لم يعد من المرجح أن تخوض الأحزاب المتأسلمة، معركة البرلمان المقبلة، تحت لواء واحد، إذ بدأت تتصارع وتتناحر على كعكعة البرلمان، بعد أن ثبت بالدليل القاطع، أن جماعة الإخوان، تريد أن تقضم قضمتها الكبرى، ولا تمنح الشركاء إلا فتاتاً لا يغني ولا يسمن من جوع. أبرز وأهم المنشقين على الإخوان، كان حزب النور السلفي، الذي يحس حسرة مريرة، من التنكر الإخواني لوعوده، بعد أن بذل السلفيون الغالي والنفيس، وشمروا عن سواعدهم، وسخروا منابرهم، وأطلقوا قوافلهم، وكفّروا الذين سيقولون لا للدستور، وشيطنوا كل المعارضين. لاشك في أن مصدر مرارة "النور"، يرجع في المقام الأول، إلى تنكر الإخوان لهم، بعد استخدامهم، ليس الأول، ولاشك في أن رجالات الحزب وقياداته يلومون أنفسهم الآن، على دعمهم اللامحدود للإخوان، وهم يرددون: لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين. والراجح أن اللدغة الإخوانية لن تكون الأخيرة، طالما بقي الحزب يسير وراء حزب الحرية والعدالة، على طريقة "تابعه قفة" الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً، فإذا نفخ الإخوان نفيرهم، هب السلفيون يلبون ويزودون، وإذا دقوا طبول الحرب، كان السلفيون خير الأجناد وأكثرهم استعداداً للبذل والتضحية. كل ذي عاقل لم يكن يتوقع أن يؤيد السلفيون الإخوان، بعد الصفعة القاسية لهم، إذ ساندوا الدكتور محمد مرسي، في انتخابات الرئاسة، بمقتضى وعود أو صفقات، يحصل السلفيون بموجبها على عدد معلوم من الحقائب الوزارية، لكن وزارة قنديل لم تمنح السلفيين، إلا حقيبة البيئة، في تصرف جعل السلفيين أضحوكة بكل ما للكلمة من معانٍ، كون البيئة على وجه التحديد، كانت مخصصة في عهد المخلوع الساقط، لإخواننا الأقباط، في تقسيم أشبه بالمحاصصة الطائفية في لبنان. لكن خلافاً للعقل والمنطق، عاد السلفيون ليعلنوا السمع والطاعة للإخوان، ولم يتركوا غزوة من غزواتهم ضد الليبراليين "الكفار الملاحدة"، إلا كانوا معهم كتفاً بكتف، منتظرين فيما يبدو أن ترد لهم الجماعة الجميل، لكن منهج الإقصاء ولعاب الإخوان الذي يسيل على التهام الوطن.. كل الوطن، على مرة واحدة، كما يلتهم جائع بيضة مسلوقة، لم يكن ليعترف لأحد بفضله، فلا شراكة لأحد مع مكتب الإرشاد، الذي يكره فكرة الاشتراكية أو المشاركة، ويكرهها كراهية تعمي بصره وقلبه. وفيما يتحسس السلفيون موضع الصفعة المؤلمة، وبينما يترنحون من فرط قوتها، يعانون في الوقت ذاته من التآكل الذاتي لحزبهم، بعد استقالة الدكتور عماد عبدالغفور، رئيس الحزب، وانضمامه للحزب المزمع إطلاقه بواسطة حازم صلاح أبوإسماعيل، في لوحة يقال أن أصابع نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر قد رسمتها، لنخر الدعوة السلفية من الداخل، على طريقة الاستعمار البريطاني، فرّق تسد. ماذا وراء الكواليس إذن؟ وهل الفراق بين الحلفاء سيكون أبدياً لا رجعة بعده، أم أن التيارات الإسلامية، التي "امتطى" الإخوان ظهرها، لتمرير الدستور، ستعود سريعاً إلى حظيرة السمع والطاعة، وستنتظر أن تمنحها الجماعة "جزرة سياسية" لا تحصل عليها أبداً؟ سؤال ليس سهلاً جوابه، لكن المؤكد أن الجميع اكتشف الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان، وعرف يقيناً أنها تمارس السياسة، بمكافيلية لم تخطر على بال ميكافيلي نفسه، وأن الإيطالي صاحب كتاب "الأمير"، ومؤسس منهج النفعية السياسية، في أقبح مظاهرها، لو عاش زماننا، لمزق كتابه، وارتضى أن يتتلمذ على الانتهازية، في مكتب الإرشاد. [email protected] Comment *