إذا كانت الاشتباكات في ميدان التحرير، بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي، الذين تم "تعليبهم" في حافلات حزب الحرية والعدالة، وبين المتظاهرين أو الثوار "حسبما يروق للقارئ"، ليست تعنيه على المستويين الشخصي والرسمي، بقدر ما يهتم بتأدية الصلاة، كل جمعة أمام عدسات التلفزيون، والدموع تفيض من عينيه أنهاراً، من فرط خشوعٍ، فنحن إذن إزاء رجل لم يحسن ترتيب أولوياته على نحو صحيح، ولم يعرف ما ينبغي أن يفعل حتى يقود مصر، في هذا المنعطف التاريخي المحفوف بالمخاطر. إذا كان لم يشعر بأن تحطيم أتباعه منصة رأي، ونزعهم حجاب حرائر وضربهن، واعتداءهم على شباب يرفضون سياساته، يمثل وصمة عار في جبينه شخصياً، وفي جبين حقبته الرئاسية، ولم يحس أن ما وقع، يمثل استعادة مرفوضة لمنهج الأمن المركزي القمئ، في عهد المخلوع الساقط، ووزير داخليته، فلماذا لم نسمع له صوتاً، ولم يخرج علينا بخطاب مطول أو مقتضب ليحدد لنا موقفه من إراقة الدماء المصرية؟ تدين الرئيس ليس قضيتنا، فهذا شأنه وربه، الذي يعلم السر وما أخفى، وينظر إلى القلوب، قبل أن ينظر إلى الأفعال، لكن قضيتنا ومطلبنا إليه، أن يفي بما قطعه من وعود انتخابية، أولها: أن يكون رئيساً لكل المصريين، فهذا الوعد هو آخر ما يمكنه تحقيقه، بعد أن اكتشفنا بأن كل ما تشدّق به، من كلام كبير، ووعود فضفاضة، وما سعى لإقناع الناخبين به، من أن بين يديه عصا موسى، سيضرب بها الأرض، فينفلق البحر نصفين، ويضرب مرة ثانية، فيخرج من باطنها اللؤلؤ والمرجان، فنعيش في بحبوحة من عيشنا، ويروق حالنا، وتصبح الحياة وردية، لم يكن سوى سراب وكلام دعائي مدهون بالزبدة، ولما طلعت عليه الشمس ذاب! كل القضايا التي تعهد الرئيس المتدين، القائم بالليل الراكع بالنهار بحلها، مازالت كقطعان بوم وغربان، تجثم على صدر الوطن، رغم مرور المائة يوم، أما مشروع النهضة، الذي حسبه الكثيرون، فتح الفتوحات، فقد أماطت الأيام اللثام عنه، فإذ بالمخدوعين من الشعب يكتشفون أنه محض "نظريات فكرية" لا أكثر ولا أقل.. وهكذا لم يبق أمام رئيس مصر، إلا أن يفي بوعده أن يكون رئيساً لكل المصرين، وموظفاً عند أدناهم شأناً، وأعلاهم مقاماً، يخدم معارضيه ويحقق مصالحهم، قبل أن يخدم مؤيديه وأهله وعشيرته. تدين الرئيس ليس موضوع نقاش نهدر الوقت فيه، فالرئيس لن يمنحنا صك غفران، يفتح لنا أبواب جنة الرضوان، ولن يسحبنا إلى النار معه، إن زج به إليها.. وله أن يؤمن وله أن يكفر، وهو في شأنه هذا حر حرية كاملة.. حرية منحها الحق عز وجل لعباده أجمعين، لكن ليس له أن ينحاز لطرف ضد طرف، أو يغض بصره عن تعدي أبناء جماعته، على جماعة سياسية أخرى، تناصبه الخصومة أو حتى تعلن عليه العداء. تدين الرئيس في كفة، وشأن الحكم في كفة أخرى، فالمصريون لم ينتخبوا "راجل بركة" بعد ثورة سددوا ثمنها دماً ودموعاً، ولا يريدون من رئيسهم أن يكون شيخ زاوية أو مؤذناً، وإنما يريدون أولاً وقبل كل شيء، ممن فوضوه إدارة هذا الوطن، لمدة أربع سنوات، أن يكون على مسافة واحدة، من كل الفرقاء. تدين الرئيس وتدين الإخوان المسلمين، لن يحقق سلام هذا الوطن وأمنه، ولن يحل مشكلاتنا السياسية الراهنة، وصمت الرئيس عما حدث من جماعته، في حين دهاقنة حزب الحرية والعدالة، مثل الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجي، وغيرهما يهرطقون، بأنهم سيلاحقون الذين أحرقوا حافلات حزب الحرية والعدالة في ميدان التحرير، من دون أن إشارة من قريب أو بعيد، إلى الدماء التي أريقت، يحطم الأمل الأخير فيه، وفي أن يفي بوعد واحد من وعوده. صمت الرئيس عما اقترفه مؤيدوه، لا يتسق مع كلامه بأنه على مسافة واحدة من الجميع، ويوحي بأنه مازال أسير مكتب الإرشاد، وإن لم يتكلم الآن، فليتأهب لحمل عصاه والرحيل، لأن الثورة "ستكنس" كل رئيس يخرج عن طوعها، على حد تعبير أبوالعز الحريري، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة. [email protected] Comment *