"اليأس خيانة".. ذلك الشعارالبديع الذى انتجته الثورة المصرية فهو ينطبق فى ابسط صوره على قضية الصحفيات المصريات المناضلات، اللاتى تم الاعتداء عليهن على سلالم نقابة الصحفيين فى 25 مايو 2005 فيما عرف ب"الاربعاء الاسود" اثناء الوقفة الاحتجاجية التى تندد بالتعديلات الدستورية التى كانت تستعد للتوريث، فبالرغم من مرور ثمانى سنوات على القضية فقد صدر الحكم من المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب لصالح الصحفيات وادانة الحكومة المصرية ..وبالرغم من أن الصحفية "نوال على" ماتت ولم تتمكن من معرفة خبر الانتصار ،الا انه لا احد يستطيع ان ينكر أن الثمن الذى دفعته نوال وزميلاتها من الصحفيات لايجب التفريط فيه. اجرت "البديل" حوار مع عادل رمضان المسئول القانونى للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية واحد اعضاء هيئة الدفاع عن الصحفيات والذى تقدموا بالدعوى للمحكمة الافريقية، لنعرف منه معلومات أكثر عن طبيعة عمل المحكمة الافريقية ،وماهى الاحكام التى صدرت عنها ،ومدى قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ قراراتها ..وغيرها من الاسئلة . - من الجهة التى تقع عليها مسئولية فتح التحقيقات بمصر وتنفيذ قرارات المحكمة الافريقية ؟ إن المسئول عن تنفيذ هذه القرارات التى صدرت من المحكمة الافريقية بخصوص قضية الاعتداء على الصحفيات هى وزارة الخارجية المصرية باعتبارها ممثل الحكومة المصرية مع الآليات الدولية وحكومات الدول الاخرى ،ومن ثم فهى مسئولة أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الانسان والشعوب بشأن متابعة هذه القضية ،ويتم ذلك من خلال مخاطبتها فى الداخل للنائب العام المستشار طلعت ابراهيم ،بالاضافة الى وزارة الداخلية باعتبارهم الجهتين المسئولتين لاعادة فتح التحقيقات وصرف التعويضات للصحفيات المعتدى عليهن . - ماهى طبيعة عمل المحكمة الافريقية وعلاقة مصر بها ؟ الحكومة المصرية صدقت على الميثاق الأفريقي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 77 لسنة 1984، وأصبحت بذلك ملزمة قانوناً بأحكامه التي صارت جزءاً من القانون المصري بعد أن وافق عليها مجلس الشعب وتم نشرها بالجريدة الرسمية في عام 1992. وهذه اللجنة الأفريقية قد نشأت بموجب الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وتتولى تعزيز وحماية حقوق الإنسان في الدول الثلاثة والخمسين الأعضاء في الاتحاد الأفريقي ومن بينها مصر. - وماهو الحكم الذى صدر عنها بخصوص قضية الاعتداء على الصحفيات ؟ قررت المحكمة الا فريقية بإدانة الحكومة المصرية بشأن الاعتداءات الجسدية والجنسية التي تعرض لها عدد من الصحفيات والناشطات السياسيات في أحداث "الأربعاء الأسود" أثناء مظاهرات الاحتجاج على تعديل الدستور في 25 مايو 2005 ، وانتهى القرار المكون من 74 صفحة الصادر في الدعوى إلى إدانة الحكومة المصرية بانتهاك ثمانية من مواد الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ومطالبة الحكومة بإعادة فتح التحقيقات في الاعتداءات التي كان النائب العام قد أغلقها في 2005 وتقديم الجناة للمحاكمة، مع تقديم تعويض بمبلغ سبعة وخمسين ألف جنيه مصري لكل من الشاكيات الأربعة في الدعوى وهم "نوال على –ايمان طه –عبير العسكرى –شيماء ابو الخير". - كيف بدات علاقة المبادرة المصرية بالقضية؟ عندما اغلق النائب العام "عبد المجيد محمود "التحقيق فى البلاغ بحجة انه لم يستدل على الفاعل فى 27 ديسمبر 2005، لجات الصحفيات للمبادرة المصرية لرفع دعوى ضد اللجنة الافريقية، والتى قامت بدروها بالاشتراك مع المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق الإنسان (إنترايتس) قد أقامت الدعوى رقم (323 لسنة 2006 المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وإنترايتس ضد الحكومة المصرية) أمام اللجنة الأفريقية في مايو 2006 نيابة عن أربعة من الصحفيات . - ماذا عن الانتهاكات التى ارتكبتها مصر فى حق الميثاق الافريقى ؟ انها خالفت العديد من المواد الذى نص عليها الميثاق بشأن حقوق الانسان؛ مثل انتهاك الحق فى حرية التعبير والتظاهر والتجمع السلمى ، وانتهاكات بشأن الحماية من التمييز على أساسي الجنس والرأي السياسي، وبشان استخدام العنف الجنسى ضد المرأة ، وبشأن حماية الحق في الصحة الجسدية النفسية، وبشأن منع التمييز ضد المرأة ،بالاضافة الى غيرها من المواد التى ركزعليها المدعين الممثلين فى فريق عمل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ،خلال الثلاث جلسات التى عقدت جامبيا في نوفمبر 2006، وغانا في مايو 2007، وسوازيلاند في مايو 2008 . - ومن هم المتهمين الذين يمكن تقديمهم للتحقيق ؟ الحكم يتيح محاكمة الحبيب العادلى وزير الداخلية الاسبق بشأنه القيادة الامنية الاولى ،والذى تمت هذه الاعتداءات امام قواته ولم تتحرك ،حيث تقع عليه مسئولتين الاولى تقصيرية نتيجه لتخاذل افراد الشرطة للقيام بمهام عملهم وكانهم يباركوا الاعتداءات التى وقعت على نوال على وصديقتها الاخريات من الصحفيات ،ومسئولية جنائية حيث توجد ادلة لتورطهم فى التخطيط لهذه الاعتداءات، كما سيتيح هذا الحكم مسالة مدير أمن القاهرة انذاك اللواء اسماعيل الشاعر، بالاضافة الى قيادات بارزة فى الحزب الوطنى المنحل ،واعضاء دوائر مجلس الشعب عن منطقة وسط البلد، وقصر النيل، و مازالت هذه القيادات على قيد الحياة وثبت تورطهم فى الادارة والتخطيط لهذه الجريمة والتحريض على ضرب الصحفيات ، اما الايدى المنفذة للجريمة فهذه مسئولية الدولة فى البحث عنهم من خلال الفيديوهات والصور. - هل اصبح التحرش الجنسى وسيلة سياسية يستخدمها اى نظام لاقصاء المرأة ؟ بالفعل، اهم ملاحظة فى قضية الاعتداء على الصحفيات فى مايو 2005 ،هو فكرة استهداف النساء فى المظاهرات ،واستخدام العنف الجنسى السياسي الموجه ضد المتظاهرات لمنعهن من المشاركة فى المجال العام وخاصة المشاركة السياسية ،والغريب ان نفس السياسة التى كان يتبعها مبارك فى اقصاء المراة سياسيا واجتماعيا، يعتمد محمد مرسى بعد ثورة على نفس هذه الاليات من استخدام التحرش الجنسى الممنهج والضغط الجنسى لارهاب الفتيات والسيدات من النزول للميدان مرة اخرى بعد ان حققن نجاحا لا يمكن ان ينكره شخص. وما الذى يمكن ان تقدمه مصر فى التقرير الذى طلبته اللجنة خلال 180 يوما بعد صدور الحكم ؟ فى البداية الحكم صدر فى مارس 2013، واللجنة الأفريقية بهذه المدة الزمنية تعطى الحكومة المصرية فرصة تتطلع فيها على قرارات المحكمة ،حتى ترد على اللجنة فى هذا التقرير بماهية الاجراءات التى ستقوم باتخاذها حيال هذه القرارات ومن ثم تنفيذها . وهل هناك اجراءات عقابية يمكن ان تتخذها المحكمة الافريقية فى حال رفض مصر تطبيق قرارتها؟ من المفترض على الدول المتحضرة القوية أن تحترم التزامتها فى اطار الاتفاقيات التى وقعت عليها وتعهدت بها مع دول اخرى ،واذا لم تنفذ مصر هذه القرارات ستكون بمثابة نقطة سوداء فى علاقتنا بالدول الافريقية، بل يسئ الامر للمر كز السياسي لمصر بالقارة السمراء و تصبح سمعة الدولة خارجيا بانها لاتفى بالتزامتها الدولية وهذا له عواقبه السياسية الوخيمة، ولكن اللجنة الافريقية لاتملك توقيع اى عقوبات على مصر فى حال عدم تنفيذها لقرارتها، ولكن علينا فى الداخل وعن طريق تكاتف المنظمات الحقوقية ، وأن تكون احد الحلول المطروحة أن نلجأ للقضاء المصرى مثل محكمة القضاء الادارى ونطلب منها إلزام السلطة التنفيذية بهذه القرارات التى صدرت من المحكمة الافريقية ،وأن تبدأ بدفع التعويضات للصحفيات سواء من قبل وزارة الخارجية او العدل. - هل تتوقع تنفيذ الحكومة المصرية فى عهد جماعة الاخوان المسلمين لقرارات اللجنة الافريقية ؟ لا أتوقع سلبا او إيجابا بشان تنفيذ الحكومة المصرية لهذه القرارات، لانه من المفترض أن حكومة الثورة جاءت لتمثل الشعب المصرى وتدافع عن حقوقه ،وكان لدى الجميع توقعات أن تتبرأ حكومة "مرسى" من تصرفات الحكومة القديمة، وأن تبدأ عصرا جديدا من تنفيذ دولة القانون، ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك ،فلا يوجد فرق بين حكومة قنديل ونظيف فكلاهما يتبع سياسات التستر على الجريمة ورفض فتح التحقيقات، ففى عهد مبارك أغلق النائب العام عبد المجيد محمود الملف وحفظ البلاغ المقدم من الصحفيات الاربع فى 27 ديسمبر 2005 لعدم الاستدلال على الفاعل !!. - وماذا ستقدم المبادرة فى ذكرى الاربعاء الاسود لهؤلاء المناضلات ؟ الحقيقة المبادرة الشخصية دعت الى تنظيم وقفة احتجاجية مساء اليوم على سلالم نقابة الصحفيين باعتباره ايقونة هذه الجريمة ،والتى شهد أبشع أشكال العنف ضد المرأة ،وسوف تشارك فى الوقفة العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية ،وهذه الوقفة رسالة وتذكير ليس فقط بالصحفيات المناضلات، ولكن لكل ما تتعرض له الصحفيات والناشطات المصريات من عنف وتمييز وارهاب جنسى يتحملن ثمنه ،من اجل رغبة سلطة جائرة تريد اقصائهن من الحياة السياسية والاجتماعية بشكل عام .