نختلف كثيرا حول كون ما يقدمه باسم يوسف فى برنامج البرنامج.. أو ما يقدمه أحمد آدم فى بنى آدم شو.. أو ما يقدمه زلطة فى زلطة شو.. وآخرين متواجدين على كثير من الشاشات الفضائية فى الفترة الحالية.. إلا أننا يجب أن نتفق على أن ما يحدث ليس له علاقة بالتمثيل.. وذلك حتى لا ينخدع شباب المبدعين فيبدأوا فى تقليد هذه الظاهرة.. بل أننى أكاد أؤكد أن ما يقدمه هؤلاء لا ينتمى إلى فن الكوميديا أصلا بأى صلة.. ولكنه ينتمى إلى ما يسمى بالمسخرة.. ويبدو لى أننا نفهم فكرة المسخرة بمجرد أن نتأمل التسمية.. فالمسخرة هى جعل أى شيء يتحول إلى (مسخ).. فتكون النتيجة تلك العملية (المسخرة).. وفى الحقيقة أنها عملية غير فنية بالمرة.. وإنما هى عملية معتمدة على الحدث السابق لعملية المسخرة وقوته.. وبالتالى فإن قوة المسخرة مستمدة من الحدث السابق لها.. سواء كان هذا الحدث حقيقى أو غير حقيقى أو ناجح أم لا.. وبالطبع فالمسخرة كما هى ليست فنا.. فهى بالتالى ليست نقدا.. لأنها تعتمد على السخرية من العيوب فقط ولا تقترب بأى شكل من الأشكال من المزايا.. ودائما وأبدا فأنا أتذكر مثالا لهذه العملية فى مسرحية الجوكر عندما قام محمد صبحى بتقديم دور الجواهرجى العجوز لمدة طويلة على المسرح، وكان بكل نجاح يقوم بإضحاك الجمهور بمنتهى الإبداع لدرجة أننا جميعا نحفظ ذلك المقطع من هذه المسرحية.. فى حين أن محمود القلعاوى كان فى حالة سكوت وسكون طوال الوقت ولم يضحكنا أثناء ذلك المقطع.. إلا أنه عندما سقط (محمد صبحى) على الأرض مغشيا عليه.. بدأ القلعاوى فى (التمسخر) على ما حدث.. وردد كل حوار محمد صبحى مما أثار الضحك مرة أخرى بالرغم من أنه لم يقدم جديدا.. بل كرر فقط ما قدمه محمد صبحى.. ولكن بمسخرة فكان الضحك مرة أخرى.. فى النهاية بقى محمد صبحى بطلا.. والشخصية التى قدمها ظلت فى الوجدان.. ولم يبق محمود القلعاوى إلا فى مكانته (القيمة التى أحترمها).. ولكنها لم ترق إلى مكانة النجم محمد صبحى.. وذلك لسبب بسيط.. أنه هناك فرق دائما بين الإبداع.. والاسترجاع .. والمقصود بالاسترجاع .. هو إعادة تقديم ما قدم أصلا.. ولكن بمسخرة.. فى النهاية هو ليس فنا معروفا من فنون التمثيل أو من فنون الكوميديا.. ولكنه من الممكن أن ينتمى إلى الإعلام وتقديم البرامج إن شاءوا أن يجعلوه منتميا إلى شيء.. ومن الصعوبة أيضا بمكان محاولة إلصاقه بفن القراقوز.. لأن فن القراقوز له طبيعة خاصة.. تعتمد على الرمز والمواربة وعدم التصريح.. وليفهم المتفرج بذكائه الخاص ما هو مقصود .. أما المسخرة فهى مباشرة مباشرة السنين كما يقول أدباء هذا العصر.. وإذا كنت يا صديقى ممن يتمنون امتهان التمثيل.. وخاصة الكوميدى منه.. فالنصيحة التى أقدمها لك أن لا تتخذ من تلك الطريقة منهجا.. وليس ذلك لأنه لن يصنع منك نجما معروفا.. بالعكس.. فسيصنع لك النجومية.. ولكن لن يضمن لك الاستمرارية.. فهو فن قصير النفس.. عمره محدود.. وذلك ببساطة لافتقاده - مع الوقت - لفكرة الدهشة الفنية.. فأنت الآن ببساطة تستطيع أن تعرف ما هو اتجاه المسخرة فى الحلقة القادمة لباسم يوسف أو لغيره.. وهى باختصار أهم أحداث الأسبوع.. ونجاح المسخرة يصل إلى ذروته.. فى الحالة السياسية.. أما أن تتمسخر على فنان كوميدى مثلا.. فهى مسألة صعبة جدا (تقلده ممكن.. تتمسخر عليه صعب).. والأصعب.. أنت لا تستطيع التمسخر على شخصية غير معروفة.. (إلا إذا قمت ببنائها أولا أمام الجمهور.. ثم تعود للتمسخر عليها.. كما حدث فى مسرحية الجوكر.. أو كما حدث من عبد المنعم إبراهيم عندما تمسخر على والده (سى السيد).. والأمثلة كثيرة.. ليس المجال الآن لحصرها.. وهنا نصل إلى الفكرة الأصلية الفرق بين الإبداع والاسترجاع.. وهذا من الناحية الفنية.. ولذلك كانت النصيحة التى أود أن أوصلها لكل من يريد أن يكون ممثلا كوميديا.. أن ينتبه إلى هذه المسألة بحرص شديد.. ولتعرف أن تلك المسألة فى منتهى الخطورة.. وقد تخدعك فى بدايتها بنجاح سريع.. ولكنك فى لحظة مفاجأة ستكتشف أنك لن تستطيع الإضحاك كما كنت.. وساعتها قد لا تعرف السبب وراء ما يحدث.. والسبب ببساطة.. أنك قد فقدت القدرة على إثارة الدهشة والمفاجأة.. كل هذا بالطبع مع احترامى الشديد لما يقدمه كل من باسم يوسف.. وأحمد آدم.. والأستاذ زلطة.. وهم جميعا قاموا بالتمسخر على الرئيس وأفعاله وخطبه أمامنا جميعا.. ويبقى سؤلا يحيرنى ليس كفنان ولكن كمتابع ومشاهد.. لماذا تم استدعاء باسم يوسف وتوجيه التهم له (الإساءة إلى الرئيس.. إلخ).. وتم استثناء أحمد آدم.. وزلطة.. وغيرهم ممن يقدمون برامج المسخرة؟ وبالطبع فهناك إجابة لهذا السؤال.. ولكنى أعتقد أنى لا أعرفها.. وربما أعرفها.. ولكنى لا أفهمها..