبيتها ولأول مرة منذ وصلت تبتسم.
يوما بعد يوم كان الناس يفاجئون ببقع لونية متناثرة هنا وهناك, حتي أن أحدهم أقسم أنه أكل تفاحة غريبة هذا الصباح باعها له البائع الأجنبي بعشر أضعاف ثمنها قائلا أن لونها أحمر , رغم اعترافه أنه وجدها مصادفة في حانوته.
سرت الأنباء في المدينة عن الأشياء بألوانها الجديدة , وبات الناس مابين متوجس ومندهش, ومستاء وفرحان .
اضطرت الحكومة لتكذيب الخبر ثلاث مرات في الصحف القومية ووسائل الاعلام حتي أجبرت أخيرا علي الاعتراف بالأمر بعد أن ظهر مذيع النشرة وعلي جيب قميصه زر أصفر. لكنها أعلنت أنها في سبيلها لإيجاد حل سريع وحاسم للمشكلة قبل استفحال الأمر.
ومع وجود المخبرين في كل مكان , والذين ساعدهم كثيرا انتشار البقع الملونة حول بيت البنت فكان اكتشاف أمرها واكتشاف مخزن الألوان علي السطح انتصارا كبيرا وسهلا في الوقت نفسه.
قدمت البنت للمحاكمة في اليوم التالي بعد أن تم غسل كل الألوان الموجودة علي السطح وإزالة ماتم العثور عليه من البقع الملونة في المدينة.
تمت المحاكمة بسرعة وفي ساعات محدودة كانت أفراد الأمن تقود البنت حاملة معها أمتعتها القليلة بعد سحب أوراق هويتها.
لم تنس البنت في طريق عودتها إلي الميناء أن تمسح الكلمات التي خطتها حين وصلت: هذه مدينتي.
وقفت البنت علي الشاطئ ترقب البحر الساكن, وقفت بجوار بقعتها الزرقاء والتي افلتت من عين الحارس الوقف عند حدود الميناء يحدق فيها بحقد ممتزج بالرغبة. أعطته ظهرها غير مكترثة وظلت تحملق في البحر الصامت في انتظار سفينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.