بدأ العد التنازلي علي الموعد السنوي للإعلان عن جوائز الأوسكار عام 2013 ، والذي سيقام في السابع والعشرين من الشهر الجاري،حيث سيتوج واحد من تسعة أفلام رشحت لهذه الجائزة ليكون فيلم العام، ومع اقتراب اعلان النتائج تتجه الترشيحات وبقوة الي الفيلم الجديد للممثل والمخرج بن افليك "ارجو" ليفوز بالاوسكار، بعد حصوله علي أكبر جائزتين وأكثرهم اهمية بعد جائزة الأوسكار، حيث نال الفيلم جائزة البافتا البريطانية لأحسن فيلم وسبقها حصوله ايضا علي جائزة الجولدن جلوب لأحسن فيلم واحسن مخرج. ومن يتتبع جوائز الاوسكار في الأعوام الأخيرة يستشعر أن السيناريو الذي حدث عام 2010 عند حصول فيلم "خزانة الألم" للمخرجة كاترين بيجلو بعد أن أزاح الفيلم الاكثر نجاحا "أفاتار" من علي قائمة الترشيحات، سيتكرر مرة أخري هذا العام، حيث تتدخل السياسة بشكل صريح في دعم ترشيح هذه النوعية التي تدعم وتخدم النظام الأمريكي وخصوصا في علاقته بالشرق الاوسط، وبالطبع تنقلب الحقائق وتتبدل الأدوار ويصبح المجني عليه هو الجاني، وتختلق الاسباب الكافية لتبرير عنف الولاياتالمتحدة تجاه النظم الديكتاتورية في الشرق، في فيلم خزانة الألم شاهدنا الاحتلال الامريكي للعراق يرتدي ثوب الدفاع عن حقوق الانسانية ضد الديكتاتورية الصدامية، ورأينا كيف يتحول المعتدي إلي مجني عليه، فما بال شعب انتهكت سيادة أراضية واستباحت دماء أبنائه إلا أن يقاوم الاحتلال، العنف لا يولد إلا العنف، لكن النظم الرأسمالية لا تعترف إلا بسيادة أفكارها ورغباتها وتطلعاتها وديكتاتوريتها التي لا تستطيع ان تمارسها إلا علي دول الشرق الاوسط،هكذا هو الحال الذي انقلب وحول المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني إلي إرهاب في عيون الشعب الامريكي. "ارجو" يعرض واقعة حقيقية حدثت في ايران عام 1979 ، عندما حدث انقلاب ضد شاه ايران وتولي الخميني حكم البلاد، و وافقت الولاياتالمتحدة علي منح الشاه حق اللجوء السياسي بسبب مرضه بالسرطان، لكن الشعب الايراني طالب امريكا بتسليم الشاه لمحاكمته في طهران، واشتعلت المظاهرات غضبا حتي قام عدد من المتظاهرين باقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين العاملين بها كرهائن حتي تسليم الشاه، في الوقت الذي تمكن 6 من موظفي السفارة من الهرب والاختباء لتسعة اشهر داخل بيت السفير الكندي، ويمزج المخرج بن افليك في "ارجو" بين طابع الفيلم التوثيقي والروائي ،حيث استعان بعدد من المشاهد الحقيقية التي تعبر عن العنف الذي اجتاح ايران بعد تولي الخميني ونصب المشانق في كل زاوية من شوارع طهران من اجل المعارضين لحكم الخميني. حيث يؤكد بن افليك في كل مشهد علي الاساس الدموي الذي بنيت عليه دولة إيران الاسلامية، لم يشهد المجتمع الايراني سوي تحول دموي من نظام الشاه الذي أغرق الشعب في الفقر والجوع الي نظام آخر اغرق الشعب في دماء ابنائه، والفرصة التي ينتظرها بن افليك لاقتناص الأوسكار ليست فرصة فنية، الفيلم من الجانب الفني لا ينافس الافلام الاخري المرشحة للجائزة، لكن فرصته لاقتناص الجائزة سياسيا يناسب الوضع العدائي الحالي بين الولاياتالمتحدةوايران، امريكا لا تفوت فرصة حتي تستعرض عضلاتها وتخرج لسانها لاعدائها، بينما يركز الفيلم علي النبرة العدائية التي اجتاحت ايران ضد كل ما هو امريكي، ويؤكد في الجهة المقابلة علي ذكاء وقوة الامريكان، يحاول احد العاملين في الخارجية الأمريكية إخراج الدبلوماسيين الستة من منزل السفير الكندي وإعادتهم إلي أمريكا عن طريق فيلم مزيف يدعي انه سيصوره في عدد من بلدان الشرق الوسط ومنها إيران، وتنجح الحيلة ويعود بهم الي أمريكا وسط الاجراءات المشددة التي تنسجها حكومة الشاه علي الاجانب. صناعة السينما في أي بلد ينتمي جزء منها الي دعم النظم الحاكمة، حتي وإن لم تمولها هذه النظم بشكل مباشر الا انها تقف وراءها كونها قوي ناعمة لتبييض وجه الحكومات، وكما ازاح فيلم خزانة الألم فيلم أفاتار، رغم أن أقل ما يقال عنه انه فيلم دعائي لتبرير التدخل الامريكي في العراق ،قد يزيح ارجو فيلم جانجو بلا قيود، الذي يعرض وجه العنصرية التي مارستها امريكا ضد السود في القرن الماضي،من خلال شخصية جانجو الاسود الذي يشتريه سيد ابيض ليساعده في