عندما كانت بدايات الشعر الحر، مع بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، كانت ريادة الشعر الحر في مصر إلى صلاح عبد الصبور، هو من ترك آثارًا شعرية ومسرحية، أثرت في أجيال متعددة من الشعراء في مصر والبلدان العربية، خاصة جيل السبعينيات والثمانينيات في مصر. حازت أعماله الشعرية والمسرحية قدرًا كبيرًا من اهتمام الباحثين والدارسين، ولم تخل أية دراسة نقدية تتناول الشعر الحر، من الإشارة إلى أشعاره ودواوينه، وحمل شعره سمات إنسانية متعدد، مثل الحزن والألم وقراءة الذكرى واستلهام الموروث الصوفي، تجلى كل ذلك في أعماله: "مذكرات بشر الحافي"، و"مأساة الحلاج"، و"ليلى والمجنون". تأتي ذكرى ميلاد رائد الشعر الحر في هذه الأيام، لوركا المصري، السائح في بحار المعرفة السبعة، لا يهدأ مجدافه ولا ينطوي شراعه، مفتون بالفلسفة، محب للتاريخ، مولع بالأساطير، صديق لعلوم الإنسان المحدثة كعلم النفس والاجتماع الأنثربولوجيا، هكذا كان صلاح عبد الصبور، متيقظ الوجدان والعقل. بهذه المناسبة تحدثت ل"البديل" إبنة عبد الصبور، الفنانة معتزة صلاح عبد الصبور، فقالت عنه: "لم تختلف شخصية والدي عن ما كتبه فهي تشبهه كثيرًا على المستوى الإنساني اليومي، من الحنية والترفع، وكأنه كان كل قصيدة من قصائد". وعلى المستوى الأسري، قالت: "لم أكن أعرف هذه القامة الشعرية والعالمية لوالدي، ولكنه كان الأب الحنون الذي يلعب معي، وكان يمثل لي أحن كائن في الوجود، ولكن عندما بدأت أكبر واقرأ له وعنه، أدركت ولم تذهلني أو تصدمني الإنسانية الشديدة في أعماله، وتذكرت أن هذه الروح كانت تصلني وأنا طفلة". وعن هذا الرقي في التربية والإنسانية في التعامل، والتي ربما حجبت الجانب الشرير في الحياة، قالت معتزة: "نعم ربما أصابتني حالات إحباط أو الهزيمة وقتها، وأرجعتها إلى طريقة تربيتنا بهذا الشكل الإنساني، والتي كنت أرى أنها لا تؤهلني إلى التعامل مع صغار النفوس، حتى أنني ذات مرة ذهبت إلى عمتي، وكانت شخصيتها قريبة الشبه جدًا من شخصية والدي، وسألتها لماذا ربيتمونا هكذا؟". في الفترة التي سبقت وفاة عبد الصبور، تحدث فيها الكثيرون حول إتهام ونقد شديد من بعض الأصدقاء له ومنهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وبهجت عثمان. أشار البعض أن ذلك كان السبب في وفاته، بعد أن رحل إثر تعرضه إلى نوبة قلبية حادة، قالت معتزة: "لا أريد أن أتحدث كثيرًا في هذا الموضوع، ولكن والدي كان رئيس هيئة الكتاب، وقام بالتواصل مع الجميع، واهتم بإبداع الشباب بشكل خاص، وأما عن ما حدث له من خيانة الأصدقاء، فقد رد الزمن عليهم، كما أعطتني هذه الحادثة درسًا عظيمًا عن شرور الوسط الثقافي وشراسته، ما جعلني أتعامل معه من بعيد". أضافت معتزة أن أكثر الأشياء التي تسعدها الآن، أن هناك بعض الأعمال لوالدها ستقدم في عروض فنية مختلفة، بعد أن كان من الصعب ذلك في عهد مبارك، الذي حرص على عدم تقديم نصوص ذات قيمة، ومحاولة هدم وإجهاض المسرح، كما فشل مسرح الدولة في تقديم كل ما كان يحمل قيمة حقيقية، مؤكدة أن الأمر اختلف الآن. فعلى المخرج الكبير سمير العصفوري، من المقرر إعادة إخراج مسرحية "مأساة الحلاج"، العصفوري هو نفسه من أخرج المسرحية منذ 30 سنة، قائلة: "سبب سعادتي أن العصفوري، غير أنه صديق والدي فهو أيضًا من أحب والدي أن يخرج له هذا النص، وسوف يعرض قريبًا على خشبة المسرح القومي". كما يحضر المخرج عمرو بيومي لتحويل مسرحية "ليلى والمجنون" إلى فيلم سينمائي بإنتاج مستقل، إلى جانب مناقشات دائرة مع أسامة فوزي حول تحويل مسرحية "مسافر ليل" إلى عمل سينمائي. هكذا ترى معتزة عبد الصبور، أن ذلك هو دورها الحقيقي تجاه والدها وبلدها، وقال: "يجب أن تقدم أعمال صلاح عبد الصبور وكل القامات الكبيرة، من أجل من ماتوا واستشهدوا لهذا الوطن". وأضافت في ختام حديثها: "لم أستطع تقديم أعمال والدي أيام مبارك، ولذلك يجب أن يكون هناك مشروع ثقافي حقيقي معتمد على إبداع الشباب، وهذا يجعل الوسط الثقافي (ينضف نفسه بنفسه) ليضمن استمراريته".