راهن أغلب الوسط الفنى على شفيق رئيسا، على اعتبار أن مرسى بمجرد أن يحل على الكرسى سوف يطفئ كل مصابيح الحرية! وجدها البعض فرصة ليس فقط لتأييد شفيق، بل لضرب الثورة فى مقتل، واعتبارها مجرد مؤامرة أجنبية أمريكية برعاية قطرية، والكل تحدث وبعضهم وبعضهن زرفوا أيضا الدموع لتمتلئ بها جنبات الشاشة الصغيرة.
بالتأكيد مرسى لن يكون ديمقراطيا ولن يناصر الحرية العامة والشخصية، وهو الآن يردد ذلك، ويعلنه بعد أن تأكد أن جماعة الإخوان المسلمين لا تملك مصير الوطن، لكن قوى الثورة بيدها العصمة.. إلا أن مرسى على الجانب الآخر وعد بعدة قرارات فورية، أى أنه إذا أعلنت النتيجة اليوم باعتباره رئيسا فسوف يسارع بتعيين نواب للرئيس، امرأة وقبطى وشاب، وهناك رئيس وزراء مستقل من الشخصيات الليبرالية.. لا أتصوره يستطيع أن يفلت من تحقيق ذلك ولو حنث بوعده فمن الذى سوف ينقذه إنه يعلم أن نجاحه «على الحركرك» مدين به لقوى الثوار.
هل البديل هو شفيق بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عودة لمبارك ونظامه، وما يمثله من إخضاع مصر لحكم العسكر.. أرى أن هناك جزءا مسكوتا عنه، وهو رغبة دفينة لدى شفيق ومن معه فى الانتقام من الثورة.. لا شك أن هناك فى جبهة شفيق من أعلن تأييده للثورة فقط، لكى يضمن مصالحه مع العهد الجديد، لكنهم بعد أن تأكدوا أن قوى الثورة المضادة لا تزال بيدها بقايا القوة، فلن يتركوا الفرصة تمر دون طعنة يوجهونها للثورة.. المشكلة مع شفيق ليست أنه فقط محسوب على زمن مبارك، وأنه لا يمكن أن يتنكر لرأيه الذى أعلنه بأنه مثله الأعلى، لكن لأن الثورة صارت على المحك، من يدعمون شفيق نصفهم على الأقل من أعداء الثورة الذين يريدون لعقارب الساعة أن تعود بهم إلى ما قبل 25 يناير، وهؤلاء بدؤوا من الآن تنظيم جبهتهم للانقضاض على كل ما تمثله الثورة.
مرسى أيضا سوف يتعرض لضغوط شديدة من أعضاء حزب الحرية والعدالة وتنظيم الإخوان، لأنه لم ينفذ لهم الصورة التى كانوا يحلمون بها لمصر دولة دينية.. يقولون إن الإسلام لم يعرف تعبير دولة دينية، لكننا شاهدنا دولا تطبق فيها أحكاما دينية مباشرة دون حتى أن تستند إلى عمق الدين الذى يميل إلى التسامح ويضع شروطا شبه تعجيزية تحول دون تطبيق الحدود.
الخوف ممن يرفعون راية الإسلام ويعتقدون أن قضيتهم هى ختان الإناث وتصغير سن الزواج للمرأة وإلغاء الخلع وإرضاع الكبير، ستجد بعضهم يردد كلمات ومفاهيم كانت تقال أيضا أيام مبارك تحمل ازدراء للدين المسيحى وتجاوزا فى حق الأقباط.. الشيخ الشعراوى لديه الكثير من الأحاديث فى هذا الشأن، ولكن هذا لم يكن مرتبطا بحكم إسلامى، لكن بثقافة خاطئة رددناها فى أجهزة الإعلام، وحان الوقت لكى نوجه جهدنا إلى عمق المشكلة، وهى الغزو الثقافى الرجعى الذى تعرض له المجتمع المصرى.
شفيق لن يأتى لكى ينشئ دولة مدنية، ولكنه سيفرض علينا دولة عسكرية، والأخطر من ذلك أنه سيضع أمامه هدفا استراتيجيا وهو إجهاض الثورة، لأن نصف مؤيديه ممن ينتظرون اللحظة المناسبة لكى يقولوا بصوت عال «آسفين يا ريس»!
هذه المرة بدؤوا بالدموع على ما آلت إليه مصر بعد الثورة ويبكون على المجلس العسكرى الذى يتحمل الكثير، رغم أن المجلس يردد فى كل مناسبة ودون مناسبة أنه لن يظل فى السلطة، وأنه يقف على نفس المسافة من الجميع، رغم أنه واقعيا لا توجد بينه وبين شفيق أى مسافة فهو منهم وإليهم. بالنسبة إلىّ سواء جاء شفيق أو مرسى فلن يتغير الأمر.. يقينى أن من ينجح على الحركرك سيظل دائما بحاجة إلى تحسين مجموعه عند الشعب، لو تقاعس مرسى فالأغلبية ليست معه، لو تقاعس شفيق فالأغلبية ليست معه، حتى لو آزره المجلس العسكرى، فكلنا نتذكر أن المجلس لم يقدم مبارك وأبناءه إلى المحاكمة إلا بعد أن مارس الشعب حقه فى الضغط الشعبى، وكان دائما يوم الخميس الذى يسبق أى واحدة من جمعات الغضب يحمل رضوخا ما من المجلس العسكرى لمطلب جماهيرى.
الشعب المصرى استرد العصمة، ويستطيع أن يطيح بمرسى فى ساعات لو تقاعس أو ماطل فى تنفيذ ما أعلنه، أما الحناجر الزاعقة والعيون التى ملأتها الدموع والتى تتوجه الآن إلى شفيق والمجلس العسكرى فلن تخدع الناس مرتين!