عمليات قتل،لكنهم سرعان ما يصبحون أصدقاء ويدفع السيد الابيض حياته ثمن هذه الصداقة عند محاولته تحرير زوجة جانجو من سيدها الابيض. ويقيم جانجو مذبحة دموية لينجو هو وزوجته من الموت، الفيلم في الواقع لا يدين عنصرية المجتمع الامريكي ضد السود أو السكان الأصليين لكنه يجملها ويسير علي خطين متوازيين، من ناحية نري العلاقة التي تجمع بين جانجو والسيد الابيض، الذي حرره ودعمه في البحث عن زوجته ومات وهو يحاول تحريرها، وعلي الجانب الآخر نشهد وفاء العبد الاسود الخادم للنخاس الذي يمتلك زوجة جانجو، انه شعور تكفيري ومتعال بالذنب وليس اعترافا بالاضهاد العنصري الذي كان يمارس في امريكا، العنف لم يمارسه الأبيض ضد الأسود فقط لكنه حول هذا العنف الي عنف مضاد أكثر دموية أي رد فعل طبيعي ضد انتهاك إنسانية الملونيين. الفكرة التي اكدها الفيلم في البداية هو إمكانية التعايش بين البيض والسود في مجتمع واحد، وبروزها المخرج كونتين تارانتينو حققت السينما علي مدار سنوات طويلة ما لم تسطع السياسة أن تحققه، النزاع بين حكومة الكيان الصهيوني وبين الحكومة الفلسطينية لن ينتهي طالما يرفض كل منهما وجود الآخر، لكن الشعوب دائما تسعي الي الحياة من خلال علاقة جانجو الاسود بسيده الابيض، وعلاقة العبد الأسود بسيده النخاس، لكن سريعا ما تحولت الفكرة الي إزاحة الآخر من أجل البقاء، اي البقاء للأقوي،والعنف مقابل العنف للدفاع عن النفس، والاضهاد اللوني الذي كانت تمارسه أمريكا لن يقابل إلا بعنف مضاد، الامر الذي تتنكر منه أمريكا حاليا وترفضه بين إسرائيل وفلسطين. من ناحية اخرى شهدنا العديد من التجارب السينمائية المشتركة بين مخرجين فلسطينيين ومخرجين "إسرائليين" مناهضين للصهيونية يؤمنون بحق الفلسطينيين لإقامة دولتهم ،" 5 كاميرات محطمة" هو الفيلم الوثائقي المرشح لأوسكار أحسن فيلم تسجيلي، وقد اشترك في إنجازه المخرج الفلسطيني عماد برناط مع الناشط الإسرائيلي جاي دافيدي كما نال الفيلم جائزة أحسن مخرج تسجيلي بمهرجان صن دانس 2012. تدور أحداث الفيلم في قرية بلعين التي تشهد أسبوعيا مسيرات سلمية ضد الجدار، يرى فيه نشطاء فلسطينيون وسيلة مهمة لدعم نضالهم، ويحاول مخرج الفيلم عماد برناط طوال 7 سنوات هي المدة التي استغرقها في تصوير الفيلم أن يوثيق الانتهاكات الإسرائيلية التي تمارس تجاه الفلسطينيين، بداية من فكرة إنشاء أسلاك عازلة وانتهاء ببداية إنشاء الجدار الخرساني العازل، وتقوم قوات الاحتلال في كل مرة بتحطيم الكاميرا الذي يستخدمها عماد لتسجيل قمع الجيش الإسرائيلي للمسيرات السلمية الرافضة للجدار والاستيطان، في المقابل يقوم الفلسطينيون بتحطيم معنويات جنود الاحتلال بإصرارهم علي العبور إلي الجانب الآخر وإقامة التظاهرات المناهضة لبناء الجدار العازل،وتنتهي الي فتح النيران عليهم أو اعتقالهم. ويأتي الجزء الثالث من ثلاثية المخرج التشيلي بابلو لارين بعنوان "لا" ضمن قائمة الأفلام المرشحة للفوز باوسكار احسن فيلم ناطق بلغة أجنبية، والفيلم هو الثالث في السلسلة التي توثق فترة الانقلاب العسكري علي الرئيس سلفادور الليندي وتولي الديكتاتور بينوشيه حكم شيلي، حيث وصل الزعيم الاشتراكي سلفادور أليندي إلى رئاسة تشيلي في انتخابات حرة ومباشرة لم تعجب الولاياتالمتحدة في نوفمبر من العام 1970، بسبب انتشار الاشتراكية في دول أمريكا اللاتينية والعداء المعلن للرأسمالية، حتي قام بينوشيه قائد الجيش بالاطاحة بسيلفادور الليندي والاستيلاء على السلطة عام 1973، وحاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالبا سلفادور الليندي بالاستسلام والهروب، لكنه رفض، وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء تشيلي طوال قرنين من الزمان، ليسقط قتيلا في القصر الرئاسي رافضا التخلي عن حقه الشرعي. ويسرد الجزء الجديد من السلسلة فترة أواخر الثمانينيات، حيث إطلاق الاستفتاء الشعبي لبقاء بينوشيه في الحكم او رحيله الا ان نتيجة التصويت بلا ربحت ورحل بينوشيه عن سدة الحكم. عادة ما تسييس جوائز مهرجانات السينما علي حساب المستوي الفني واللغة البصرية الذي يقدمها الفيلم، ومن المتوقع ان يتوج الوضع السياسي الافلام التي تخدم توجهات الانظمة السياسية الحالية. Comment *