تم إجراء هذا الحوار – الإفتراضي-مع عملاق الفلسفة والفكر والرياضيات والطب داخل جدران الذهن مستوحياً ومستدعياً فكر الرجل ومصطلحاته وأدبياته، وإليكم نص الحوار: يسعدنا ويشرفنا أن نلتقي بحضرة الشيخ الرئيس ابن سينا، أهلا بكم يا مولانا ! - إن أنا إلا طالب علم صغير في حضرة العلم اللامتناهي لرب العالمين ، فلا تحملوني ما لا أطيق ! شيخنا الجليل، لا أدري من أين أبدأ فالهموم والمصائب كثيرة وأكبر من أن أعرف كيف البداية - ابدأ من أصل الداء، ثم ابحث له عن الدواء؛ وفرق بين الحقيقة والوهم؛ فالوهم نصف الداء، ، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء. ازددت حيرة يا مولاي! - عند الحيرة عُد إلى أصل الأمر ، ماذا تريد ؟ وإن لم تعلم اصعد لأعلى وعد بالأمر إلى أصله؛ وعليك أن تعلم من أنت؟ ومن أتى بك إلى هذا العالم؟ وما المطلوب منك ؟ فإذا تمكنت من الإجابة على تلك المطالب فقد عرفت معالم الطريق، وبقي عليك أن تبدأ رحلتك. وكيف لي أن أعرف الإجابة وقد تعددت الإجابات وتشعبت الطرق وكثر المتحدثون وقل العالمون؟ - لا سبيل للبداية سوى برسولك الباطن، ذلك الذي إن عرفته وعرفت فضله لن تتركه. وما هو؟! - إنه عقلك، فالعقل يا أخ الإنسانية هو الرسول الباطن، تلك الآلة التي أودعها فيك من خلقك لتكون لك مصباحاً ينير الظلام في حالك الأيام، ما عليك إلا أن تتعرف عليه وتدرك قيمته وتعلم كيف يكون استعماله " إن العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها." وعليك أن تنظر لنفسك لتعرف قواها وتدرك الفارق بين العقل وبين الشهوة والعاطفة وبينه وبين الغضب ، فإن أدركت نفسك علمت يقينا أن العقل وُجد ليحكمها لكونه آلة الإدراك ومحل الفهم ومحط التمييز بين الحسن والخبيث. ولكن هل العقل يمكنه أن يدرك كل شيء؟ - هذا محال، فهو مخلوق يعجز بمفرده عن إدراك كل ما يحيطه إلا إن يعينه معاونون، فإن كان الأمر يتعلق بعالم الغيب فهو قادر على سبر أغوار الكليات فهو يعلم وحده بوجود إله خالق قادر مدبر حكيم ولكنه عاجز عن الجزئيات فيأتي الوحي على لسان النبي والرسول ليبصره بمراد الخالق تفصيلاً ويخبره بما يتوجب فعله لينال الحظوة ويبتعد عن الشقوة، لكنه هو ابتداءً من علم بوجود الإله وحكم بوجود النبي وعلم صدقه فقرر اتباعه ولولا يقينه بكون ما يقوله النبي صادر من المقام الرفيع للحضرة الإلهية لما استسلم لبرنامجه ولما وثق بجلبه للسعادة. هذا عن عالم الغيب، فماذا عن عالم المادة؟ أما عالم الحس فيحتاج العقل الحكيم فيه إلى الحواس الخمسة (سمع وبصر وشم وتذوق ولمس) ولما يعين تلك الحواس من عدد وآلالآت تُعظم قدرتها وتسمح لها بنقل المشاهدات الحسية للعقل ليقوم بفهمها والحكم عليها. مولاي وشيخي غصنا في أعماق النفس الإنسانية، فهل يمكن أن نطفو على السطح لندرك الواقع الذي نعيشه الآن ونضع أيدينا على الداء؟ - .......(يُتبع)