أتساءل أحيانًا: ماذا عسى الرئيس محمد مرسي أن يقول لنفسه، وعن نفسه، إذ ينظر صور زعماء مصر، المعلقة على جدران القصر الجمهوري؟ صحيح أنني لست أعرف يقينًا، ما إذا كانت الصور بالقصر، لأني بحمد الله لم أدلف إليه، ولا أحسب، أو بالأحرى، لا أرغب في دخوله، كوني لست أحب أن أكون من المقربين، إلى ذي سلطان، سواء في عهد مرسي، أو في عهد من جاء قبله، أو من سيجئ من بعد.. لكن الأرجح أن الصور موجودة، فهذا تقليد متبع في كل القصور الرئاسية بالعالم، ولست أحسب أن من حق الرئيس، أن يطلب إلى موظفي القصر، رفع هذه الصور، إلا إذا كان يتخيل أنه تعاقد على تأجير القصر الجمهوري، أربع سنوات، وفق قانون الإيجار الجديد! أيًا ما يكون الأمر، وسواء كانت الصور بالقصر، أو لم تكن، فمؤكد أن مرسي يراها، مرفوعة على الأعناق، في معظم المظاهرات التي تهتف بسقوطه، وما من شك في أنه يعلم بأنه جاء بعد رئيسين، لهما ما لهما، وعليهما ما عليهما، لكن أحدًا لا ينفي تأثيرهما، في تاريخ مصر والأمة العربية والعالم بأسره، كل حسب قدره وقدراته، وحسب اجتهاده وطاقاته، ومن بعد الرئيسين، جاء مخلوع عليه غضب الثورة، إلى يوم الدين. طبيعي أن الرئيس يقارن نفسه لا شعوريا بأسلافه، ولعله إذا نظر عيني جمال عبد الناصر، فيرى نظرة كاريزمية آسرة، ويبصر فيما يبصر أيضًا، قامة شامخة، وأنفًا ذا شمم، وابتسامة واسعة، وشاربًا فخمًا.. فيتحسر على حاله، فهو ذو نظرة خالية من التأثير، خاوية من الحياة، كصفحة البحر الميت، قصير مستدير الجسد تحقيقًا، وله كرش بيضاوي، يستقر سرواله تحته، بعد أن عجز عن تسلق تضاريس بطنه المرتفعة، رقبته تغور بين كتفين مكتنزين باللحم، وفوقهما جمجمة مربعة، صوته صفيحي، لا يمس وجدان سامعيه من قريب أو بعيد، وليست له «هيبة رئاسية»، فإن لوح بأصابعه مهددًا، وجد الساخرون مادة غنية للسخرية، وانطلق «العيال بتوع الفيسبوك» يجلدونه بتعليقات، لو كتبت بمداد البحر، لجف البحر، وما انتهت الكوميديا. لكن هذه السمات الجسدية، ليست تنتقص من شأن الرئيس، فليس لأحد أن يتدخل في هيئئه دمامةً أو حسنًا، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء، أما فيما يتعلق بالإنجازات، فالبون شاسع واسع، بين مرسي وناصر، وأحسب أن لا مجالاً لوضع اسميهما معًا في جملة مفيدة واحدة، فناصر رئيس من ثورة، ومن شعب أحبه، والرجل أيًا ما تكون أخطاؤه أو عثراته أو خطاياه، سمها ما شئت، كان رئيسًا في مرحلة مفصلية، استعاد هيبة مصر الدولية والإقليمية، وأسس دول عدم الانحياز، رقمًا مهمًا في مسرح السياسة الدولية، وكان ملهمًا لثورات التحرر في قارة أفريقيا والشرق الأوسط، وامتد تأثيره إلى أمريكا اللاتينية، إلى درجة أن جيفارا يقول واصفًا نفسه: أنا لست ثوريًا، لكني ناصري. رئيس ظاهرة.. ثورة تمشي على قدمين، وضع رأسه، على كفه لإسقاط نظام رآه فاسدًا، وليس رجلاً انتمى إلى جماعة، عقدت الصفقات ضد الكل، مع الكل، لتركب ثورة، هي أبعد ما تكون عنها. أما إذا نظر إلى السادات، يرى رجلاً أنيقًا، له ذوق رفيع، يدخن الغليون، وله لكنة إنجليزية ذات وقع خاص، حقق إنجازات على رأسها ملحمة العبور، اتخذ قرارات حاسمة، يقدرها خصومه جرائم، ويحسبها مؤيدوه إنجازات، لكنه في كل الأحوال، رجل ذو تأثير، وصاحب فكر وفلسفة خاصة، خطيب مفوه، يقنع سامعيه، ولا يتدنى في مفردات خطابته إلى الشعب، فيتحدث عن الأصابع العابثة والحارة المزنوقة! وبعد السادات جاء المخلوع الساقط، وهذا لا أحب أن أقارنه بأحد، لأنه خارج سياق التاريخ، ولعل معظم العاقلين يشاطرونني شعوري، باستثناء أبناء جماعة الإخوان، الذين لا يجرأون على مقارنة «مرسيهم» إلا بالمخلوع، وكلما تخبطت مؤسسة الرئاسة في الفشل، خرجوا علينا، إذ ننتقده، يهاجمون ويسبون ويلعنون ويكفرون، ومن ثم يتساءلون في بلاهة: هل كنتم تقدرون على توجيه مثل هذا النقد للمخلوع؟.. والله أكبر ولله الحمد. عمومًا.. ليس هذا ما يهم، وإنما المهم ترى أين يصنف مرسي نفسه بين الثلاثة؟ سيقول السامعون الطائعون التابعون المغيبون: امنحوا الرجل فرصة، وامهلوه وقتًا، فهو مايزال في «سنة أولى رئاسة». إذن فليكن السؤال.. أين سيجد مرسي نفسه بعد أربع سنوات.. بجوار ناصر أم السادات أم في ليمان طرة مخلوعًا؟ هذا سؤال يؤرق الرئيس على الأغلب، وتلاحقه إجاباته كالكوابيس، إن استغرق في نومه، هذا إذا كان بوسعه حقًا النوم. [email protected]