يعكس الجدل المثار حول مشروع تنمية قناة السويس العديد من المخاوف التي تعتمل في نفوس المصريين وتوجسهم من أي خطر يحيط بمنطقة تمثل رطل اللحم المجاور للقلب والذي اشترط المرابي شايلوك على التاجر الشاب انطونيو أن يكون رهنا لمبلغ من المال يقرضه إياه في مسرحية "تاجر البندقية" للأديب الانجليزي وليم شكسبير. فقناة السويس المحفورة بدماء المصريين تعود فكرتها للدبلوماسي الفرنسي فردناند ديليسيبس وذلك بغرض التمكين الاستعماري لفرنسا . وكانت القناة محور الصراع على المستعمرات بين الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية حيث استغلت بريطانيا الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد الخديوي إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر ما أثار مشكلة مع فرنسا تم تسويتها بتوقيع اتفاقية الاستانة لضمان الاستخدام الدولي للقناة ما جعلها بمثابة دولة داخل الدولة ومنطقة خارج السيادة المصرية. وظلت الأوضاع على هذا الحال الى أن استردت مصر والأمة العربية تلك البقعة العزيزة بالقرار التاريخي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1956 وما تبعه من عدوان ثلاثي تصدت له مصر قيادة وشعبا تؤازرها فيه كافة الشعوب التواقة إلى الحرية وليسجل التاريخ من على ضفتي قناة السويس انتصار المشروع العربي ومبادئ للحرية والاستقلال والعزة والكرامة وارتباطهم بحق الشعوب في ثرواتها الوطنية. واليوم تعود المخاوف على هذه المنطقة الغالية من خلال مشروع أطلق عليه تنمية اقليم قناة السويس حيث يقوم بالأساس على انشاء مراكز ترانزيت ومركز توزيع ومركز خدمات نقل بحري ومناطق صناعية على ضفتي القناة. وأول هذه المخاوف تتمثل في كلمة (إقليم) تلك الكلمة المصاحبة لأي مشروع تقسيمي حيث عبر الكثيرون عن توجسهم من أن يؤدي المشروع الى اقتطاع جزء من الأرض المصرية بعيدا عن مؤسسات الدولة الأمر الذي تعزز بالجدل المثار حول مشروع الصكوك. يضاف الى ذلك الغموض الذي يحيط بخطط المشروع ما يشكك في وجود رؤية شاملة نظرا لأن أغلب ما نشر عنه عبارة عن أفكار لمشاريع سابقة كمشاريع (شرق التفريعة وشمال غرب السويس ووادي التكنولوجيا) كما أن المروجين للمشروع يواجهون أي انتقادات بالقول ان ما نشر مجرد مسودات قابلة للتعديل. ومن ضمن المخاوف أيضا ما نشر حول السلطات المطلقة للهيئة التي تدير المشروع والتي سميت ب"الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس" حيث لها سلطة الامتداد لمحافظات أخرى مجاورة للقناة وتؤول إليها ملكية هذه الأراضي كما تضع الهيئة ميزانية المشروع الأمر الذي ينسحب على الاقليم ككل. كذلك ما نشر عن عدم سريان القوانين المنظمة للعمل في الدولة المصرية على هذه حيث تستحوذ الهيئة المذكورة ايضا على سلطة وضع نظام العمل والتأمينات على سبيل المثال. ويضاف الى ذلك الظهور شبه المفاجئ لهذا المشروع الضخم وأيضا الاستعجال في تمرير القانون الخاص به رغم عدم اكتمال البنيان التشريعي للدولة حيث إن مجلس الشورى يمارس سلطة التشريع بصفة مؤقتة. وإذا كان انطونيو في مسرحية تاجر البندقية قد نجا من مكيدة المرابي شايلوك بفضل ذكاء وفطنة بورشيا خطيبة صديقه باسانيو والتي تنكرت في زي المحامي وواجهت شايلوك بحقيقة أن العقد يلزمه أخذ رطل اللحم دون قطرة دم وأوقعت بهذه الحيلة شايلوك في شر أعماله إلا أن الثمن أيضاً كان غاليا على انطونيو وصديقه باسانيو حيث وجد الأخير نفسه أمام اختبار صعب عندما طلب منه التفريط في خاتم زواجه.